ازرعوا الياسمين واقلعوا الأضراس المسوّسة في شام الحياة

آمنة بدر الدين الحلبي

بعدَ أن يصبح القمرُ بدراً يبدأ بالتناقُص ويظهر في أغلبِ أوقات الليل وفي بدايات النهار، فيبدأ بإطلاق أبخرته استعداداً للانتقال إلى التربيع الثاني، والذي يُعتبر الوجه العكسي تماماً من التربيع الأوّل، ويكون هذا الوجه منَ القمر مُضيئاً بنسبةِ 50 ، ويظهر في أواخر الليل ويختفي في بداياتِ النهار.

في فجر تلك الليلة كان حزيناً، لم يظهر كما عهدناه ليُرخي بنوره وقت السحر، حاول أن يطمس معالم الشام كي لا تصل إليها يد الصهيونية التي أطلقت حقدها بغارة صباحية على العمق السوري، بكل وقاحة تحت حجج عدة واهية لا يقبلها المنطق ولا الفكر السوري الذي احتفظ بحق الرد مرات ومرات «لغاية في نفس يعقوب»، لكن حين بلغ السيل الزبى كانت الدفاعات الجوية السورية بالمرصاد لتلك الغارة «الإسرائيلية» التي طالت الداخل السوري وتحديداً مدينة الشمس ـ تدمر ـ فردّت بصاروخ باليستي شبيه بـ «سكود» محذّرة تل أبيب من خرق سيادتها في المستقبل، بعد أن أسقطت طائرة «إسرائيلية» وأصابت أخرى.

أما الغطرسة «الإسرائيلية» والمجرمة نفت نفياً قاطعاً بأن طائراتها قد أُصيبتْ حسب الاعتقاد المزعوم لبني صهيون، بأنه الجيش الذي لا يُقهر والدولة التي لا تُقهر وهي أوهن من بيت العنكبوت، لأن الجُبن في مفاصلها مستوطن بين أركان جيشها. وهذا ما شهده القاصي والداني في سبع عجاف.

إنها شام الحياة قهرتها حين ردّت رداً مزلزلاً، وجعلت صفارات الإنذار تجول وتصول ويُسمع صداها في تل أبيب خوفاً على شعب الله المختار والعنصري.

أما أذناب «إسرائيل» النائمة حول شام الحياة تحرَّكَ عَصَبَها المهترئ دفاعاً عن أمها الصهيونية التي ربَّتها على الغدر والإجرام، بدلاً من أمها الحقيقية شام الحياة، التي كانت على موعد مع عيد الأم لتزرع الياسمين على قبور أبنائها الشهداء الذي رحلوا دفاعاً عن أرضهم وعرضهم.

أطلقوا غدرهم، بعد أن التحفوا بأحزمتهم الناسفة ليقدّموا جرائمهم للأمهات في عيدها، فسال الدم السوري شلالاً حول الشام بعد أن رصّع رده ببطولة ساحقة، وزركش انتصاره بالشهادة العظيمة ليقدّمها لكل الأمهات السوريات في عيدهنّ العظيم، حاملاً رسالة أمل للأمة السورية كلها، شام الحياة لنا وليست لغيرنا ازرعوا الياسمين فيها واقلعوا الأضراس المسوسة السوداء منها حتى لا نشمّ رائحتها العفنة.

ولنعمل بنصيحة النبي جبران خليل جبران بأن «الأمة التي تكون أضراسها معتلّة، تكون معدتها ضعيفة. وكم أمة ذهبت شهيدة عسر الهضم، لذلك ما زال في فم الأمة السورية أضراس بالية سوداء ذات رائحة كريهة قد حاول الأطباء تطهيرها وحشوها بالميناء وإلباس خارجها رقوق الذهب، لكنها لا تُشفى بغير استئصال».

ومن شاء أن يرى أضراس سورية المسوّسة فليذهب إلى «أطباء الأسنان ذوي الأصابع الناعمة، والآلات الدقيقة والمساحيق المخدرة، الملأى بالإجرام، والذين يصرفون الأيام بملء ثقوب الأضراس المسوّسة وتطهير زواياها».

ومن أراد محادثتهم والانتفاع بمواهبهم فهم النبهاء الفصحاء والقادة البلغاء الذين يؤلفون الجمعيات لغسل الأدمغة، ويعقدون المؤتمرات لجرائمهم، ويحضِّرون للقِمَمِ العفنة ليخطبوا على منابرها، ويقدّموا أجندات مصوغة بيد بني صهيون مصاصي الدماء ليقسِّموا المقسم ويجزئوا المجزأ، ويفتتوا المفتت، ففي خطاباتهم الرنانة نغمة أسمى من سمفونية الجنادب في ليل الصقيع، وأنبل من نقيق الضفادع في ليالي تموز.

تلك الأضراس نخرتها الخيانة، وجمعها الولاء، لـ»إسرائيل» الجبانة التي يهزّها صاروخ ردع سوري فترتفع صفارات الإنذار من كل حدب وصوب، فكيف إن اشتعلت رحى الحرب لإزالتها من الوجود السوري، لكونها أوهن من بين العنكبوت، وحان الوقت لاقتلاعها وإلى الأبد لتهدأ أرواح الشهداء في لحودهم، ولينتصر الحق بعودة كيليكيا واللواء السليب من أيدي أتاتورك، لحضن الوطن، وفلسطين للفلسطينيين أصحاب الحق وأصحاب الأرض.

إنها «إسرائيل» الغول الجاثم على صدورنا، وتجب إزالتها للخلاص من السوس الذي ينخر وطننا الحبيب سورية، وإزالة عملائها الذي حاولوا قضم شام الحياة وسرقتها من أهلها وقضم أجزاء منها بأضراسهم المسوسة، التي اختلط فيها الحقد المسموم بلعابهم، ولم يكتفوا بالانقضاض على قلوب الشهداء وأكبادهم، بل سارعوا بوحشية ليصبّوا جام حقدهم على شام الحياة، لكن تلك القلوب المضيئة التي سعت لزرع الياسمين ارتضت الشهادة، طالما الشاة المذبوحة لا يهمّها السلخ، لأن نبض القلب صعد إلى سماء الله مرتاحاً بعد أن استبسل بالدفاع عن الأرض والعرض في شام الحياة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى