القلوب «مليانة» والشارع فرصة «لدعم الزعامة» في زمن الانتخابات

روزانا رمّال

حذرت مصادر متابعة لـ«البناء» من مغبة تنامي الغضب الشعبي الذي يعيشه لبنان في عالميه الافتراضي والواقعي جراء رفع الضرائب التي تحمل المواطن أكثر مما يحتمل، من أجل تأمين سلسلة الرتب والرواتب في هذا التوقيت بالذات. فالأجواء التي تشهد فيها البلاد كباشاً حول التوصل لقانون انتخابات يرضي جميع الاطراف دقيقة للغاية، وقد بدأت مفاعيل «أزمة قانون» وتوازنات وضمان أحجام تلوح بالأفق نتيجة التحالفات الجديدة بين ثنائيات وواقع طارئ على قوى عدة. وهي تتكفل وحدها بتشكيل فرصة لتحويل الازمة ذريعة لتأجيل الانتخابات، فكيف بالحال بتحريك الشارع، وما وراء ذلك من إمكانية أخذ المشهد نحو مكان آخر قد يبعد الاستحقاق الانتخابي لوقت غير محدد؟ وهو هدف تجد فيه بعض القوى فرصة للإبقاء على الواقع كما هو عليه. وتحذر المصادر من أن «يؤدي تطور المشهد المطلبي الى التوصل للحظة أمر واقع تأخذ البلاد نحو نوع مقنع من التمديد لمجلس النواب ما يعني الدخول من أزمة لأزمة أخرى… لعبة الشارع قد لا توحي بالكثير من الامل والاستغلاليون كثر»، تختم المصادر.

السؤال البديهي هنا هو معرفة النواب المجتمعين والكتل التي اعتزمت رفع الضريبة على اللبنانيين أن وضع الناس لا يحتمل اي نوع من هذا الضغط، الذي يطال معيشتهم، ويدركون ايضاً انه كان هناك سابقة في نزول المواطنين الى الشارع في لحظة تفاقم ازمة النفايات داعين الى اصلاحات كبرى وصلت لحد اسقاط النظام الطائفي والمطالبة بقانون النسبية والتخلص الكامل من مرحلة مقيتة في ادارة العملية السياسية، فلماذا اذاً يُعاد استفزاز الناس بالتوقيت الخاطئ؟

الحل الجذري الذي يعالج الملفات الاقتصادية الشائكة بين تأمين سلسلة الرتب والرواتب ومعالجة نسب الضرائب وغيرها قد لا يكون متاحاً بالمنطق الحالي، والأهم ان لبنان الذي انتظر من دون موازنة قرابة عشر سنوات لن تتغير فيه الأحوال كثيراً اذا ما سارع فيه الافرقاء اليوم لإقرار موازنة كانت منسية وربما كان من الأجدر ان تتخذ خطوات لا تستفز الطبقة الفقيرة الى حد ما، وكان ممكناً ان يتحلى «الحريصون» ببعض التروي والتفكير ملياً بالتوقيت او ايجاد سبل افضل للتبرير، فالناس لم تعد تحتمل.

تحرك بعض المسوؤلين بالمقابل لرفض ما جرى، وبينهم رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الذي أشار بعد تسجيل موقفه الاعتراضي وكتلته في المجلس أنه «بعد سلسلة التصريحات التي المحت بدور للكتائب في تطيير جلسة السلسلة عبر تسريبات، لا بد لكتلة الكتائب ان تؤكد الوقائع الحقيقية: الضرائب الـ22 ليست سرّية بل موجودة على كل الاعلام، وليست امراً سريّاً وكل الوسائل الاعلامية اعلنت الضرائب واول مرة اسمع ان مجلساً نيابياً او حكومة ترفع جلسة بسبب إشاعة عن ضرائب اضافية ونحن لا علاقة لنا بالإشاعات».

وقفة سامي الجميل اعتبرت بالنسبة لعدد وازن من الشباب اللبناني على صفحات التواصل الاجتماعي صرخة حقيقية بوجه الخطوات المتخذةـ مستذكرين خطوة سحب وزرائه من حكومة تمام سلام، إثر ازمة النفايات، لكن بالمقابل يشكك البعض في تحرك الكتائب الذي وصف بالاستعراضية، خصوصاً ان وزراء الكتائب كانوا لم يتحركوا في حكومات سابقة على الزيادة على الضرائب، وبالتالي أن هذا الغضب الكتائبي لا يعدو كونه رد فعل على عدم تمثيله بالحكومة الحالية بالشكل الذي كان مأمولاً.

عملياً، لم يعتد اللبنانيون على التعاطي مع ازماتهم بالمفرق، فلطالما كانت الحسابات تنطلق من خلفيات واسبقيات بين رد الكيل بمكيالين والانتقام او الإحراج فالإخراج. فالقوى السياسية من دون استثناء لم ترخِ أجواء من الحرص على مصلحة الشعب الذي يعاني الأمرين في تحصيل معيشته وفي التعاطي مع ضرائب الدولة ليس فقط من يوم امس، بل من سنوات بعيدة ولهذا ليس واردا اعتبار تحرك بعض الشخصيات السياسية والثورة ضد الضرائب تحركاً من اجل الوقوف الى جانب المواطن. فالوقت مناسب ايضاً لصناعة زعامات تجد الفرصة سانحة قد لا تتكرر قبل اجراء موعد الانتخابات، خصوصاً القوى التي ترى ان زعامتها باتت مهددة من الاحزاب التي تضررت من الثنائية المسيحية العونية القواتية على سبيل المثال، وغيرها من القوى الاقلية التي تجد في حشد الشارع ضربة موفقة لتكبير حجم تمثيلها شعبياً وبأقل تقدير تعطيل اجراء الانتخابات من دون تحقيق شروطها واسترضائها.

يبقى التساؤل عن مدى امكانية تطور المشهد ومَن عساها تكون القوى التي ستنضم للحركة المطلبية بعد الكتائب، وهو ما يعني توجهها نحو المشاركة بفتح ازمة وآفاق حل لمشاكل تعني المواطنين اكثر من البحث في قانون الانتخابات راهناً، فتطير الانتخابات لأجل غير مسمى..

الايام المقبلة تتكفّل بالكشف عن بعض النيات التي تعمل من اجل التعطيل الجدي هذه المرة من بوابة لقمة عيش المواطن أكان في جانب المجتمعين في مجلس النواب او لجهة المعترضين. فالطبقة السياسية واحدة بالنسبة للشعب الذي عانى الامرين.

هل ستتحرّك القوة الخفية مجدداً المايسترو – وتعيد التوازن للبلاد في لحظة إقليمية وضعت لبنان في لحظة توافقية استثنائية ويستكمل نيات انجاح العهد ومهمة حكومة انتدبت من اجل الانتخابات؟ أم ان «القلوب المليانة» ستطيح بالانتخابات او تفرض بالحد الادنى قانون انتخاب أمر واقع تحسباً لتدهور الاوضاع فيرضى اللبنانيون بمؤامرة جديدة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى