الردّ السوري الروسي المزدوج على «إسرائيل» وتصعيد المجموعات المسلحة…
رامز مصطفى
بين الردّ السوري والاستدعاء الروسي، ثمة تطورات وتحوّلات لافتة في توقيتها، لا يمكن تجاهلها أو المرور عليها مرور الكرام. الردّ السوري الروسي المزدوج، على الغارة «الإسرائيلية»، التي نفذتها طائرات العدو الصهيوني على موقع سوري بالقرب من تدمر، فرض وسيفرض على الكثير من كبار المراقبين والمحللين والاستراتيجيين العسكريين، وفي مقدمة كلّ هؤلاء من هم في دوائر القرار في «إسرائيل»، التوقف ملياً وبتأنّ أمام هذا التطور الاستراتيجي في الموقفين لكلّ من القيادتين السورية والروسية. والذي جاء صاعقاً ومدوياً ومن خارج سياق كلّ التوقعات، لا تزال أصداؤه تتردّد في أكثر من عاصمة من دول العدوان على سورية.
من دون مقدمات، دوّت أخيراً صفارات الإنذار «الإسرائيلية» على طول المستوطنات في غور الأردن ومدينة القدس، التي وإنْ أصابت المستوطنين بالرعب والخوف، فهي أولاً أصابت أصحاب القرار في الكيان في حالة من الذهول والإرتباك دفعتهم إلى المسارعة في الاعتراف الغير مسبوق، بأنّ طائراتهم نفذت غارة على ما درجوا في تبريراتهم أنّ شحنة من الصواريخ كانت في طريقها إلى حزب الله.
سؤال يفرض نفسه بقوة، ما هي الدوافع التي وقفت خلف هذه التحوّلات والتطورات، والتي جاءت ما خارج التوقعات؟ لم يعد خافياً على أحد، أنّ مشهد الميدان السوري خلال العام 2016 وحتى الآن شهد تطورات هامة، حيث تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من إحداث تغيير جوهري في سير المعارك التي يخوضونها على أكثر من جبهة في العديد من المدن وأريافها، في مواجهة المجموعات المسلحة بمختلف مسمّياتها وتلاوينها، ومن خلفها داعميها ومموليها ومشغليها. الأمر الذي أحدث وبالترابط مع المسار الميداني قفزات وتحوّلات على المسار السياسي من خلال التخلي عن السقوف العالية جداً التي كانت تطرحها الأطراف المتورّطة دولياً وإقليمياً بمن فيهم الكيان «الإسرائيلي»، وبشكل متدرّج منذ مؤتمر أستانة الأول وجنيف 3 وجنيف 4، والخامس على الطريق إذا ما دخلت الأطراف المتورّطة على خط العرقلة، كما حصل في مؤتمر استانة الأخير، حيث تمّ تهريب حضور وفود المجموعات المسلحة من خارج النصرة وداعش عن المؤتمر. وهنا علينا ألاّ نغفل عن التطور المستجدّ على الساحة الدولية، والذي تمثل بمجيء دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وما سيتركه من تأثير في مجريات الأحداث في المنطقة.
من دون الاسترسال والإغراق في التفاصيل والسرديات، الواضح أنّ مقدمات تلك التطورات والتحوّلات يعود الفضل فيها للتغيّر الجوهري والاستراتيجي في الحرب التي تخوضها سورية وحلفاؤها في مواجهة الإرهاب، وبالتالي القراءة السورية والروسية والإيرانية الدقيقة للتحركات التي شهدتها الساحتان الدولية والإقليمية بما يتعلق بأحداث المنطقة وتحديداً في سورية، بعد الانتصار الاستراتيجي الذي أفضى إلى تحرير حلب العاصمة الثانية في سورية. ومن هذه التحركات، تلك التي بدأها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باتجاه المملكة السعودية ودول خليجية أخرى، بهدف ترميم العلاقة وإعطاء دفعة جديدة لتحالفهم ضدّ الدولة السورية وإعادة تنشيط ذاك التحالف المتهاوي نتيجة لتناقض المصالح وتعارضها في مرحلة الانقلاب التركي الفاشل، ومحاولة أردوغان إعادة تموضعه ولو تكتيكياً. وكانت قد سبقتها محاولة أردوغان استرضاء القيادة العراقية من خلال زيارة رئيس وزرائه إلى بغداد لتنفيس الاحتقان الذي وصل حدّاً غير مسبوق من التأزّم والتهديدات المتبادلة بين البلدين. وكانت تلك أولى إشارات الانعطافة التركية البعيدة عن تفاهمات الرئيسين الروسي والتركي عقب اعتذار أردوغان عن إسقاط الطائرة الروسية، وما تلاها من عودة للعلاقات بين البلدين.
وكان الموقف الإيراني في التعبير عن الاستياء من تلك الانعطافة هو الأوضح، حين وصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، متهماً تركيا أنّ ذاكرتها ضعيفة وناكرة للعرفان، في إشارة واضحة إلى وقوف إيران إلى جانب أردوغان أثناء محاولة الإنقلاب الفاشلة على نظام حكمه. وبالتالي التوغلات التركية التي انتهت بدخول مدينة الباب في الشمال السوري، مما دفع الجيش السوري وحلفاءه التحرك لقطع الطريق على التمدّد التركي نحو مدينة منبج، التي تمركزت في قراها قوات مشتركة سورية وروسية، خطوة جاءت بعد القصف التركي موقع للجيش السوري. وعلى خط آخر اندفع الجيش العربي السوري بمؤازرة من الحلفاء وغطاء جوي روسي مرة جديدة نحو مدينة تدمر محرّراً إياها من يد تنظيم داعش. الأمر الذي دفع كلّ من أردوغان ونتنياهو ليسرّعوا الخطى نحو العاصمة الروسية للقاء الرئيس بوتين حيث حمل كلّ منهما هواجسه ومتطلباته إزاء التطورات الميدانية السورية. وما سرّبته وسائل الإعلام والتصريحات وخصوصاً عن زيارة نتنياهو بعد القمة التي جمعته مع الرئيس بوتين، لم تتوصل إلى نتائج مرجوة كان يسعى إليها نتنياهو، والتي تمحورت حول الشكوى من الدولة السورية التي منحت إيران الموافقة على إنشاء قاعدة بحرية لها على البحر المتوسط، ومن ثم الرعب من الهزائم المتلاحقة التي يمنى بها تنظيم داعش مما يعني القضاء عليه لصالح تواجد واضح لإيران في منطقة الجولان، بالإضافة إلى مطلب حرية استخدام المجال الجوي السوري أثناء طلعاته الجوية في الإغارة أو الاستطلاع.
وما يؤكد أنّ جولة أردوغان الخليجية قد أثمرت عن نتائج، وبالتالي فشل زيارة نتنياهو إلى موسكو، ما شهدته العاصمة السورية دمشق من سلسلة من التفجيرات الدموية خلال فترة زمنية قصيرة، وهي لم تشهدها منذ أكثر من 3 سنوات، لتأتي الغارة التي شنّها الطيران «الإسرائيلي» على موقع سوري بالقرب من تدمر، والردّ السوري القوي عليه، حيث أطلقت الدفاعات الجوية ولأول مرة صواريخ من نوع أس أي 5 ، الأمر الذي استدعى القيادة العسكرية في الكيان «الإسرائيلي» إلى إطلاق صواريخ حيتس المعترضة للصواريخ البالستية، وما تلا ذلك من إطلاق صفارات الإنذار في كلّ من القدس والأغوار. هذه الحادثة التي لا تزال تشكل حالة من الإرباك للقيادات السياسية والعسكرية والأمنية في «إسرائيل». وهذا الردّ، ومن ثم استدعاء السفير «الإسرائيلي» في موسكو احتجاجاً على الغارة، ومن ثم إسقاط طائرة استطلاع في الجولان، إنما هو الرسالة الأقوى في أنّ قواعد اللعبة قد تغيّرت. نعم الخطوة التكاملية في الردّ السوري الروسي المتقاطعة مع إيران لم تكن إلاّ ثمرة للتفاهمات والتوافقات لتلك الدول حول استراتيجية الردّ على خطوات عدائية وعدوانية تتخذها أطراف دولية وإقليمية تقودها الولايات المتحدة التي سارعت في إرسال قواتها البرية 1500 جندي وخبير لتموضع نفسها في ما أطلقه القادة الأكراد بعملية تحرير مدينة الرقة التي ستبدأ في الأول من نيسان المقبل كذبة نيسان ، وهذا مشكوك فيه استناداً لحقائق التجارب السابقة في أفغانستان والعراق مئات الآلاف من الجنود والعتاد والطيران وخرجت مهزومة .
