بركانُ الحزب في عينطورة لن تُخمد شرارتُه

ميشال عازار

نهضوا ذات يومٍ، ونفوسهم تُزَمْجِر فيها إرادة الحياة. وحلّقوا نسوراً في سماءٍ لم يظنّوا أنَّ شمسها لن تعانق أجنحتهم مجدّداً. ولكن، هاوية الموت قد تخطف – في ظلامها الحالك هدير النهر. فتركوا خلفهم صمتاً لا يوازيه عمق إلّا صمت التاريخ على منبر الشهادة.

يُقال بأنَّ الوقت هو أفعل وأقوى قاتل. غير أنَّ بعض الجراح، في طبيعتها ألاّ تستكين، فلا يمكن للوقت، مهما طال، أن يختمها بشكل نهائيّ.

مجزرة عينطورة هي جرح أبديّ في صميم كلّ واحد منّا. وبفعل إصرارنا الدائم على إحياء هذه الذكرى، أصبحت المناسبة من عاداتنا. ولكن، من عواقب العادات أنّها تفعل في نفسيّة الإنسان بطريقةٍ تُنسيه التفاصيل، فتُقدّم، مع مرور الوقت، المظهر على الجوهر. ولأنّنا تلاميذ مدرسة تقول بأنَّ التعيين هو شرط الوضوح، تبقى ذاكرتنا أوفى ما فينا، ولن نبخل بالتفاصيل على مسامع مَن يريد الإصغاء… لأنَّ وقاحة بعض الأشخاص قد بلغت حدّاً غير مسبوق.

هي مجزرة نُفّذت بتنظيم وتخطيط دقيقين، فقد أقدم إرهابيّو حزب الكتائب على قتل 21 قوميّاً اجتماعيّاً من عينطورة على ثلاث مراحل، وبقرار من رئاسة الكتائب، وبالتحديد أمين الجميّل. وقرار القتل، هدفه ليس فقط القضاء على الحزب السوري القومي الاجتماعي في عينطورة، بل في المتن الشمالي. لكنّنا أبناء حزب واجه زعيمه الإعدام ولم يرفَّ له جفنٌ ولم تتسارع نبضات قلبه. وقفنا وبقينا وصمدنا وأنشأنا جيلاً جديداً، رغم محاولتهم لاستنزافنا واقتلاعنا من جذورنا.

ما يثير الانتباه، هو أسلوب تنفيذ المجزرة. مهما كانت الطريقة التي نحاول من خلالها قراءة الأحداث، تتوافق مجزرة عينطورة في جميع النقاط مع أسلوب واحد: أسلوب يهودي صهيوني بامتياز: خيانة وغدر، عقليّة انعزاليّة إلغائيّة، ناهيك عن التعذيب والتشويه والتنكيل بالجثث بطريقة تجعل من تنظيم «داعش» وريثهم الشرعي. وصلت حقارتهم إلى حدّ منع دفن أجساد الشهداء. على كلّ حال، حين قال سعاده بأنّ العقل هو الشرع الأعلى في الإنسان، لم يجد حاجة للذكر بأنّه الشرع الأدنى عند الحيوان. كانت مجزرة عينطورة من الصفحات الأولى في كتاب الحرب الأهلية. وقد أثبت التاريخ مدى تورّط حزبهم مع العدوّ «الإسرائيلي» وانغماسه في المشروع الصهيوني.

أن تُقام هذه الذكرى هو أكبر انتصار لشهدائنا ولحزبنا، ولا يمكن لأحد أن يعيب علينا بشيء. إنّ شرفنا وكرامتنا ينضحان من الانتماء الى الحزب السوري القومي الاجتماعي. كلّ شخص يعترف بهذه المجزرة ويدرك خلفيّاتها مرحّب به بيننا. ولكن، قد حان الوقت لنفرّق نهائيّاً بين الخصم والعدو. الخصم هو مجرّد جهة نتسابق معها للوصول الى هدف معيّن. أمّا من نكّل فينا وشرّد عائلاتنا، فهو عدوّ، بكلّ ما في الكلمة من معنى، وليس مجرّد خصم سياسي. طبعاً، نجد بعض الحياديين الهاربين من المواقف. هؤلاء مثل طفلٍ يحجب الشمس بإصبعه، متوهّماً أنّ الأشعّة لا تلذع وجهه.

هل من المعقول والمقبول والمنطقي أن ننسى شهداءنا. منذ نشأتنا ونحن نسمع أسماءهم، وكأنّنا أصبحنا نعرفهم على الصعيد الشخصي. كيف يمكن أن ننسى تواضع نسيب عازار، وشراسة يوسف الحاج، وبطولة الياس عازار، وثقافة شبل عازار، ورويّة ميشال عازار، وبراءة أمل الحاج، واندفاع عطالله عازار واللائحة تطول. هؤلاء تمرّدوا على مجرّد العيش وأرادوا أن يحيوا بعزّ. أرادوا أن ينشئوا جيلاً جديداً، كما أراده الزعيم، محرّراً من قيود لطالما اعتبرناها فضائل وهي أكبر الرذائل. ومن هذا المنبر، منبر شهداء عينطورة، أودّ أن أوجّه تحيّة لصديق ورفيق الشهداء، المخطّط البطل، والعبقريّ الأمين نبيل العلم، صهر هذه الضيعة. هذا الرجل الذي اتّخذ من مقولة الزعيم بأنّ التاريخ لا يسجّل الأماني ولا النيّات، بل الأفعال والوقائع، شعاراً لحياته. ألف تحيّة لروحك الطاهرة.

في الختام، رسالتنا شفّافة وواضحة. نحن حريصون على الهدوء.. كرامتنا وكرامة شهدائنا فوق أي اعتبار. لا يخطر على بال أحد أنّ بمقدوره تخطّي كرامتنا في التعاطي معنا. نحن باقون في عينطورة، وهم إلى زوال. كنّا هنا قبل نشوئهم، وسنبقى هنا بعد فنائهم، وبركان الحزب في عينطورة لن تُخمد شرارتُه.

المجد للشهداء. لن ننسى. لن نسامح. لتحي سورية، وليحي سعاده.

من كلمة مديرية عينطورة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى