مطران المقاومة هيلاريون كبوجي مُكرّماً في قصر الأونيسكو
وفاءً وتكريماً لرموز النضال، أقام لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية، وتحالف القوى الوطنية الفلسطينية، حفلاً تكريمياً للمطران المقاوم هيلاريون كبوجي، وذلك بعد ظهر أمس في قصر الأونيسكو ـ بيروت، بحضور حشد من الشخصيات السياسية والحزبية والإعلامية والفلسطينية.
بعد النشيد الوطني اللبناني ونشيد المقاومة فالنشيد السوري، عُرض فيلم عن حياة المطران الراحل، ثمّ قدّم للاحتفال عضو المجلس الوطنيّ اللبنانيّ للإعلام غالب قنديل، فقال: «للمطران هيلاريون كبوجي علينا واجب الاعتراف بأنه رمز كبير من رموز هذه الأمة، الذين ثابروا على صون المبادئ والقيم الكبرى، مبادئ الحرية والاستقلال والنضال الوطني في أصعب الظروف. أحببناه وتضامنّا معه وباتت صورته أيقونة في صدر كلّ مناضل وفي كل بيت فلسطيني وعربي. ابن سورية الأبيّة التي كان يعرّف نفسه بأنّ العربي السوري مثل كلّ السوريين…
حياة المطران الراحل هيلاريون كبوجي لا تختصر بساعات، وهي سيرة حافلة بمحطات نضالية، مشهودة بعروبة نابضة وحيّة وبحب لفلسطين.
لحّام
من ناحيته، سرد بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام وقائع تاريخية عن تجربته النضالية مع المطران كبوجي، وقال: «المطران هيلاريون كبوجي هو فقيد حلب الشهيدة المنتصرة، وهو فقيد القدس، فقيد فلسطين، فقيد سورية فقيد الحرّية والكرامة. هو أخي، جاهدنا معاً في فلسطين منذ عام 1974. هو في السجن الشهامة والعزة وأنا كنت أسيراً وأسير بهمة معنوياته.
المطران هيلاريون كبوجي راهب حلبي، والراهب ينذر حياته كلّها للرب من خلال جذوره الثلاثة، وفقيدنا كان له الهدف الوحيد الكبير فلسطين، ومنذ أن عُيِّن نائباً بطريركياً في القدس عام 1965 أصبح رمزاً للقضية الفلسطينية ونذر حياته لخدمة الفلسطينيين في الوطن، في أمكنة نزوحهم في البلاد العربية وفي العالم أجمع.
إنّ فقيدنا هو حقاً بطل القضية الفلسطينية، إذ ظلّ يدافع عنها حتى آخر رمق من حياته متنقلاً في بلدان كثيرة. إنّ نضال فقيدنا الغالي المطران هيلاريون كبوجي وجهاده وتضحياته فخر لفلسطين ولسورية ولوطنه وللبلاد العربية كلّها وفخر لكنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك».
مراد
وألقى كلمة الأحزاب اللبنانية، رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبد الرحيبم مراد، وقال: «التكريم لمناضل عربي مقاوم اتخذ من فلسطين وقضيّتها بوصلة حركته في الحياة وتحمّل في سبيل هذا الموقف الكثير من العناء والظلم، لقد تحمّل وصبر وظلّ على مبدئه بصلابة من دون أن يلين له عزم أو ينخفض له صوت أو تضعف لديه إرادة. مطران القدس. مطراس فلسطين. مطران سورية. مطران المقاومة المطران الراحل هيلاريون كبوجي.
مراد
ولفت إلى أن المطران كبوجي بما امتلك من فهم وبما مثّلته القدس له من رمزية، أبا إلا أن يكون على مستوى صليب الآلام، واختار طريق المقاومة للتعبير عن إيمانه، وترك هذه البصمة في سجلّ فلسطين مبرهناً أن قضية فلسطين قضية حق وعدل وشعب وستبقى عربية عربية عربية.
وأشار إلى أنّ هذا المطران الصادق والمعتقد بالقضية الفلسطينية الذي غاب وفي قلبه غصّة على فلسطين والمنطقة العربية ترك إرثاً نضالياً لفلسطين لا يمكن لأحد أن يتجاوزه أو أن يطمسه. لافتاً إلى أنه عرف الصهيونية حق المعرفة وعرفها كاحتلال بغيض وعلم أن قوّة الصهيونية ليست مطلقة.
وأفاد مراد أن القضية الفلسطينية ستبقى أمّ القضايا العربية وستبقى الرمز الأكبر لعروبتها، موجّهاً التحية إلى كلّ الصامدين في وجه العدو الصهيوني.
