أميركا تبلغ السعودية بدورها الجديد… التصدي لإيران
اياد موصللي
عام 1953 تسلّم الحكم في إيران وعقب انتخابات ديمقراطية السياسي الإصلاحي محمد علي مصدّق الذي ينتمي إلى الجبهة المعارضة لأسلوب وسياسة شاه إيران محمد رضا بهلوي.. حيث كان وجود الموساد الإسرائيلي وتدخله السافر في الشأن الإيراني.. فعلاقة «إسرائيل» بالشاه كانت قوية وراسخة..
ظهرت قوة وسلطة الموساد الإسرائيلي عندما استاء الشاه من فوز مصدّق فكان أن تدخل الموساد بالتنسيق مع المخابرات البريطانية والأميركية لإسقاط رئيس الحكومة المعارض المنتخب من الشعب.. ديمقراطياً.. وكانت العلاقات بين الشاه و»إسرائيل» قد بلغت مرحلة متقدّمة جداً وأصبحت بموجبها إيران المستورد الرئيس للمنتوجات الصناعية والزراعية الإسرائيلية. وقامت «إسرائيل» بتدريب جهاز السافاك الإيراني المعروف بولائه المطلق للشاه.
بقي الوضع الإسرائيلي مسيطراً في إيران حتى جاءت الثورة الإسلامية وأطاحت بحكم الشاه وقضت على الصلات القائمة مع «إسرائيل» وأقامت علاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وزار المرحوم ياسر عرفات طهران وافتتحت مكاتب فلسطينية وسفارة ورفع العلم الفلسطيني وأفسح المجال أمام المنظمات والهيئات الفلسطينية للعمل ونيل الدعم المادي والعسكري..
منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا انتقلت إيران من خندق العمالة والنذالة الى ميدان المنازلة.. مما أوجد لها خصومة مع الحركة الوهابية الحاكمة في السعودية باعتبار انّ الحكم في إيران هو حكم ديني يتبع الشرع الإسلامي على أساس المذهب الشيعي، والسعودية تتبع السلفية الدينية. وامتدّ هذا الصراع حتى شمل كلّ المرافق والميادين الوطنية.. ونكاية بالطهارة توضأت السعودية بالنجاسة فنسجت خيوطاً واتصالات سرية مع «إسرائيل»، وبدأ التنسيق بينهما الى أن كشفت «إسرائيل» بوضوح هذه العلاقة والاتصالات والزيارات واللقاءات.
لذلك لم يكن جديداً ولا مفاجئاً الإعلان الصادر عن البيت الابيض والذي يفيد بأنّ الرئيس الأميركي استقبل ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وانّ البحث بينهما جرى حول «أهمية التصدّي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الاوسط…»
تماماّ هذا ما تراه وتنادي به «إسرائيل»، وقد وافق شنّ طبقة كما يقول المثل العامي..
استدعى ولي ولي العهد السعودي إلى واشنطن لمقابلة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وتلقى التعليمات منه مباشرة في ما يتوجب انتهاجه بالنسبة للعلاقة مع إيران والتحذير من السير في مشاريع المصالحة والتسوية التي تتسرّب أخبارها..
الموقف المطلوب اتخاذه ضدّ إيران يؤدّي في النتيجة لتحقيق المخطط والمشروع الإسرائيلي وتحويل إيران الى بعبع وخطر محدق مما يبعد «إسرائيل» وأخطارها عن الأنظار، ويفتح الباب أمام صراع جديد في المنطقة بين بعض الدول العربية وإيران ورفع راية المذهبية الدينية ورائحة هذا الطبخ بدأت تفوح…
هذا المشروع الذي دخلت السعودية طرفاً في تسويقه وتحقيقه هو نفس المشروع الذي توصلت اليه «إسرائيل» بعد الدروس والتجارب التي توصلت اليها ومفادها أنها تستطيع عبر إذكاء نار الفتنة بين الدول العربية، أو بين شعوبها، أن تفسح المجال لنفسها وللدول الأجنبية الأخرى ان تتدخل.. تماماً كما جرى في سورية والعراق وما يجري في اليمن..
وإذا عدنا الى كتاب صراع الحضارات لمؤلفه جوناثان كوك الكاتب اليهودي المقيم في مدينة الناصرة بفلسطين.. نجده يقول: «من هنا، خططت الولايات المتحدة وإسرائيل لتفتيت المنطقة والزجّ بها في أتون النزاعات والحروب الأهلية كلما كان إلى ذلك سبيل». ويبرهن المؤلف بالوثائق والشواهد، على انّ الولايات المتحدة كانت على علم تامّ بما سيعقب احتلال العراق من فوضى ونزاعات داخلية. ويقول إنّ «إسرائيل» والمحافظين الجدد كانوا يعلمون منذ البداية انّ غزو العراق والإطاحة بحاكمه، سوف يطلقان العنف الطائفي من عقاله، وعلى نطاق لم يسبق له مثيل، وقد كانوا يرغبون في هذه النتيجة». وعلى سبيل المثال، ينقل المؤلف بعض ما ورد في ورقة سياسية أعدّها مهندسو غزو العراق، ديفيد وورمسر، وريتشارد بيرل، ودوغلاس فيث، أواخر سنة، 1996 والتي قالوا فيها: «بعد إسقاط صدام حسين، سوف يتفسّخ العراق بفعل سياسات زعماء الحرب، والعشائر، والعصابات، والطوائف، والعائلات الرئيسية».
ويورد المؤلف قول المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط، كريس تونسينج، قوله «انّ الإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهورية كانت أو ديمقراطية، ظلت على مدى عقود، تمارس ثلاثة أهداف أساسية في المنطقة، وهي ضمان أمن «إسرائيل»، وتدفق النفط الرخيص غرباً، واستقرار الأنظمة المتعاونة.
ويتساءل المؤلف: هل تغيّرت هذه السياسة؟ ويضيف انّ كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، وفي كلمة ألقتها في الجامعة الأميركية في القاهرة في صيف، 2005 قد أجابت عن هذا السؤال، حيث قالت: «على مدى 60 سنة ظلت بلادي، تسعى الى تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في المنطقة هنا في الشرق الأوسط ولم نحقق أياً منهما. والآن ها نحن نتخذ مساراً مختلفاً». ويتابع المؤلف قائلاً: «في لغة واشنطن الجديدة، يجري استبدال الاستقرار الإقليمي بسلسلة من الثورات الديمقراطية. وتلك هي الرسالة المطلوب نشرها لإضفاء الشرعية على الأهداف التي يسعى اليها من الحرب على الإرهاب، أمّا نتيجة إنهاء الاستقرار المفروض في الشرق الأوسط، فقد كانت معروفة ومتوقعة، وهي الحرب الأهلية والعنف الطائفي.. وتمزيق البلاد، كما هي الحال في العراق، التي تطمح واشنطن وتل أبيب الى تعميمها لتصبح نموذج التغيير في المنطقة». كما جرّبت في سورية وفشلت…
من هذا المنطلق كانت اللقاءات الأميركية السعودية للتنسيق وتحديد المخططات المطلوب من السعودية ودول الخليج تنفيذها بما يؤدّي لافشال التمدّد الإيراني حسب التفكير الأميركي «الإسرائيلي»، وإضعاف قوة حزب الله التي تستمدّ زخمها من الدعم الإيراني.. فشل ما خطط إسرائيلياً وأميركياً وسعودياً ضدّ سورية زاد من المخاوف التي تجسّدها إيران، لذلك أطلقت «إسرائيل» «فزاعة» جديدة لخطر مقبل يتمثل بموقع بحري إيراني في سورية يكون القاعدة القوية القريبة من فلسطين المحتلة، والتي تبيح امتداد اليد الإيرانية والمقاومة رديفها لإمساك العنق الإسرائيلي..
استغاثة «إسرائيل» وقرعها ناقوس الخطر وشعور تركيا بأنّ «إسرائيل» ودول الغرب بدأت تقطيب الحاجبين بوجهها دفعها لأن تقترب من الخط المناقض للنهج الذي تسير فيه، كلّ هذا ادّى لاستدعاء ولي ولي العهد السعودي الى البيت الأبيض وإبلاغه بالقرارات الجديدة. كما أبلغ بقيمة ما يتوجب تسديده لأميركا مالياً مقابل دعمها ومساندتها.. وتأمين عملية التطبيع مع «إسرائيل» بما يؤدي إلى سلوك السعودية وبعض دول الخليج الطريق والتحالف الجديد لمجابهة الخطر الإيراني الذي يتهدّدهم جميعاً..
الموقف السعودي يتمثل بالمثل اللبناني الذي يقول: «لا تهزني واقف عالشوّار».. فهي مستعدّة لما يطلب منها وبرغبة جامحة.. من أجل هذا كانت العنصر الرئيس في جميع المخططات التي تعرّضت لها سورية والعراق ومصر واليمن وفشلت جميعها.. كما فشلت المواقف التي أظهرتها ابان العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وكشفتها الرسائل والبرقيات المتبادلة بين وزير الخارجية السابق سعود الفيصل وسفراء أميركا في الرياض وبيروت.
نحن لا نرتبط مع إيران قومياً والأمور الدينية ليست في مناهجنا القومية.. ما يربطنا بإيران اليوم هو الموقف المؤيد للمسألة الفلسطينية والمعادي للصهيونية والنهج الاستراتيجي المناوئ للمخططات التدميرية الإرهابية، فهي حليف صادق.
انّ السلاح الذي تحاول «إسرائيل» من خلاله تغطية مخططاتها التدميرية والتوسعية واستخدامه سلاحاً يخفي آثار أسلحة القتل والدمار هو السلاح الإعلامي.
فقد اكتشف اليهود دور السلاح الإعلامي منذ مئات السنين وأولوه اهتماماً أساسياً في سياساتهم ومسيرتهم، وكان ركيزتهم الأولى في تحقيق مشروعهم، وتصنّف تعاليمهم وبروتوكولاتهم الإعلام على أنه أحد الأعمدة الثلاثة التي تقوم عليها صناعة القرار وتحقيق الأهداف وعبرها تتمّ السيطرة على العالم، الإعلام والتعليم والمال، لقد أدركوا بشكل مبكر الأثر البنّاء او التدميري للسلاح الإعلامي، لذلك فقد أهتمّت به بروتوكولاتهم في وقت لم يكن يوجد شيء اسمه الجهاز الإعلامي، إذ وظفوا الشائعات لمصلحتهم ودسّوا على التاريخ أكاذيب مختلفة حتى ضاق بها.
ترى هل لنا أن نتساءل ونحن نرى بعض الممارسات المشبوهة لوسائل إعلامية عربية ذات أبعاد متعددة عما اذا كانت تلك المؤسسات والدور الذي لعبته وهو غير حميد ولا مشكور في عديد من مراحلها، هذا الدور جزء من الآلة التي استولى عليها العدو وكما يقول:» استولينا عليها نحن وبقينا وراء الستار».
ونذكر بقول سعاده:
«عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل…»