مزيد عن الرفيق البطل أديب البعيني

الأمين شوقي خير الله

كنّا أوردنا عن الرفيق أديب البعيني في أكثر من نبذة، منها عندما كتبنا عن معركة الاستقلال في بشامون. في الصفحات 236 و238 من مؤلّفة «سراديب النور» يروي الأمين شوقي خير الله التالي:

« اللافت للمراقبة أنّ أكثر الشعراء والأدباء والزجّالين والفنانين، بمختلف حقولهم، كانوا من القوميين الاجتماعيين منذ منتصف الثلاثينات حتى الربع الأخير من القرن العشرين. وقد جاء وقت كانت الغالبية الساحقة المثقفة في البلاد من القوميين. ولا يزال الجميع يذكرون عجاج المهتار 1 ويوسف حاتم ويوسف تاج ووليم صعب وأديب البعيني ورفعت مبارك وفوزي عبد الخالق ورفوفاً أخرى لا عدّ لها من الزجّالين، وجميعهم قوميون اجتماعيون.

كثيرون من المعمّرين اليوم عام 1994 يتذكّرون حدثاً زجلياً شهيراً حصل في مطلع الأربعينات في بيروت في مقهى «باريزيانا» 2 ، ساحة البرج. المناسبة حفلة تحدّ زجليّ ذات مقدّمات وكلام كبير ما بين وليم صعب وفرقته، وبين رامز البستاني وفرقته. وكان الحشد المجتمع للسماع والتأييد والشهادة من أكثر ما عرفت حفلات فنية حتى ذلك التاريخ.

والتقاليد والطقوس معروفة في مثل هذه الحفلات. وكلّ زجال منهم هو فحل قبضاي سيّد مسرح وسيّد قول. وقد تنقّل الشعراء بين جميع أنواع الزجل: القرّادي، المعنّى، الموشّح، القصيد، الشروقي، الندب، البغدادي، العتابا، الميجانا، الحداء، الحوربة، بو الزلف، والمخمّس المردود وغيرها.

ثم قسا وليم بقول كبير وردّ البستاني بقول أكبر، وراح كلّ يصعّد ويؤلم ويؤذي على عادة هذه الحفلات، ولكن بغير شتيمة ولا سباب ولا ذمّ.

وكان وليم صعب مرفقاً على خصمه. فقد نهنهه وأوهنه وكعّاه وأزعجه حتى كاد يخرسه. وتمرجل أعضاء الفرقتين حقاً ولكن الكفّة مالت أخيراً مع وليم صعب. فحاول رامز البستاني أن يعطّل الجلسة وثقّل كلامه وحصل هرج ومرج فضربه وليم بالدف وتحزّب لكلّ فرقة محازبوها وأوشكت القصة أن تكبر. وإلا نطّ أديب البعيني 3 ، الرفيق أديب، البطل الأشبهي، والذي سيبرز له دور في معركة الاستقلال. قفز إلى المسرح متحزّباً ومدافعاً عن رفيقه وليم صعب. ووليم رقيق العظم وغير مشكلجي. وارتجل الرفيق أديب أبياتاً للدفاع عن وليم فقال على المسرح بصوته الراعد:

وليم صعب، في يوم المعارك،

أكبر خصم بيصبح رهينك

وعَ صدر الخصم في الميدان بارك

ورفاقك يا وليم حايطينك

وكلّ واحد معك شفتو مشارك

إلك في المعركة الحمرا معينك

شيّبت الزمان بسرّ قولك

وشاب الدهر من عقدة جبينك

والتفّ الشباب حول أديب، وأديب ساند وليم وفرقته وفرضوا النظام، وأكمل وليم وفرقته القول حتى اعترف لهم الناس بالتفوّق والغلبة.

بعد سنتين وقليل جداً، حصلت معركة الاستقلال، وكان أديب البعيني إلى جانب الشهيد سعيد فخر الدين في بشامون ساعة استشهاده. وقد أبلى البلاء الحسن في صدّ تقدّم الدبابات الفرنسية في تلك المنطقة الوعرة.

وصار أديب في الحرس الجمهوري في بداية عهد بشارة الخوري. لكنه قُتل في ليلة سكر وفرح برصاصة طائشة. وكان موته فاجعة.

في يوم مأتمه الحاشد رثاه الناس والقوّالة والزجذالون والندابون. ورثاه وليم صعب بأبيات أبكت الحجر، ولكن الذاكرة الشعبية أضاعت بعضها وحفظت هذا القليل:

يا رفيق القَسَم يا أخلص الاخوان 4

بكّرتها وعجّلت بالهجران

من وين بعد بجيب متلك خيّ

يبسط عليّي من حنانو فيّ

ويعطف عليّي عطف أمّ وبيّ

ويحمي القَسَم والحق من العدوان

وين الوفا من بعد منك راح

وين الجبين المشرق الوضّاح

وين الملبّي لولا المنادي صاح

من بعد غيبة سيّد الفرسان؟

هوامش:

1 عجاج المهتار، يوسف حاتم، يوسف تاج، وليم صعب، أديب البعيني، رفعت مبارك، كنت كتبت عن كلّ منهم. مراجعة قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2 مقهى «باريزيانا»: مقهى مشهور كان واقعاً في الجانب الشرقي من ساحة البرج ساحة الشهداء عند مدخل شارع غورو ـ الجميزة.

3 أديب البعيني: مراجعة النبذة عنه عبر الموقع المذكور آنفاً.

4 في الصفحة 367 من ديوان شعر الرفيق وليم صعب، وردت الأبيات على الوجه التالي:

يا خيّ روحي وأخلص الإخوان

طوّلتها وكثّرت بالهجران

من وين بَعد بجيب مثلك خَي

لو يكثروا الإخوان والخلان؟

من وين بَعد بْجيب مثلك خَيّ

يِبسط عليّي من حنانو فَي

ويِعطف عليّي عطف أمّ وبَيّ

ويحمي حِمى حَقّي من العدوان؟

وين الوفا من بَعد منّك راح

وين الجبين المشرق الوَضّاح

وين المُلَبّي لو المُنادي صاح

من بَعد غَيبة سَيّد الفرسان؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى