بازار أستانة يفتح ثالثة… هل من ضيوف جدد؟
محمد ح. الحاج
لم العودة إلى أستانة، وما الجديد ليكون موضع بحث هناك؟
الذين أطلقنا من أجلهم تسمية بازار على أستانة في اللقاءين السابقين.. لن يشاركوا في اللقاء الثالث كما أوردت الأخبار، على أنهم «الجيش الحر»، فهل هم غير معنيين بتثبيت وقف إطلاق النار؟ ولماذا إذن هذا البازار…؟
«جيش الإسلام» وقيادته السعودية – العلوشية، هل أصبحت خارج اللعبة أم هي الأدوار يوزعها المايسترو.. ولكن، من هو المايسترو؟ روسيا أم مَن؟
ما هذا التناغم اللافت والتنسيق فوق العادة بين التركي وحليفنا الروسي؟ وما نوع اللعبة التي يمارسانها على الأرض السورية؟ وهل يعتقد الروسي بأنه سيكسب التركي قريباً ويغريه بالخروج على حلف الناتو؟
الحفاظ على وحدة الأرض السورية شعار ترفعه الدول الراعية للمحادثات والأطراف المشاركة، ولكن، ما معنى التواجد العسكري الأميركي على الأرض السورية دون طلب ولا إذن أو تنسيق مع الحكومة السورية؟ ولماذا تكون بينهما عمليات مشتركة أرضية بعد الجوية لمنع وقوع صدام غير مرغوب فيه بين القوتين الكبريين الروسية والأميركية على الأرض السورية؟ وهل فقدنا حق الدفاع عن أرضنا الوطنية بوجه القوى الراغبة العاملة على تمزيق هذا الوطن التركية والأميركية ؟
يبدو أنّ العودة إلى أستانة، أو البازار، ضرورة لا يتمّ الكشف عن أسبابها، ولم نستطع استنتاجها من تصريحات أحد، وبما أنني أستقي معلوماتي من متابعة تصريحات كبير الدبلوماسية السورية الدكتور بشار الجعفري في مؤتمراته الصحافية، فقد فهمت أنّ أستانة لزوم ما لا يلزم، وهو اعتبر أنّ ذلك لا يعدو كونه «رحلة سياحية ترفيهية، ويمكننا العودة إذا رغب الآخرون بذلك… البلد جميل والضيافة ممتازة».
حتى اللحظة لم يتمّ الإعلان رسمياً عن الأطراف المشاركة في «أستانة 3»، غير أنّ وزير الخارجية الكازاخي أكد تبلغ بلاده حضور الأطراف الثلاثة روسيا وإيران وتركيا، كما أعلنت سورية عن مغادرة الوفد الرسمي دمشق للمشاركة، هذا وصادف نشر أحد مواقع الشبكة العنكبوتية قرار «الجيش الحر» بعدم المشاركة ومع الخبر تمّ نشر صورة محمد علوش يتوسط القيادة العسكرية – إذاً لمن سيكون البازار هذه المرة وهل هناك سماسرة جدد؟
لا يبعث على الاطمئنان أبداً هذا التنسيق والتناغم الروسي التركي في الشأن السوري، خاصة بعد زيارة الرئيس التركي والإعلان أنّ التفاهمات قائمة والرؤى متطابقة، فهل يوافق الروسي على الاجتياح التركي لكي- يفرض أمراً واقعاً في المناطق التي تصبح تحت سيطرته فيرفع عليها علمه وينشر فيها شرطته ويقيم عليها مراكز له ومخازن وإدارات إلخ…
هل يضمن حليفنا الروسي القدرة على إخراج القوات التركية فوراً وإخلاء مواقعها إذا ما آلت المحادثات إلى سلام واتفاق؟ أم أنّ الرؤية تتضمّن مشاركة القوات التركية في طرد داعش لتوسيع نفوذها ونشر المزيد من المزارات وقبور القادة لتصبح أوتاد جحا جديدة كما كان وتد جحا على طرف جسر قره قوزاك؟ وما نسينا بعد أطماع التركي في أرضنا.
إنّ المطالبات المستمرة من قبل الحكومة السورية بخروج القوات التركية والأميركية لا يمكن أن يتمّ فهمها على غير معنى، ولا يسمح للروسي أن يتجاوز رغبة وقرارات الدولة صاحبة الأرض والسيادة، وإذا كان لا يدخل في حساباته الصدام مع هؤلاء الأتراك والأميركان فإنه لا يجب أن يقف بوجه القوات السورية ليمنع دفاعها عن حقها، بعد أن تجذرت الحالة في الشمال والشمال الشرقي وعلى مساحات كبيرة من الأرض، ونعتقد أنّ ذلك الانتشار تمّ بالتنسيق والاتفاق مع قيادات داعش ذاتها التي تدين بوجودها واستمرارها للدعمين الأميركي والتركي على حدّ سواء.
كيف يمكن للمواطن السوري أن يتفهمّ مقتضيات المصالح الروسية على حساب وحدة الأرض السورية؟ أو الصمت عن خرق حرمة الحدود والأجواء؟ بعد أن نصب قواعده القادرة على فرض حظر شامل للتحليق فوق الأراضي السورية، حتى أنّ العدو الصهيوني يتباهى بقيام طيرانه بعمليات على الأراضي السورية وأنّ التنسيق مع القوة الجو – فضائية الروسية يمنع الصدام واستطراداً، هل يمنع أجهزة الدفاع الجوي السورية من العمل أو يقيدها؟
أيّ معنى لشعار الحفاظ على وحدة الأرض وما يحصل هو عمليات فصل لعرى هذه الوحدة، ويمكن العودة إلى تصريحات أكثر من مسؤول تركي أكدت أنّ المناطق التي تضع عليها القوات التركية يدها بعد تحريرها من داعش لن يتمّ تسليمها إلى الحكومة السورية!
تقوم القوات الأميركية، قبل التركية، بإقامة قواعد عسكرية ومهابط في مناطق شرق الفرات الخاضعة للسيطرة الكردية، معسكرات ومخازن، وحذت لاحقاً القوات التركية حذوها، فهل يؤسّس هذا العمل في المستقبل القريب لخروج سريع، وما عوّدنا محتلّ سابق أن يخرج إلا بالقوة، وعلى هذا الأساس قد يصبح خروج طرف مشروط بخروج الآخر، وأعتقد هذا ما سيكون مستقبلاً بين الناتو من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى، ونستذكر عندها أنّ فورة أبناء الداعرات، العملاء الوهابيين كانت الوسيلة لاستجلاب القوى الخارجية واقتسام أراضينا بعد تخريبها، تحت شعارات الديمقراطية والحرية الكاذبة والإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان الزائفة، والهدف الأصل كان وما زال الدفاع عن الكيان الصهيوني وجوداً واستمراراً، وهدما لكلّ مدماك أو بنيان تقيمه المقاومة لاستعادة الحقوق السليبة.
يومان، تتكشف بعدها نتائج بازار «أستانة 3»، وإذا كانت المقدّمات له تفجيرات دمشق وسقوط عشرات الضحايا من الأبرياء المدنيين ـ وتبني «الجيش الحر» للعملية، ثم نفيه لاحقاً، علماً أنّ الفاصل البسيط جداً ما بين «جيش الإسلام» و«الجيش الحر» لا يتجاوز الخيط الرفيع وهو التعريف الأممي السعودي الأردني إلخ… فهل لهذا استنكف قادة «الجيش الحرّ» أو «جيش الإسلام» عن المشاركة في بارزار «أستانة 3»، وكيف تكون الضمانة لوقف العمليات أو الاستمرار في تحقيق ذلك مع مجموعات جديدة، تتولى المناورة كالثعالب في قصة قديمة للقراءة؟ بعضها يلتزم هنا، والآخر يفجر هناك، وفي مرحلة ثانية يكون العكس، التنظيمات واحدة، وغرف العمليات موحدة، والتعليمات ترد من الخارج عاملة على ضمانة استمرار التخريب ومنع اللقاء، وكما يتردّد: المؤتمرات مسموحة، والمشاركات مسموحة، والمساومات أيضاً مسموحة، وحده النجاح والوصول إلى نتائج حاسمة ممنوع… ممنوع.
«جنيف 4» خرج بسلال أربعة لتكون موضع البحث والنقاش في «جنيف 5»، وبما أنّ لقاء «أستانة 3» جاء في الوقت المستقطع بين الاثنين، نتساءل ما الذي سيضيفه هذا اللقاء إلى السلال الأربعة، هل تزداد… تتضاعف، أم يتمّ الاكتفاء بملفات تضاف إلى إحداها على الهامش، مع إدخال عناصر مشاركة جديدة ربما جرى تأهيلها في البازار؟
لست متشائماً بطبيعتي ولا سوداوي النظرة، لكن مجريات الأمور لا تسمح بقراءة متفائلة، ولا رسم صورة واضحة لمستقبل العمليات، ومع ثقتي المطلقة بجيشنا السوري العظيم، وقوانا المقاتلة الرديفة، فإنني أثق بحكمة القيادة التي تحاول مجموعات انتهازية على الساحة الداخلية إرباكها وتشويه عملها، غير مبالين ولا آخذين بالاعتبار أنها ترصدهم، تمهلهم… ولا تهملهم أبداً…