قالت له
قالت له: يجري الحديث كثيراً عن توزّع مشاعر الرجل بين الأمّ والحبيبة وتضاربها، وعن سعيٍ مستميت منهما للاستحواذ بالحبيب. ورغم ظاهر التبادل بالورد والحرص والاشتراك في إسعاد الشخص نفسه، يقول البعض إنّ التنافس والغيرة في هذا الحبّ الصادق من كليهما، يتكفّلان بالتسبّب في الشقاء والتعاسة والاستنزاف للمحبوب. فماذا عساك تقول؟
قال لها: في الغالب الأعمّ من الرجال، يكون الحبّ للحبيبة والوفاء للأمّ. وتكون الحياة بعد الحبّ هي حياة مع المرأة الجديدة التي سيقاسمها العمر. وفي الغالب الأعمّ، تتقبّل الأمّهات أنّ الابن لم يعد لها كما يقال. وفي الغالب الأعمّ تهتمّ الحبيبة بتفادي كلّ تدخّل أو تداخل في علاقة الرجل بأمّه، وتُبقي على حبل الودّ والاهتمام تلبيةً لِما تظنّه التعبير عن الحبّ. لكن ذلك لا ينفي بعضاً ممّا تقولين في كلّ حبّ أو بعضاً منه كمرض يطغى في نسبة غير قليلة من علاقات الحبّ. حيث يقوم الحبّ على الاستحواذ، خصوصاً عندما يتداخل المال بالعلاقات والمسؤوليات الحياتية بموقع الرجل بين الأمّ والحبيبة. أو يتداخل السكن وحالات كثيرة عندما تقول الأمّ لابنها عليك الاختيار بيني وبينها، فيختار حبيبته. وحالات كثيرة عندما تقول الحبيبة لحبيبها عليك أن تختار بيني وبينها، فيختار أمّه.
فقالت: إذاً أنت لا توافق على وجود معضلة موصوفة في حياة الرجل اسمها إشكالية الأمّ والحبيبة في المشاعر، وتعيد ما نعرفه منها لظروف الحياة وتعقيدات الثقافة والموروث والتقاليد.
فقال لها: المرأة الأولى في حياة الرجل هي الأمّ، لكنّها امراة الحبّ الصافي بلا مصالح، والحضن الدافئ بلا حساب ولا مقابل. وبين الأمّ وابنها لا وجود لمعيار الكبرياء، ولا الحديث عن الاستحواذ والتملّك ولا البحث والتفتيتش عن شريك مفترض. والأمّ مسكونة بهاجس سعادة الابن ولو على حسابها بصدق. وهي من تسعى إلى الاطمئنان عن وجود شريكة تتولّى إسعاده وتشجّعه على المضيّ قدماً، وتقدّم له المساندة والإشكالية إن وجدت. فمن طرف الحبيبة لا من طرف الأم إلا في حالات نادرة في خصوصية أنماط علاقات عائلية شديدة الإغلاق. ومهما بدا الكلام قاسياً على القلب، فللأسف، الأمّ هي الماضي الذي لا يصير الندم والحسرة شريكيه إلا بعد الرحيل والفقدان. والحبيبة هي الحاضر والمستقبل الذي يطغى ما لم تتحرّر الحبيبة من داء الاستحواذ، وتبادر إلى تحرير الرجل من التفرّغ لحبّه ومنح الأمّ ما تستحقّ.
فقالت: ما نصيحتك للحبيبة في عيد الأمّ؟
فقال: أن تبدأ في إحياء العيد لأمّ حبيبها ولو بزيارة وباقة ورد.
فقالت: تخيّل أنّني فكرت أن أناديك لنبدأ من أمّي في العيد.
فقال لها: وأنا أنوي ذلك، فأمّي قد رحلت وفي كلّ أمّ أرى وجه أمّي.
فتأرجحت دمعة تأبى السقوط على خدّها، وضمّته لتقول: دعني أكون حبيبتك وأمّك معاً.
فضمّها وقال: لا تملك امرأة أخرى رائحة كفّ الأمّ.