السيد
وألقى كلمة المقاومة، رئيس المجلس السياسي في حزب الله النائب السابق السيد ابراهيم أمين السيد فقال: في الشأن الفلسطيني من الضروري الحديث بداية عن مطران القدس في المنفى والنائب البطريركي العام للقدس المطران الراحل هيلاريون كبوجي، وهو من أندر الظواهر في التاريخ الذي في علم اللغة يسمّى توارد الأفكار أو الانصراف الذهني إلى المعنى. المطران كبوجي لا يسعنا أن نقول إلا أنّه فلسطيني. مشيراً إلى «أننا عرفنا زعماء يصغّرون القضية لتصبح بحجمهم، أما كبوجي فتواضع لتكبر القضية فيه، وكشف المنافقين والكذابين بِاسم الدين.
وقال السيد مخاطباً كبوجي: «لم تكن مع حق فلسطين فقط وضدّ إسرائيل، بل إنك نموذج لكل العرب في فلسطين، حيث لم تكن فلسطين جزءاً من اهتماماتك ولا نصفها، إنما كانت لك كل وجودك وكل اهتمامك ودينك وإنسانيتك، اذا كانوا لا يستحقونك فإن فلسطين والمقاومة تستحقك، وإن الضحايا يستحقونك والاسرى أيضاً».
وأوضح السيد أن كل ما يجري اليوم يراد ان ينتهي لصالح «إسرائيل» من أجل زوال قضية فلسطين وسقوطها أمام الغبار والضجيج والصراخ الطائفي والمذهبي، وفُتحت يد «إسرائيل» لتفعل ما تشاء دولة يهودية ولا قدس ولا ضفة ولا دولة فلسطينية. فقط يمكن أن تمنحكم ساعة حرّية في غزة، المطلوب أن ينظر العالم إلى ما يجري في فلسطين وألا ينظر في فلسطين، إنما يفرض علينا النظر إلى ما يجري حول فلسطين.
ولفت السيد إلى أنّ هناك حروباً كبرى تحمل ثلاثة أهداف: تدمير الدول، والجيوش، والشعوب والمجتمعات، وتمتاز الحروب أنها من الخارج احياناً وفي أكثر الاحيان من الداخل ومدعومة من الخارج، هذا ما حصل في ليبيا والعراق واليمن في لبنان. مشيراً إلى أنّ ما يجري في اليمن ليس فقط تدمير دولة إنما هو تدمير شعوب. ما يفعله الشعب اليمني هو في كسر هذا المشروع الذي يشهده العالم العربي.
وفي فلسطين، أوضح أن الشعب الفريد يواجه منذ اكثر من 60 سنة المؤامرة الاميركية ـ «الاسرائيلية» وبعض العربية، لكن بعد أكثر من 60 سنة فلسطين ستبقى والانظمة ستنهار والاعداء سيفشلون.
وفي الشأن السوري قال السيد: «لم نذهب إلى سورية لنبني مشروعاً سورياً أو نُسقط مشروعاً سورياً، إنما ذهبنا بملء إرادتنا وقرارانا ووعينا وبصيرتنا لنقاتل المشروع الأميركي الصهيوني أو حلفائه في المنطقة. وهذا يعني أننا في هذا الوجود ومع سورية ومعا الرئيس الأسد ومع الجيش السوري والشعب السوري، يجب أن يعلم الجميع أنّ ما يحمي فلسطين هو الانتصار في سورية.
علي
من ناحيته، قال السفير السوري في لبنان عبد الكريم علي: «النائب البطريركي العام للقدس المطران الراحل هيلاريون كبوجي، مثّل معاني الإنسانية وقدّم نموذجاً للتآخي المسيحي الإسلامي. كان مدافعاً عن قضايا شعبه، بعيداً عن أيّ اصطفافات ضيّقة. دافع عن الشعب الفلسطيني وتمسّك بعروبة القدس». مضيفاً أن كبوجي كان رجل دين وقائداً ومفكّراً ومناضلاً شرساً وحنوناً في آن.
ولفت علي إلى أنّ كبوجي صرّح أنه فخور بكونه سورية، لأن سورية علّمته الصمود. ورفض أيّ مساومة على رغيف الخبز، وأنّ سورية دائماً في قلبه، وأن العالم العربي من دون سورية مثل طاولة على ثلاث أرجل، وكي تقف الطاولة لا بدّ من الرجل الرابعة. مذكراً بقول المطران: «في منزلي، إلى جانب صورة العذراء مريم، توجد صورة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد».
