الحرب على مجتمعاتنا العربية.. حرب على الأمومة بامتياز!
مطلع القرن العشرين بدأ العالم بالاحتفال بعيد الأم تكريماً لها، بناء على رغبة من المفكّرين الغربيين والأوروبيين بعد أن وجدوا أبناء مجتمعهم يهملون أمهاتهم ولا يكرمونهن، فأرادوا أن يخصصوا يوماً في السنة ليذكّروا الأبناء بأمهاتهم. وبالاعتياد أصبحت غالبية بلدان العالم تحتفل بالمناسبة سنوياً في تواريخ مختلفة أغلبها خلال الربيع في آذار ونيسان وأيار.
وفي العالم العربي يتزامن الاحتفال بـ«عيد الأم» مع حلول أول أيام الربيع بتاريخ 21 آذار من كل عام، إلا أن هذا اليوم لا يغيّر شيئاً من يوميات الأم العربية التي تعاني من التهجير واللجوء وتقبع تحت أيدي الحروب الجاثمة التي لا تترك للاحتفال معنى بل تزيده حزناً ولوعة.
فمن أين لأم أنهكها الحزن والبكاء والعجز أمام فقدانها لأولادها أو زوجها أو أخ أو أب أو قريب، بين قتيل ومختطف أو مفقود أو من أصيب بشلل أو إعاقة، أن تحتفل بعيد؟ لم يترك الدمار الذي خلّفته الحروب على معظم البلدان العربية والأزمات فيها من سورية إلى العراق واليمن وليبيا وغيرها، سوى أمهات وجدن أنفسهن في مخيمات لجوء هرباً من براثن الموت تحت أنقاض الدمار.
ودائما ما تكون الأمهات الخاسر الأكبر في الكوارث والأزمات والحروب، لذلك غامرت الكثيرات وجابهن الأمواج العاتية للوصول إلى «بر الأمان» في وطن غير أوطانهن بحثاً عن الأمان والحياة الطيبة لأطفالهن.
ففي بداية العام الماضي، أعلنت ألمانياً أنه لأول مرة منذ اندلاع أزمة اللاجئين، يفوق عدد النساء والأطفال عدد الرجال ضمن اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا، حيث إن نسبة النساء والأطفال تناهز 60 من إجمالي عدد اللاجئين الذين عبروا الحدود بين اليونان ومقدونيا.
وتفيد التقارير أن في كل يوم، تموت 500 امرأة أثناء الحمل أو الولادة في مخيمات اللجوء، وتقع نحو 60 من حالات وفيات الأمهات، في البلاد التي تعاني من ويلات الصراعات المسلحة والتهجير القسري، أو الكوارث الطبيعية.
ويوضح تقييم ميداني مشترك قامت به كل من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وصندوق سكان الأمم المتحدة ولجنة اللاجئات، مدى تفاقم أزمة اللاجئات الحوامل والفتيات المهاجرات في اليونان ومقدونيا على وجه الخصوص.
وأشار التقييم إلى أن نساء عديدات يغادرن المستشفى بعد الولادة بأقل من 24 ساعة، وبعضهن قد أجريت لهن عملية قيصرية، فضلاً عن رفض السيدات المرضعات والحوامل زيارة المستشفى للحصول على الخدمة الصحية بسبب خوفهن من تأخير الرحلة، أو فقدان الطفل أو تفرّق شمل العائلة، كما أن معظم النساء اللاتي شملهن التقييم في اليونان ومقدونيا تعرّضن لإجهاد جسديّ ونفسيّ حاد أثناء السفر، وحتى في حال كنّ بصحة جيدة، فإنهن يعانين مخاطر الولادة المبكرة أو حتى الوفاة أثناء الولادة.
ورغم إقدام عدد كبير من الأمهات على الهجرة واللجوء إلى بلدان الجوار أو إلى أوروبا، لكن أخريات قررن البقاء رغم تحديات الجوع والسلاح والحروب الأهلية، وإرهاب التنظيم التكفيرية وغيرها من المآسي التي تعانيها المنطقة العربية، حتى أن دمشق أصبحت تلقب بمدينة النساء لتمسك النسوة فيها بالأرض وبالبقاء فيما يهاجر رجالها أو يقاتلون.
وفي هذا اليوم «الاحتفالي» لا يمكن أن ننسى الأم الفلسطينية التي لا يخلو يومها على مدار السنة من التعرّض للاعتقال أو الخطف أو الموت أو الإعاقة أو حتى العنف الجنسي، فهي الأرملة والثكلى وزوجة المفقود أو المعتقل.
فكيف يمكن أن يكون وطننا للأمومة سيداً كريماً دافئاً لهن وعامراً جميلاً بهنّ.
وكالات