الانتخابات النيابية وحسابات الرئاسة
نمر أبي ديب
مع نضوج التسوية الرئاسية وما سبقها من حراك سياسي أضاف للمشهد الداخلي تحالفات ظرفية بمعايير استراتيجية فرضها تسارع الحدث الرئاسي على الساحة اللبنانية نتيجة مبادرات وترشيحات دخل من خلالها لبنان الدولة مرحلة جديدة من التعاطي السياسي القائم على توازنات داخلية نابعة من ثنائيات رئاسية بأبعاد وحسابات انتخابية فرضتها المتغيّرات الإقليمية وعوامل دولية عديدة، أبرزها:
التفوّق الواضح للجيش السوري وحلفائه في الجبهة السورية.
تراجع النفوذ السياسي لبنانياً للمملكة العربية السعودية.
الغياب التامّ للدور ا ميركي الفاعل والمؤثر في صناعة وصياغة الحدث اللبناني والإقليمي.
منذ بدايات المرحلة الجديدة وتشكيل حكومة الانتخابات حت في أفق السياسة اللبنانية، خصوصاً عند المسيحيين حسابات من نوع آخر تخطت في أبعادها ا طار الطبيعي للمشهد الانتخابي ودخلت بخلفياتها إلى أعماق الصراع الرئاسي الموجود في حسابات البعض ممّن وجدوا بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها نقطة تفوّق للعهد وفرصة ذهبية لتثبيت الواقع السياسي الجديد الذي أرسته ثنائية التيار الوطني الحر والقوات على الساحتين اللبنانية عموماً، والمسيحية خصوصاً، ما يؤمّن على مستوى الحسابات الرئاسية الانتقال الناجح من مرحلة المواجهة الرئاسية بين قطبين أو أكثر إلى مرحلة حصر الحدث الرئاسي المقبل وتقويضه بتكتل مسيحي كبير يلغي بحجمه النيابي حيثيات البعض وحظوظهم الرئاسية في مرحلة حساسة دمغها التغيير السياسي بختم الثنائيات المستجدة على الساحة اللبنانية.
بالرغم من عدم وضوح المشهد الانتخابي أو معرفة شكل القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية ظهرت في ا فق المسيحي ملامح معارك رئاسية عدة مغلفة بوشاح الاستحقاق النيابي بين محوري الثنائية المسيحية من جهة والاصطفاف المواجه من أحزاب وشخصيات مستقلة من جهة أخرى نتيجة عوامل عديدة، منها:
التصادم الرئاسي المعلن منذ مبادرة الرئيس سعد الحريري وتبني ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنحية.
الفشل الكبير الذي مُنيت به مساعي التقارب الهادفة إلى تقريب وجهات النظر والتلاقي بين حلفاء ا مس، أخصام اليوم، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية.
عدم ظهور بوادر الاستيعاب السياسي من الثنائية المسيحية اتجاه ا حزاب والمكوّنات المسيحية ا خرى التي لم تشملها بعد المفاعيل ا يجابية لهذه الثنائية.
السؤال اليوم: هل تمتلك القوى السياسية إمكانيات الوصول إلى إقرار قانون انتخابي عادل بعيد عن حسابات الرئاسة يحاكي الطموح اللبناني، ويعكس صحة التمثيل ويحافظ على التعددية السياسية داخل البرلمان؟
تفتقر الصيغ الانتخابية المطروحة على طاو ت البحث السياسي من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى عاملين أساسيين:
مراعاة الهواجس النابعة من خلفيات انتخابية عند قوى أساسية وشخصيات لبنانية عدة، أبرزهم النائب وليد جنبلاط.
القدرة على فضّ الاشتباك الرئاسي المعلن منذ ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وإظهار حجم التخطّي العملي للحسابات الرئاسية الموجودة في أبعاد الصيغ الانتخابية المطروحة.
يعيش اللبنانيون اليوم تفاصيل الجزء المعلن من معركة إقرار قانون الانتخاب النابع من تصوّر انتخابي في الشكل وحسابات رئاسية في المضمون يرتقي من خلالها البحث داخل الغرف المغلقة إلى مستوى مقاربة ا حجام التمثيلية المفترضة للكتل النيابية داخل البرلمان من زوايا تضمن للبعض الوصول إلى الاستحقاق الرئاسي المقبل بأقلّ نسبة مرشحين حتى نقول المرشح الواحد على قاعدة الرئيس القوي صاحب التأثير النيابي الكبير والتمثيل الشعبي الواسع.
على المستوى السياسي يمكن الفصل بين المشهد الانتخابي والنتائج المؤثرة في حسابات الرئاسة، نظراً للتداخل القائم والمشترك الجامع الذي يجوز على أساسه التساؤل هل نحن في مرحلة تسمح بإقرار قانون انتخابي عادل، أم ما يجري يعبّر عن ترسيم حدود رئاسي بعنوان انتخابي؟
دخلت القوى اللبنانية مرحلة ا حراج السياسي الناتج عن اقتراب المهل الدستورية من الانتهاء وعدم قدرتها على إقرار قانون جديد للانتخابات، ما يضعنا حكماً على مسار الاختيار المربك ما بين الفراغ التمديد أو العمل بموجب القانون النافذ.
أطلق فخامة رئيس الجمهورية موقفاً واضحاً يرفض من خلاله التمديد أو إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين المعدل، بالتالي هل يكون الفراغ هو البديل؟
في ربع الساعة ا خير من المهل الدستورية نأمل أن نكون قاب قوسين أو أدنى من إقرار قانون انتخابي جديد يراعي أقله الحدّ ا دنى من الهواجس المطروحة، ويعبر بالبلد إلى ضفاف الاستقرار السياسي المنتج والمثمر.