من ثم اشتعال جبهات جوبر والقابون وحماة واللاذقية، والتحضيرات التي تجري في الجنوب السوري مع حلول موعد جنيف 5، ما كان ليحصل لولا تأمين الغطاء من المشغّل الإقليمي السعودي والتركي و«الإسرائيلي». والملاحظ أنّ من يتقدّم أو يتصدّر تلك الهجمات هي جبهة النصرة، ومن خلفها كلّ مسمّيات المجموعات المسلحة الأخرى، وكأنّ من بين أهداف هذا التصعيد هو تسويق النصرة في ظلّ الغياب المتسارع لتنظيم داعش على أكثر من جبهة على الجغرافيا العراقية ومن ثم السورية.
ما تشهده الجغرافيا السورية من تصعيد عسكري من قبل المجموعات المسلحة والدخول «الإسرائيلي» المباشر على خط هذا التصعيد، ثمرة لتلك التفاهمات والتوافقات وبمباركة أميركية لحلفائها السعوديين التي أبرم ولي ولي عهدهم ما أسماه بالصفقة الكبرى 200 مليارد دولار ، ومن ثم الأتراك الذين تتعثر قيادتهم أكثر فأكثر نتيجة سياساتها وليس آخرها الحرب الإعلامية والسياسية مع أوروبا. يؤشر بشكل واضح إلى أنّ هذه الأطراف ليست قانعة بالحلّ السياسي وفق الرؤية الروسية التي تراعي جميع الأطراف التي حضرت إلى أستانة قد يكون أصبح في خبر كان ، وجنيف وإبقاء المشاغلة على خطه حتى لا يصل للنتائج المتوخاة، إلى أن ترتب الولايات المتحدة وحلفاؤها المشهد بما يجعلهم قادرين على المشاركة بصياغة الحلّ السياسي إلى جانب الروسي والإيراني والسوري، بما يعني ألا تستحوذ الأطراف الثلاثة على الحصة الأكبر من كعكة هذا الحلّ الذي لا يزال رهينة ما ستتمخض عنه نتائج معركة الرقة ومناطق الشمال الشرقي، وما يُحضّر على الجبهة الجنوبية والجنوب الشرقي من سورية.
وإلى حينه ستبقى الجغرافيا السورية شاهدة على سخونة المعارك، التي قد يُسرع هذا التصعيد من تفعيل لخطط كانت مؤجلة من قبل الأطراف الثلاثة الروسية والإيرانية والسورية التي قرّرت مواجهة هذا التصعيد، والذهاب إلى تذليل لما كانت تسرّبه وسائل إعلامية عن تباينات بينها حول أولويات فتح المعارك وحسم الجبهات. ووقائع الغارة «الإسرائيلية» على موقع قرب تدمر والردّ العسكري السوري النوعي عليه، ومن ثم الاستدعاء الروسي للسفير «الإسرائيلي» لديها، يؤشر بقوة في هذا الاتجاه.
كاتب وباحث سياسي