أميركا من تحت دلف «داعش» إلى تحت مزراب الإرهاب
د. سليم حربا
التقطت أميركا اللحظة الاستراتيجية التي لن تتكرر وشكلت تحالفاً لتهرب إلى الأمام من دعم الإرهاب إلى مكافحة الإرهاب واتخذت من داعش وسيلة ومن محاربة الإرهاب غاية ظاهرية والغاية تبرر الوسيلة، وجاءت الاستراتيجية الأميركية تجديداً لعقلية الكاوبوي التكساسية بعقلية الداعش مان الهوليودية وأعلنت وأقسمت أنها ستقصم ظهر الدواعش بالضربات الجوية الصاروخية، وستعلي راية المعارضة المعتدلة الإرهابية الوهابية، ولن تنسق مع الحكومة السورية.
وكعادتها تعلن الشيء وتفعل نقيضه، وإذا قالت هنا الحقيقة فيجب أن نبحث عن الحقيقة في مكان آخر، فالتنسيق يبدأ من الإعلام ولا ينتهي بالتخطيط المشترك وأميركا أعلمت وأخبرت وأخطرت ونسّقت مع الحكومة السورية، لكنها بعد أن أدركت الفرق بين الممكن والمستحيل وإعلام الدكتور الجعفري ورسالة الخارجية الأميركية بالبريد العراقي العاجل هو ما ظهر من فيض ما استتر، والواقع يؤكد أنه لا يمكن لمراهق استراتيجي عسكري أن يقول إن الضربات الجوية والبرية للجيش العربي السوري وضربات هذا الحلف أن تتم في نفس التوقيت والاتجاه والارتفاع والمناطق بلا شكل متقدم من التنسيق.
وصواباً فعلت أميركا، والدعامة الاستراتيجية الأولى التي رفعتها انهارت، وتبقى الدعامة الثانية التي بحثت عنها في مجاهر مختبراتها ثلاث سنوات، فلم ولن تجدها ولم تستطع تركيبها وهي ما تسميه المعارضة المعتدلة التي ستبقى فانتازيا في حلها وترحالها من سورية إلى الربع الخالي.
ضربت أميركا الدواعش لكنها كانت تريدها ضربة العصر، بل ضربة العمر لكن رياح العبقرية الاستراتيجية السورية جاءت بما لا تشتهيه الأهداف الحقيقية لذلك الحلف بالتسلق على داعش كوسيلة وضرب الدولة السورية وجيشها ومنعه من هزيمة الإرهاب، ولو كانت سورية رفضت مستوى التنسيق لجاهرت أميركا بعشرات الوثائق والدلائل لتقول إن سورية لا تريد محاربة الإرهاب والالتزام بالقرار 2170، وإن داعش وأخواته صنيعة النظام السوري وتتسلق أميركا على ذريعة تبحث عنها بعد أن فقدت ذريعة العدوان بعد اتفاق الكيماوي.
لكن سورية استطاعت أن تفكك الفخ واللغم الاستراتيجي الأميركي وتجر أميركا لتنفيذ المعلن ونزع الأنياب الحقيقية لعدوان استراتيجيتها، وها هي تضرب الإرهاب الذي دعمته، وهذا مطلب ومصلحة ومنطق سوري، لكن أن تنزلق وتتدحرج الأهداف الأميركية فهذا ممنوع وقد رُسمت خطوطه الحمر سورياً بإنجازات الجيش ومتابعته تنفيذ مهماته في طول البلاد وعرضها، وإيرانياً بموقف صلب يذكّر الأميركي دائماً بخريطة الطريق الواقعية لمكافحة الإرهاب سواء النتائج أو الأسباب، وروسياً بموقف يستحضر راس بوتن وأندروبوف والقيصر بوتن وطلائع أحدث مدمراتها إلى طرطوس والتذكير والتحذير من عدم المقامرة والخروج عن القانون الدولي، وأتى من المقاومة في لبنان على لسان سيدها أن الوجود الأميركي مرفوض لتكون الرسالة، هذا ما أوكت يداكم ونفخ فمكم وهذه أحمال جمالكم فدمروا الجمل بما حمل وانتهى الأجر والعمل ولا تقولوا عن الجمل إنه اعتدل وأصبح حمل.
وما هذا التباين الظاهر شكلاً في حلف سورية والمقاومة حيال الضربات الجوية، إلا شكل متقدم من أشكال التناغم والتنسيق العميق في الجوهر والذي سيبقي بوصلة الأميركي في ما أعلنه ولن يستطيع تطبيق ما أخفاه، بل سيثبت القريب من التطبيق أن أميركا تورطت ولم ولن تستطيع هزيمة الإرهاب ولا انتشال حلفائها الذين دعموا الإرهاب وستجد نفسها قريباً تستجدي سورية وجيشها وقائدها وروسيا وإيران والمقاومة لمحاربة الإرهاب وفعل ما تعجز عنه، وإلا فإنها تكون قد خرجت من تحت دلف داعش إلى تحت مزراب الإرهاب، فدعم الإرهاب ليس كمحاربته ودخول الحمّام ليس كالخروج منه.