الاشتباك الروسي ـ «الإسرائيلي» المقبل من البحر

روزانا رمّال

لم يعد خافياً منذ لحظة تشكيل الحكومة اللبنانية وتقسيم الثروة النفطية البحرية وفق بلوكات وهمية أن التنقيب عن النفط في أعماق بحر لبنان، والمتوقع الاستفادة منه بعد سبع سنوات على أبعد تقدير، إذا سارت الأمور كما يتوجّب عليها، سيحظى باهتمام روسي سياسي وتقني بحت .

الحديث عن الحصة النفطية من الجهة الجنوبية المشتركة مع حدود «إسرائيل» البحرية هي إحدى المحطات الأساسية في حسابات المنطقة ونفوذها الوازن بين ما سيحمله من أسس ومتفرّعات تأخذ بعد أي حلّ للملفّ السوري الذي يشهد أعلى نقطة اشتباك وتزخيم سياسي وعسكري منذ اندلاع الأزمة.

حضرت روسيا إلى المنطقة ضمن توازنات مقبلة قبلها الأميركيون ضمناً فهم لم يتقدّموا بأي خطوة اعتراض على الوجود الروسي في سورية ولم تعبّر واشنطن عن سخطها من مثل هذا الحضور الذي يعني في نهاية المطاف وقوع سورية وجيرانها ضمن المنظومة الروسية سياسياً واقتصادياً وأمنياً أيضاً. تدرك واشنطن عدم قدرتها منذ ذلك الوقت عن إبعاد موسكو عن هذه البقعة وتدرك أيضاً ان افضل وسيلة لضمان امن «إسرائيل» هو عبر نسج علاقة جيدة مع روسيا حتى تنجلي الامور، فوحدها موسكو قادرة ان تلعب دور الوسيط الموثوق «إسرائيلياً» والموثوق سورياً وإيرانياً ايضاً، وبالتالي فإن الامن «الإسرائيلي» الذي لا يختلف عليه طرفان بالمنظور الأميركي والمنظور الروسي هو واحد في نهاية المطاف.

المفاجأة في تل أبيب هي إدراك عكس المفهوم القديم المعمول به ثقافياً ومنهجياً لدى تعاطي الروس مع الحكومة «الإسرائيلية» وقضاياها الأمنية، فمسألة عدم تغطية روسيا لحرية الحركة «الإسرائيلية» داخل سورية من اجل استهداف حزب الله الذي يعتبر الهدف الأول والأكثر خطراً في «إسرائيل» حفرت عميقاً الهوة بين الجانبين وأسست لمفهوم جديد لا يرفع اولوية الأمن «الإسرائيلي» الى اعلى المستويات كمسلّمة.

أمن روسيا ومداها الحيوي والتحالف الروسي السياسي والاقتصادي فوق أي اعتبار. هذا ما رسمته الأزمة السورية راهناً، وكرّسته كمبدأ للتعاطي مع الحدث السوري في المنطقة من مختلف جوانبه، لكن هذا لا ينفي قدرة موسكو في أن تلعب دور الضامن السياسي او الجهة القادرة على ضبط الجبهات المشتبكة لمجرد حضورها كثقل حتى أجل غير مسمّى او لحين صدور اتفاقيات هدنة تتناسب مع المرحلة المقبلة.

ليس وارداً فتح الأجواء السورية أمام الطائرات «الإسرائيلية» بعد تحرّك روسيا السريع للاعتراض دبلوماسياً في موسكو باستدعاء السفير «الإسرائيلي» هناك، تجمع صحف روسيا بدورها على أن الاشتباك الروسي «الإسرائيلي» بدا واضحاً للعلن، ومن بينها صحيفة كوميرسانت التي تؤكد أن سبب الخلاف هو «حزب الله».

حزب الله الذي بدأ بتوطيد أواصر العلاقة مع روسيا أصبح تدريجياً أحد أذرع الماكينة العسكرية الروسية الأولى على الأرض وتثبت المشاهدات الميدانية ثنائية قتالية منسجمة بين عناصر حزب الله والعسكريين الروس وخبراء الطرفين في إدارة المعارك ضد الإرهاب، واذا كان هم «إسرائيل» الاول هو إبعاد خطر حزب الله، فان الهم الاوحد بالنسبة للروس اليوم هو إبعاد خطر الإرهاب من التمدد في سورية كي لا يصل أبواب موسكو. وهو الامر الذي نجحت روسيا فيه بالمبدأ.

العودة الى الوراء غير ممكنة بعد سلسلة الإنجازات السورية الروسية الايرانية المشتركة، لكن فتح الازمة «إسرائيلياً» من بوابة الإبقاء على الأوضاع، كما كانت عليه قبل الأزمة السورية المتمثل برفع الأمن «الإسرائيلي» لأعلى درجاته، هو ما تسعى اليه «إسرائيل» بالضغط على روسيا، والا فإن العلاقات ستتدهور سريعاً، كما يبدو.

تضغط تل أبيب في الاتجاهات كلها لابتزاز روسيا وإعطائها اذن التحرك في سورية، والتصرف أحادياً بخصوص حزب الله وروسيا ترفض بالكامل حتى هذه اللحظة. الضغط على روسيا ليس جديداً، فقد حاولت تركيا من خلال اسقاط الطائرة الروسية على الحدود معها الاعتراض على الدعم الروسي للأكراد وعلى استهداف المعارضة المدعومة من تركيا والسماح لحرية عمل السلاح التركي في الشمال، لكن هذا الأمر لم يتحقق وضحت روسيا بعلاقاتها مع تركيا لأشهر مستغنية عن أي مكسب سياسي اقتصادي حتى خضعت تركيا.

تحاول «إسرائيل» اليوم تكرار التجربة وآخرها محاولة استفزاز بحريّة مستقبلية تبشر بحدود علاقة متوترة بين روسيا و»إسرائيل»، إذا ما تمّ تلزيم شركات روسية التنقيب عن النفط اللبناني والسوري، كما هو مفترض.

تتوجّه الحكومة «الإسرائيلية» والكنيست للمصادقة على ترسيم الحدود البحرية – الاقتصادية، «بهدف التنقيب عن موارد طبيعية واستخراجها»، حسبما ذكر الأمر يهدف الى ضم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان و»إسرائيل»، والتي تؤكد المراجع اللبنانية ان المثلث البحري الذي تبلغ مساحته ما يزيد عن 800 كيلومتر مربع غني بالثروة النفطية والغازية ويقع ضمن حدوده الاقتصادية. وذلك وفقاً لاثباتات قدّمها للامم المتحدة او وثائق رسمية تؤكد على ذلك.

المحاولة «الإسرائيلية» من جهة البحر مع علم السلطات في تل أبيب حساسية الملف مستقبلاً مع روسيا، ملف يُضاف لسلسلة التوترات الواعدة بالمنطقة كيف بالحال والتصعيد القائم من الجبهات السورية والعراقية اليمنية الواقعة ضمن ارتباط الملفات التي تصبّ في خانة ترصيد أوراق التفاوض بالمنطقة بتصعيد حلف الولايات المتحدة الأميركية بوجه الحلف الروسي المستجدّ في المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى