بين محاربة الإرهاب… والمفاوضات
حسن حردان
بعد أن نجحت الدولة الوطنية السورية في إدراج بند محاربة الإرهاب على جدول المفاوضات في جنيف، وتعقد الجولة الجديدة على هذا الأساس، دخلت المفاوضات مرحلة جديدة، وهي اختبار الوفود المعارضة في مدى استعدادها تحديد موقف واضح من الجماعات الإرهابية، وخصوصاً الموقف من تنظيم جبهة النصرة، لأنّ داعش لا أحد يناقش في أمره، وقد ازدادت أهمية تحديد الموقف من النصرة، بعد الهجمات التي نفذتها في محيط حي جوبر شرق دمشق، والريف الشمالي لمحافظة حماه. فهذه الهجمات تعزز وجهة نظر الدولة السورية التي تؤكد على التلازم بين محاربة القوى الإرهابية والتفاوض على شروط الحلّ السياسي للأزمة. بل أنّ تحديد الموقف من القوى الإرهابية والإعلان عن إدانة عملياتها الإرهابية وجرائمها إنما يشكل المنطلق والأساس للشروع في أيّ حلّ سياسي مع أيّ فريق معارض جادّ في ذلك، والمدخل للحلّ، ذلك أنه لا يمكن الفصل بين محاربة الإرهاب وتطهير سورية من الجماعات الإرهابية المسلحة، وبين تقدّم العملية السياسية. ومن يرفض من قوى المعارضة إعلان موقف يدين النصرة وداعش بشكل واضح إنما يستمرّ في الاتكاء على هذه القوى الإرهابية لتحصيل مكاسب سياسية مثل اشتراط ما يسمّيه انتقال السلطة واعتباره شرطاً يسبق اتخاذ أيّ موقف من النصرة، وهو ما أعلنه وفد الرياض قبيل بدء الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف. طبعاً هذا الموقف يكشف الارتباط بين النصرة وأطراف في هذه المعارضة من جهة، وتوظيف بعضها الآخر للنصرة كورقة ضغط على الدولة السورية لانتزاع تنازلات منها. كما يفضح حقيقة هذه المعارضة ودورها في التشجيع على الإرهاب وقتل المواطنين السوريين والرقص على دمائهم، تماماً كما يفعل الأميركي الذي لم يخف سعيه المستمرّ لتوظيف خطر إرهاب داعش والنصرة للضغط على الدولة السورية ودفعها إلى تقديم تنازلات تمسّ بسيادتها واستقلالية قرارها الوطني. وهو ما اعترف به وزيرالخارجية الأميركي جون كيري، وقبله نائب الرئيس، في عهد الرئيس باراك أوباما، جو بايدن.
من هنا فإنّ الحديث عن الحلّ السياسي للأزمة في سورية لا يمكن أن يستقيم إذا لم يقترن بأخذ موقف واضح يدين القوى الإرهابية ويرفع الغطاء عنها، وينخرط إلى جانب الجيش العربي السوري في محاربتها، بل أنّ ذلك هو المدخل الملزم للحلّ السياسي وللخروج من الأزمة، فكيف يمكن الخروج من الأزمة وتنفيذ العملية السياسية والإصلاحية إذا لم يتمّ تحقيق الأمن والاستقرار، الأمر الذي لا يمكن بلوغه قبل تطهير الأرض السورية من الجماعات الإرهابية المسلحة.
على أنّ هذا الموقف من القوى الإرهابية بات هو المقياس أيضاً لتحديد الانتماء الوطني لأيّ فصيل معارض، بغضّ النظر عن حجمه التمثيلي في الشارع السوري، وهو الذي يكشف أيضاً من يملك الاستقلالية في موقفه عن الدول المتآمرة على سورية، التي تقف وراء دعم القوى الإرهابية لمواصلة حربها التدميرية والإجرامية ضدّ الدولة السورية وشعبها وجيشها.
ولذلك فإنّ المفاوضات في جنيف لا يمكن لها أن تتقدّم خطوة واحدة في اتجاه الحلّ السياسي، إذا لم يتمّ أولاً حسم موقف الوفود المعارضة من بند محاربة الإرهاب. وإذا ظلّ البعض يرفض ذلك ويناور ويسعى إلى تقديم بند العملية السياسية، ويرفض اتخاذ موقف يدين إرهاب النصرة على وجه التحديد.
ويبدو من خلال الوقائع والمعطيات أنّ هذه الجولة من مفاوضات جنيف لن تحقق أيّ تقدم لأنّ وفد الرياض على وجه الخصوص يرفض إدانة هجمات تنظيم النصرة الإرهابي. ما يؤكد بأنّ الحلّ السياسي سيبقى مرهوناً بتطورات الميدان، الذي تؤكد مؤشراته اليومية بأنه اصبح مختل لمصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه على الجبهات كافة، وأن محاولات الارهابيين تغيير هذا الواقع في بعض الجبهات في شمال جوبر وفي ريف حماه الشمالي قد باءت بالفشل، وسوف تقود الى تسريع اندحارهم، كما حصل قبيل تحرير أحياء حلب الشرقية، وما أدّى إليه من سرعة تقدّم الجيش السوري في الميدان وتمكنه من تحرير ريف حلب الشرقي ومدينة تدمر وقسم كبير القرى والجبال وحقول النفط والغار في البادية.