تجاوز أردوغان حجمه وحدوده فأعاده الأوروبيون إلى قواعده
اياد موصللي
«عرب سيس»… أيّ عرب بلا أدب أو بلا أخلاق. «عرب ما في».. ألمانيا تجسّد بقايا النازية.. هولندا.. نازية..
بهذه العبارات والشتائم خاطب أردوغان أوروبا ودولاً فيها كما خاطب أجداده السوريين والعرب بعد الحرب العالمية الأولى والثورة ضدّ الحكم التركي بقيادة شريف مكه وابنه فيصل، في منطقة دمّر بدمشق جرت معركة هزم فيها السوريون الأتراك شرّ هزيمة وسقط منهم أعداداً كبيرة.. لذلك حقدوا وصاروا يصفون السوريين والعرب بكلمة «عرب سيس».. أردوغان تصوّر نفسه السلطان سليمان القانوني الذي يعتبر مؤسّس السلطنة العثمانية الفعلي وخليفة المسلمين.. وشتان ما بين الرجلين والزمانين. فلكلّ زمان دولة ورجال، ونقول لأردوغان إنّ ما تفكر فيه أكبر من حجمك ومستواك..
الغطرسة التركية جزء من النسيج الخلقي للأتراك، يرون القشة في عين سواهم ولا يرون العمود في عيونهم، يصفون المانيا وهولندا بالنازية لأنهما رفضتا السماح باستغلال بلادهما والأتراك المقيمين فيهما للتظاهر تأييداً لتعديل الدستور..
وهدّد أردوغان بمعاقبة هولندا لهذا التصرف!! واصفاً تصرفها بالنازي، وحسب منطق التاريخ فانّ تركيا هي الدولة الأبرز في التحالف مع النازية في الحربين العالميتين الأولى والثانية.. وبالنسبة لبلادنا كانت تركيا أشدّ سوءاً من النازية وأكثر إجراماً.. وقد قوبل الموقف الأوروبي من تركيا بالترحيب والاستحسان وظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي كثير من التعليقات ضدّ تركيا ومنها: مطالبة بتحويل قنصلية تركيا بهولندا الى كاراج وقول آخر ليتكم لقنتم الذين يذبحون الناس درساً لا ينسونه..
مما جرى ويجري في سورية اليوم وهو نتيجة للمؤامرة التركية وتزويد العصابات التكفيرية الإرهابية بالسلاح وفتح مراكز تدريب وإيواء لها وفتح الحدود للعبور الى بلاد الشام حيث قامت بالقتل والتدمير ولا تزال.. هذه العصابات ترضع من الثدي التركي.
أوروبا تعرف تركيا جيداً ماضياً وحاضراً وتعرف انّ تركيا بلد لا يؤتمن ولن ننسى الرئيس الافرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان الذي اعترض على انضمام تركيا الى أوروبا حيث قال: «أوروبا التي نعرفها الآن ستنتهي إذا دخلت اليها تركيا…» تركيا أردوغان اعتدت على الأراضي السورية وزعمت انها تحارب داعش وعندما دخل الجيش السوري مدينة منبج السورية قامت القوات التركية بقصف مواقعه!
التاريخ التركي مليء بالعدوان والاحتلال والطائفية.. وأبسط ما يذكر ما قام به السلطان محمود الثاني الذي سلّم بطريرك الروم الارثوذكس في اسطنبول على باب الكاتدرائية الى اليهود الذين مثلوا به شرّ تمثيل وحيث قاموا بالمذبحة الشهيرة ضدّ المسيحيين «راجع كتاب الصهيونية والشعوب الشهيدة» لبيير هابيس.
فتركيا يشدّها الى اليهود حلف قديم وتبادل مصالح ومنافع، فالمذابح ضدّ الأرمن قام بها الأتراك بإيعاز يهودي حيث تمّت المذبحة بموجب التقويم اليهودي في 15 ايلول 5676 واعتبر اليهود هذا العام عيد فرح..
كما سمح قائمقام طبرية العثماني لليهود بتكوين حرس خاص بهم جيش صهيوني جديد بداعي الخطر الذي بات يتهدّد اليهود من البدو قام الاتحاديون الأتراك بدعم اليهود والتعاون معهم..
وفي عام 1900 قامت الحكومة الاتحادية التركية بإلغاء امتيازات صحف عربية تهاجم الهجرة اليهودية الى فلسطين.. وهذه الصحف هي جريدة «الكرمل» التي تصدر في حيفا و»المقتبس» التي تصدر في دمشق و»فلسطين» التي تصدر في يافا.
وسمحوا لليهود بإصدار طوابع بريدية تحمل اسم هرتزل ونوردو ..
وبعد الانقلاب الذي أعاد حزب «الاتحاد والترقي» إلى الحكم في تركيا عام 1913 نشط الصهاينة مرة أخرى بعد أن خاطب الحاخام اليهودي في اسطنبول والذي انتخب حاخاماً أكبر لتركيا بعد الانقلاب في عام 1908، خاطب وزير العدل والثقافة طالباً إلغاء جواز السفر الأحمر الذي يعطى لليهود غير الأتراك عند دخولهم فلسطين، وإزالة القيود ضدّ حيازة اليهود لمساحات شاسعة من الأرض خارج المدن والقرى الفلسطينية، بدعوى انّ هذه الإجراءات تجرح وبعمق الحسّ الوطني والديني اليهودي . وقد استجاب الوزير وألغيت كذلك مهلة الأشهر الثلاثة التي كانت تحدّد مدة بقاء اليهود الزوار لفلسطين، بحجة انّ ولاة القدس وبيروت العثمانيين قرّروا انّ هذه الإجراءات لم تحقق الغرض منها.
هذه هي تركيا التي ترفع عقيرتها بالصراخ وتتهم دولاً في أوروبا بالنازية لأنها منعت وزيرة تركية من الزيارة والتحريض على التظاهرات. تركيا هذه التي فاقت أعمالها وتصرفاتها كلّ ارتكابات النازية حتى انّ أعمالها الطائفية كثيرة أبرزها:
ما حدث في عام 1914 وردة الفعل الشاجبة المستنكرة له فقد حاول البارون الألماني «ماكس» بث روح التفرقة بين المسلمين والمسيحيين بدفع وتحريض من الأتراك. مما أهاب برجال الدين المسيحي الى التحدث للشيخ بدر الدين الحسيني محدث الشام الأكبر، الذي نصح الأتراك بالإقلاع عن بث روح التفرقة لما في ذلك من وخيم العواقب، وطلب إلى أحد معاونيه الشيخ محمد محي المكتبي خطيب دار الحديث بنشر بيان بين الناس يدعو فيه الى التحابب والائتلاف.
وقد تمّ نشر البيان على الناس، وجاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وصلى الله على سيدنا محمد القائل: «المؤمن يألف ويؤلف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف ويد الله مع الجماعة ومن شذّ شُدّ في النار».
وصلى الله على سيدنا عيسى المسيح روح الله القائل: «لا تقابلوا الشرّ بالشرّ، فإنما يفعل ذلك شرّ الحيوانات وقابلوا الشرّ بالخير، طوبى للمتواضعين في الدنيا فهم أصحاب المنار يوم القيامة، طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا، هم الذين يرثون الفردوس يوم القيامة».
وعندما نذكر تركيا نقول علينا أن نعي حقيقتنا بشكلٍ عميق وواعٍ وأن نحدّد أعداءنا الداخليين والخارجيين، فأعداء الداخل أخطر من أعداء الخارج، فدرهمُ وقاية خيرٌ من قنطار علاج فلا نضيعنَّ الفرصة، نحن نواجه عدواً صهيونياً شرساً ولكن هنالك أعداء مارسوا بحق أمتنا نفس الأدوار قبل «إسرائيل» وفي مقدمة هؤلاء الأتراك، فلا نُؤخذ بالمسرحيات والتمثيليات التي تجري باسم فلسطين لكسب ودّنا وإغماض أعيننا، فقد كانت ولا زالت مؤامرات الأتراك بحقنا عميقة الجذور من أجل القضاء على العروبة من أساسها وسورية سيفها وترسها.
إنّ ما يجري اليوم من قبل الحكام الأتراك ضدّ سورية هو إتمامٌ لما حاولته جمعية الإتحاد والترقي وأفشلته يقظتنا، فقد حاولت هذه الجمعية التي معظم قادتها من ذوي الأصول اليهودية تتريك العرب ولكنها فشلت.
إنّ الحلف التركي مستمرّ منذ عهد أتاتورك إلى هذا اليوم داعماً لـ»إسرائيل» على حساب العرب مختبئاً وراء راية الإسلام، فإذا كان المؤمنون إخوة فهل اليهود هم الإخوة والعرب أعداء؟
فصراخ أردوغان بعد ان عرّاه الأوروبيون وأظهروا احتقارهم واستهزاؤهم لحكومته هذا الصراخ لا يخفي حقيقة الموقف الذي يواجهه الأتراك والذي نقول لهم فيه انّ درهم وقاية خير من قنطار علاج..
وزارة الخارجية السورية طالبت رئيس مجلس الأمن باجراءات ضدّ التفجير الإرهابي الذي وقع قرب منطقة الباب الصغير وذهبت ضحيته أعداد كبيرة من زوار المقبرة هناك.
كما طالبت الوزارة مجلس الأمن بإلزام حكومات وأنظمة الدول الداعمة للجماعات الإرهابية وفي مقدمتها أنظمة الحكم في تركيا والسعودية وقطر وبعض الدول الغربية بوقف كلّ أشكال الدعم المقدّم من قبلها لهذه التنظيمات الإرهابية، وخاصة في مجالات التسليح والتدريب والإيواء والتمويل، وكذلك إلزام تلك الأنظمة بالكفّ عن العبث بالسلم والأمن الدوليين ووقف انتهاكاتها للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة والتطبيق الكامل لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب، واستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب».
انّ انشغال أردوغان بتثبيت سلطته المطلقة كحاكم منفرد مستبدّ لا يلغي مسؤولياته الدولية ولا يجعله ينفث غضبه على الدول والشعوب التي رفضت وجوده..
ونقول لأردوغان: «رحم الله امرء عرف حدّه فوقف عنده».
وأردوغان تجاوز حدّه.