المطرب شادي رزّوق لـ«البناء»: سورية أمّي ولن أغادرها

دمشق ـ آمنة ملحم

بموهبة كبيرة وفنّ أصيل، شقّ طريقه في عالم الغناء. برنين عوده عزف للوطن وشدا حبّاً لأرض عشقها مؤصّل في الروح. رسالته سامية لا تهزّها إغراءات الشهرة. وحلمه كبير يتخطّى العثرات.

وديع الصافي مثله الأعلى في الفنّ، والمسرح الغنائي حلمه. إنّه الفنان شادي رزّوق، الذي التقته «البناء» في حارات الشام القديمة، والذي عرّف عن نفسه بعبارة «عاشق الموسيقى منذ الصغر». هذه العبارة التي ارتبطت بروحه ولازمتها.

يقول رزّوق: بدأت أحفظ الأغاني أكثر وأدرسها على يد أستاذ خاصّ، ومع الوقت تعمّقت في المقامات، وحفظت عدداً كبيراً من الأغاني. منذ عام 1997 بدأ مشواري الفنّي خجولاً، وبدءاً من عام 2003، بدأت مرحلة أكثر جدّية، واتجهت إلى الأغاني الخاصة. فكانت أولى أغنياتي «هوّنها يا مهوّن» مع الإذاعة والتلفزيون، وهي من كلمات عصام جنيد وألحان يوسف العلي، تلتها عام 2005 «قنديلك ضاوي بهالليل»، وعام 2007 «جنّ الهوى» للإذاعة. ومع الوقت، اكتشفت موهبة الكتابة والتلحين، فتوالت الأعمال وازدادت خبرتي وأصبح لديّ رصيد جيد من الأغاني، إلى أن وصلت إلى شادي ابن المسرح، ولديّ اليوم جمهوري الذي يحبّني، وأغنيات خاصّة بي أضافت إلى رصيدي الفنّي. هذا إضافة إلى مشاركاتي في المهرجانات كمهرجان الربيع، والحفلات في المراكز الثقافية مع فرقة دمشق للموسيقى العربية، والتي أضافت إلى رصيدي الجماهيري.

عشق وديع الصافي

يرى شادي رزّوق أنّ أعمال الفنّان الراحل وديع الصافي ـ وهو مثله الأعلى في الفنّ ـ منحته الكثير في تكوين شخصيته الفنية. وأضاف: كان لقائي به على وشك الحدوث، إلا أن رحيله حال دون ذلك، حيث رغب الصافي بغناء أغنية «يا بيوتها يا قصّة الإنسان» كلمات صالح ديب وألحان كمال حميد والتي تتضمن الغزل بالوطن والأرض، وهذا يتقاطع مع رسالة الراحل وديع الصافي الفنية. حيث سجّلتها وقدّمتها للإذاعة والتلفزيون. بعدئذٍ أخبرني الملحّن أنّ الراحل وديع الصافي أحبّها وودّ تسجيلها واللقاء بي، ولكن للأسف رحيله حال دون ذلك، فوديع الصافي ليس فقط فناناً للفرح فحسب، بل هو رسالة فنّان.

وعن الخصوصية التي تُميّز فنّ الراحل وديع الصافي والرحابنة، خصوصاً لدى السوريين، يقول رزّوق: السوريون متميّزون بأصالتهم ورقيّهم وذكائهم وتمسّكهم بالفنّ الأصيل والموروث الثقافي. فالسوري يعرف الصحيح، ومن الصعب تقبّله للأغاني الهابطة. الموسيقى لديه غذاء الروح وهي تهذيب للنفس، ووديع الصافي ولرحابنة كانوا يعملون ليصلوا إلى محبة الناس. فالموسيقى محبة وهذا سبب تميّز فنّهم بعمقه وأصالته.

عن الأصوات السورية وحظوظها في الظهور يقول: لدينا أصوات مخيفة، وإحساس عالٍ، ولكن غياب شركات الانتاج والتسويق لهذه الأصوات، يبّطئ مسيرة الفنان، وكذلك الإعلام يتحمّل جزءاً من المسؤولية، ولكن في ظروف الحرب انشغل الإعلام باتجاهات أخرى، فلا نستطيع لومه. ليبقى غياب شركات الإنتاج العامل الرئيس في قلة حظوظ الفنان السوري.

إصرار على البقاء… وحبّ الوطن

يؤكّد رزوق أنّ الحياة في سورية كانت جميلة وراقية ولكنّها فجأة انقلبت كلّياً، ويضيف: مع ذلك بقينا واقفين ومصرّين على الغناء وانتزاع حلّة الحزن من قلوب أبناء البلد. ومجرّد الإعلان عن حفل غنائيّ في الأزمة يعدّ إنجازاً. وهنا دورنا، فأنا ابن سورية، وهي أحق بي، ولم ولن أفكر بالخروج منها، وواجبي أن أبقى فيها وأبني فيها لا خارج حدودها.

وتابع: قُدّمت إليّ عروض عدّة في أربيل ودبي وأميركا، ولكن الطرح لم يعجبني. سورية أمي وهي مريضة، وهي بحاجة إلى أبنائها ليكونوا معها ويحملوا اسم الوطن عالياً معاً، وليبنوه سوياً. وواجب كلّ فنان غادرها العودة إليها، لأنّ الفنان يتحمّل مسؤولية أكبر، لِما له من ثقة وحيّز خاص لدى الجمهور. ودوره كبير في شدّ الناس إلى الاتجاه الصحيح.

وعن دور الأغنية الوطنية يقول رزّوق: الأغنية الوطنية واجب على كل فنّان تجاه بلده. وكانت لي تجربة معها: «يا بيوتها» 2010، وفي 2011 غنّيت «نحنا رجالا ونحنا صحابا… والصورة اللي بنوقف ع بوابا… مش بس بنعشق سورية بنعشق سورية وترابها». وبعد فترة قدّمت «بدنا نهزّ العالم كلّو». بشعبنا وبإيماننا كسوريين وثقتنا بجيشنا. ومؤخّراً قدّمت «سورية نصرك جاي»، ونحن مؤمنون بهذا النصر لأن صبرنا لا بدّ وأن يثمر نصراً. وواجبنا كفنانين أن نشدّ الصفوف على الدوام.

لرزّوق تجارب مع الغناء الجماعي، وعنه يقول: الكورال مجتمع جميل يحمل رسائل كثيرة. وأنا كنت مع كورال نقابة الفنانين في حماة لسنوات عدّة. غنّينا لفلسطين ولبنان والعراق، ومؤخّراً كنت مع كورال «بندلايمون» في كنيسة الصليب، وقدّمنا عملين، وكان ذلك من ضمن الرسالة أن نكون متواجدين وباقين.

برامج المواهب لعبة تصويت… لا فنّ

وعن برامج المواهب وعدم مشاركته في أيّ منها يقول رزّوق: عندما اجتزت اختبارات نقابة الفنانين، وقفت أمام أهمّ لجان على مستوى العالم العربي كسهيل عرفة وأسعد خوري وصباح فخري وأمين خياط وحسين نازك وغيرهم كثر. ولو أن الموضوع متعلّق بلجان تحكيم، فأنا واثق بقدرتي على إقناع اللجان بموهبتي. ولكنّني لم أقتنع بتلك البرامج، لأنها لعبة تصويت وكواليس مع احترامي لكل البرامج، لكنني لم أقتنع بمصداقيتها واعتمادها على اللجان.

ويتابع: نعم، إنها تختصر رحلة طويلة باتجاه الشهرة. ولكن القنوات التي رعتها كانت لها يد في الحرب على بلدي، وأنا لست مضطراً لأن أسعى باتجاه ما لست مقتنعاً فيه، وما تربّيت عليه.

وعن سؤال «البناء» حول سعي البعض إلى الشهرة عبر الفن الهابط أكد رزّوق أنّ الفنّ الملتزم يثمر مع الوقت بعيداً عن الفنّ الهشّ. وأضاف: إن ركضنا وراء الشهرة، قد أقدّم فنّاً رخيصاً، ولكنني لا أستطيع الكذب على نفسي وعلى الجمهور بأهمية ما أقدّمه. وأعتقد أنّ من يسعى إلى تلك الشهرة الهابطة يحرق نفسه كفنان. فما قدّمه جاد خليفة مؤخراً مع ميريام كلينك أحرق صدى صوته الجميل، وشكّل صدمة للمجتمع، لأن ذلك ليس من عاداتنا ولا قيمنا ولا حياتنا أو مجتمعنا. فنُبذ من الجميع وأحرق نفسه كفنان. وهناك حرب ثقافية على العرب منذ زمن بعيد، مجتمعنا جميل ومحافظ على مستوى الأخلاق والكلمة الصحيحة، وهذا فنّ دخيل قصده الأذى ولا يعيش.

وأضاف: الجمهور السوري ذكيّ في انتقاء الأغاني، وذوّاق جدّاً، يطلب أغنيات راقية وجميلة، وهذا يعكس تربية السوري على الكلمة الصادقة واللحن الجميل، وهو مقبل على الحياة والفرح على الدوام رغم الألم والجراح.

وعن ميله إلى الغناء الجبلي والطربي قال رزّوق: صوتي يساعدني في غناء ألوان كثيرة. وأنا أغنّي الجبلي والطربي وهما الأقرب إلى مجتمعنا. ولكن التنوّع مطلوب، فأغنّي كذلك الحلبي وألواناً عدّة. أنا من مواليد حلب، درست في حماة، وعملت في حمص، وعشت في الشام… أنا سوريّ بامتياز!

طموح ودعم

يؤكّد شادي رزّوق أنّ طموحه كبير، وأنه راضٍ ضمن الإمكانيات عن مكانته الفنية. ويبقى طموحه الكبير في التلحين والتوزيع الموسيقي والمسرح الغنائي. ويتمنّى لو أن شركات الإنتاج فاعلة في سورية، «لدعمتنا كثيراً». وعن دور نقابة الفنانين في ظلّ غياب شركات الإنتاج يقول: نقابة الفنانين قد تسهّل علينا تسجيل أغنية كلّ سنة وتقديمها إلى الإذاعة، ولكن العدد كبير، والحيّز لديها ليس كبيراً للاستيعاب، والعبء يقع على الإعلام بشكل أكبر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى