«القاعدة» أكثر قوة في اليمن 5
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
يمكن القول، إنّ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، كان المستفيد الأول من مزيج التوسع العسكري الحوثيّ وتنامي الطائفية، التي فتحت فرصاً جديدة لإقامة تحالفات محلية. وكانت الغارات الحوثية قد أثارت في المناطق ذات الغالبية الشافعية / السنّية جنوب صنعاء وشرقها، سلسلةً من التحالفات الانتهازية مع مجموعة من القوى المناهضة للحوثيين، ممن يطلقون على أنفسهم «المقاومون». ويحدث هذا في جبهات المعركة الأساسية مثل تعز، مأرب والبيضا، وكافة المحافظات في اليمن الشمالي. وقد حدث ذلك ايضاً في الأراضي التابعة لليمن الجنوبي سابقاً، والمتضمنة عدن، وذلك قبل أن تهزمها قوات الحوثي/صالح في تموز وآب 2015.
إن الغالبية العظمى من معارضي الحوثي/صالح لا يشاركون «القاعدة» إيديولجيته المتطرّفة، إنما يرفضون الهيمنة الزيدية في الشمال. وفي الجنوب، يتّضح أن معظم المقاتلين هم من الانفصاليين، ويساريين في توجهاتهم. إضافةً إلى أن التحالف الضمني مع «القاعدة في جزيرة العرب» قد انهار لمجرّد طرد قوات الحوثيين/صالح خارج عدن. وفي الواقع، بدأ «القاعدة في جزيرة العرب» بمهاجمة أصدقائه التكتيكيين السابقين. وردّاً على ذلك، قامت قوات الأمن في الجنوب، وبمساعدة من الإمارات العربية المتحدة، بشنّ عدد كبير من العمليات ضدّهم.
والأكثر أهمية من كلّ ذلك، فإن تنامي المشاعر الطائفية قد وفّر الحيّز السياسي/الاجتماعي لبعض الجماعات مثل «القاعدة في جزيرة العرب» وذلك بهدف تأسيس موطئ قدم أكثر ثباتاً في المجتمعات المحلية. سارع اليمنيون في الإشارة إلى الزيدية والشافعية وهي المدرسة السنيّة في الفقه باعتبارهما متسامحتين نسبياً، حيث يصلّون أحياناً سوياً في المساجد عينها، ولا يمتلكون سجلاً دموياً من العلاقات المشتركة. في الماضي، تصرّف «القاعدة في جزيرة العرب» بشكل عمليّ في ضوء هذه القيود الاجتماعية عن طريق تجنّب المواجهة المباشرة مع المجتمع اليزيديّ، من خلال التركيز في النقد على الشيعية الإثني عشرية، المتمركزة في إيران، العراق ولبنان. ومع ذلك، فقد تحوّل تراث اليمن المتسامح إلى أن يكون الضحية الأولى للحرب الأهلية، الأمر الذي استفاد منه كثيراً تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب».
يتقاسم الحوثيون وخصومهم المسؤولية الكاملة حول تنامي المشاعر الطائفية. فغالباً ما يخلط الحوثيون بين الإصلاح، الجماعات السلفية، الانفصاليين الجنوبيين، مع «القاعدة في جزيرة العرب» و«داعش»، باعتبار أن جميع هذه الجماعات هي جماعات إرهابية تكفيرية. ويبرّرون موقفهم هذا بالدفع جنوباً ناحية صنعاء بسبب الحاجة إلى ملء الفراغ الأمني والتهديد الذي يشكله تنظيم «داعش»، الذين يرون أنهم يكتسبون القوة من تحالفهم مع قوات هادي. وكانت هذه الحرب التي افتعلها الحوثيون في صنعاء، والفوضى اللاحقة التي أثارتها في المحافظات الأخرى، قد أدّت إلى زيادة التحفيز الطائفي بسبب تقدّمهم العسكريّ.
إضافة إلى ذلك، فإن تحالف صالح وشبكاته، التي تعتبر الأقوى في المرتفعات الزيدية، قد عزّز اعتقاداً شائعاً بين خصومهم بأن أبعاد الحرب تنحصر في الشمال/الزيديين، في مقابل الجنوب/الشافعيين. فيما تزداد اللغة الطائفية حدّة بين معارضي المقاتلين الحوثيين. فقد اتهموا الحوثيين بامتلاك أجندة خاصة، تتضمن تعزيز الزيديين، وتحديداً الهاشميين وهم مجموعة فرعية من الزيديين الذين يدّعون أنهم من نسل النبي محمد ، أو التحوّل إلى التشيّع الإتني عشري. بينما يحيلهم البعض الآخر إلى الروافض أو المرتدّين، بما في ذلك من دلالات معادية للشيعة. أما تداعيات التنافس السعودي ـ الإيراني في الخليج على الحرب الأهلية اليمنية، فقد اتخذت مزيداً من التضخيم والبعد الطائفيَيْن، وخصوصاً مع السعوديين الذين يتهمون الحوثيين أنهم حلفاء إيران، وهي التهمة التي ردّدها أنصار هادي.
إن أهداف تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» وخطوطه أصبحت واضحة تماماً، بين أتباعه والفئة الأكبر من السنّة المعارضين للسكان الحوثيين. في آب 2014، قاد زعيم أنصار السنّة جلال بلعيدي الهجوم الوحشيّ على حضرموت ضدّ الجنود غير المسلّحين الذين اتهمهم بأنهم حوثيون، وما لبث أن حذّر من حرب طائفية إذا ما استمرّ الحوثيون في وضع اليد على صنعاء. وحين يحدث ذلك، سوف يدعو «القاعدة في جزيرة العرب» جميع السنّة إلى حمل السلاح على وجه السرعة.
وفيما كُشف النقاب عن الصراع، استخدم «القاعدة في جزيرة العرب» هذا الشعار للدفاع عن السنّة في وجه الشيعة، لتمتزج مع القبائل المحلية المتعاطفة مع السلفيين. وقارن مسؤول في «القاعدة في جزيرة العرب» سيطرة الحوثيين الشيعة على صنعاء بعد استيلائهم المتوقع على صنعاء، بسيطرة الشيعة على العراق بعد إطاحة الولايات المتحدة بالرئيس السابق صدّام حسين مدّعيةّ أن جماعة «أنصار السنّة AAS» كانت الدفاع السنّي الوحيد المتبقي في المحافظات الجنوبية في وجه التمدّد الحوثي بعد فرار حكومة هادي إلى المنفى وانهيار الجيش إن أحد الأدوار الرئيسية لـ«القاعدة في جزيرة العرب» يكمن في توفير الخبرة العسكرية وخبرة القبائل المحلية، قائلين: «نحن في وحدة لم يسبق لها مثيل مع القبائل السنيّة. لم نعد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بعد الآن. إذ نشكل سوياً الجيش السنيّ».
وسمحت استراتيجية المجموعة بعدم وضع الخطوط الفاصلة بين العضوية الأساسية والمتعاطفين معهم أيضاً لتوسيع انتشارها على نطاق واسع في المجتمعات المحلية. خفّض بروز «أنصار السنّة» على وجه التحديد من إمكانية انتماء الكثيرين إلى «القاعدة» واتباع إيديولوجيته. وكان مسؤول كبير في «القاعدة في جزيرة العرب» قد صرّح ساخراً: «أنتم الغربيون تدعوننا إلى الاتصال بجميع أنواع الأسماء التي قد تتغيّر. إنما بالنسبة إلينا، نحن جميعاً مسلمون، نحن كلّنا أخوة».