وأشار إلى أن كبوجي دعا إلى التشبّث بالأرض والسعي إلى استردادها. لم يؤمن بالطائفية أو التمييز، بل بالإنسانية والعدالة. ورأى أن في فلسطين قضية عابرة للطوائف، موضحاً أن المطران انضم إلى أسطولَي «حرّية غزّة» عام 2009 و2010، ونقل الأسلحة إلى الفلسطينيين في سيارته الخاصة.
وشدّد علي على أنّ المطران كان رجل مبادئ وحصناً للمسيحية والإسلام والعروبة، وروحه ستظلّ خالدة. مؤكداً أنّ سورية التي فخرت به تكمل اليوم سنتها السادسة صامدةً وشامخةً في مواجهة أشرس حرب إرهابية، وهي رفضت المساومة على فلسطين وشعبها، وأعلنت ثقتها بالنصر على الحرب المدبّرة ضدّها. لافتاً إلى أنّ لبنان أهدى العالم انتصارات في دحر العدوان «الإسرائيلي»، تتعلم منها الأجيال.
الرفاعي
وألقى كلمة تحالف القوى الفلسطينية في لبنان، ممثّل حركة الجهاد الإسلامي أبو عماد الرفاعي فقال: «ليكن صحيحاً أنّ الرجال يُعرفون بمواقفهم، لأنّ التوقيت الذي يختاره هؤلاء الرجال لاتخاذ مواقفهم يضيف الكثير من معاني الرجولة إلى معدنهم. ومطراننا المقاوم الذي نحتفي به اليوم هو أصدق مثال على ذلك، لا يذكر اسم المطران كبوجي إلا ونذكر المقاومة بكل أشكالها من التصدي لسياسة الاحتلال إلى دعم المقاومة في الموقف والكلمة وبالسلاح ايضاً.
ولأن حياته جسّدت كلّ محطات النضال والكفاح استحق أن يكون مطران المقاومة، إنّ أعظم ما عُرف عن المطران كبوجي ثباته على الحق حتى آخر لحظة من عمره، فلم يضعف. جسّد المطران كبوجي في حضوره المشرّف في القدس في أدواره وأفعاله، وكما في مسيرته الكفاحية جملة معانٍ جعلت منه رمزاً ناصعاً من رموز القضية الفلسطينية التي كانت وستبقى بوصلة المجاهدين، وقضية الأمة المركزية وهو الآتي من سورية التي قدّمت منذ بداية الصراع مع الصهيونية شيخ المقاومين والمجاهدين عزّ الدين القسام إيماناً بأن فلسطين هي قلب العروبة مثلما هي قبلة المسلمين الأولى.
بالأمس القريب قدّمت فلسطين فارساً من فرسانها وهو المثقف المشتبك فادي الأعرج، شكّل استشهاد فادي تجسيداً لما يجب أن يكون عليه المثقف.
إنّ ما يمثّله المطران كبوجي هو موقف رجل الدين الحقيقي الذي يتمسّك بالحق وبالحقيقة فلا يلقي الاتهامات جزافاً ولا يحرّف الحقائق التاريخية ولا يثير الضغائن.
الشامي
أما كلمة عائلة المطران الراحل، فألقاها الإعلاميّ غسان الشامي فقال: إذا كان لكل امرؤ من اسمه نصيب، فلكبوجي النصيب بتمامه واكتمال بدره.
باسق هذا الرجل كحور شرب من ماء الود، وعتيق كسنديان سوري عصيّ على احتطاب العثماني. ونديّ كزيتون فلسطينيّ يرشح زيت قداسة، وعَطِرٌ كصابون حلب يغسل قلوب الحزانى والمكلومين.
أعرف الكثير عن معاناة كبوجي من الاقربين والابعدين، لكنه لم يتذمّر إلّا مع أصدقائه الكتومين كمن يعترف امام الله ولذلك أحترم صمته.
لم يفارقه الوطن قيد شهقة. لم تغادره القدس ولم ينسَ قط انه خرج ذات صبيحة من باب أنطاكية في حلب ودخل بيت المقدس من باب دمشق حاملاً شعانين الارث الانطاكي المشرقي.
كبوجي خلاصة قرن إلا قليلاً من صلابة القامة واحتراف العزّ. أذكر أنّه أخبرني كيف جابه غير هيّاب المحقّق اليهويّ المقلّس بأن استعاد التاريخ قائلاً لم يستطع أي محتل ان يبقى في هذه البلاد طويلاً.