دورة الإرهاب وثبات وجهته

د. رائد المصري

قد يتساءل المرء بين الحين والآخر حول مدى قدرة الإرهاب وفعله من التمدُّد بسهولة، والضرب بيُسر في أماكن متفرقة من العالم في ظروف زمنية وتوقيتات مؤلمة، على مسار الأزمات الملتهبة التي تعاني منها بلدان الشرق الوسط والبلاد العربية والإسلامية، في الوقت الذي تُجمع فيه كلُّ المنظومات السياسية والأممية على وجوب قتال واجتثاث هذا الوحش المتغلغل في الفكر وفي الوعي الباطني، والذي يُشكّل بحدِّ ذاته قنبلة أو حبة واحدة من كلِّ عنقود أو خلية إرهابية، يتعذَّر على أيِّ جهاز أمني في العالم الإجهاز أو السيطرة عليه.

واقع الأمر يدلُّنا على سوء استخدام منظومات القتل الاستعمارية الغربية لطريقة عمل هذه الخلايا الإرهابية ضمن المواجهة المفتوحة التي أرادوها في سياق صراع الحضارات والانتقال التدريجي لاستخدام الإسلاموفوبيا عالمياً، لتسويغ مشروع السيطرة والهيمنة على الدول وتفكيكها من الداخل، لكون هذه المنظومات السياسية العربية وبعض الإسلامية وعلى علاَّتها واستبدادياتها، تشكِّل أرضية واحدة ومسار خط مستقيم متلازم لطبقات اجتماعية دينية، تعزَّزت لديها نظرة العداء المستفحل تجاه الآخر وباتت تشكِّل تهديداً عالمياً يمكن أن يبقَى ويستمر عشرات السنين.

ونقصد هنا بسوء الاستخدام، ذاك الذي نراه ونراقبه من خلال ردَّات الفعل عند هذه التنظيمات الإرهابية القاتلة، كجبهة النصرة وأحرار الشام وفيالق الرحمن وداعش وغيرهم من المسمَّيات التي تفتِك بجسم الإنسان العربي والمسلم والمسيحي، في سورية أو في العراق أو في أوروبا، لكن من دون أن نقرأ ردود الفعل الغربية والدولية إزاء أعمالها وإرهابها، إلاَّ بما يتناسب مع رؤيتها ومصالحها كمستعمرين جدد أو وفق المصلحة السياسية التي تبتغيها هذه الدول.

لن نشير هنا إلى جدليات نشوء أو إنشاء تنظيم القاعدة والعرب الأفغان، أو حتى أقله منذ بداية الحرب الاستعمارية على سورية، واستخدام الوافدين الأجانب من كل أقطار العالم الى هذه الدولة وإعلانها أرضاً للجهاد العالمي. لكن دعونا نتحدث عن السنتين الأخيرتين من هذه الحرب وبالتحديد منذ بدء انفلاش هذه المجموعات التكفيرية الى خارج سورية والعراق وتركيا واليمن ولبنان وأوروبا وأميركا إلاَّ الكيان الصهيوني طبعاً.

التعاطي من المنظار المتحيِّز لناحية منجزات هذه الفصائل التكفيرية في قتل حتى المدنيين والأطفال والأبرياء وبما يخالف منطوق قواعد القانون الدولي في جرائم الحروب، من قبل التحالف الدولي أو الغرب الاستعماري أو الصهيوني أو التركي الخليجي، كان خجولاً إن لم نقل مرحَّباً به في كثير الأحيان عبر التوصيفات التي تحملها هذه الفصائل والمناطق الجغرافية التي تقع فيها جرائمهم، وكانت خير دليل الجرائم الوحشية للتفجيرات الأخيرة في دمشق وقصر العدل والضحايا الأبرياء من الأطفال والمدنيين، لنقول إن حجم الإدانات والاستنكارات من قبل هذه الدول الاستعمارية وأدواتها الإقليمية كافية لإعطاء الضوء الأخضر لهذه التنظيمات القاتلة بالاستمرار في أفعالهم حتى يستنزفوا ما تبقى من معالم دولة وإدارة وجيوش وكيانات.

كذلك استمرار الفصائل السورية المعارضة في مفاوضاتها على استثناء بنود مكافحة الإرهاب كأولوية للبدء في الحل السياسي في سورية، أعطى ويعطي الذرائع ويوفر البيئة السياسية والمناخ الملائم لاستمرار أعمال هؤلاء الوحوش.

الحديث الأميركي عن بدء وتحشيد المعركة المقبلة في الرقة من دون الارتكاز على منظومة الجيش السوري والدولة السورية، لملء الفراغ الذي يتركه الإرهاب وتبعاته، وهو ما يعني أننا أمام إعادة تموضع الفصائل التكفيرية وتبديل مسمّياتها وألوانها وبدلاتها ومهماتها، من دون الدخول إلى معالجة جوهر المشكلة الإرهابية التي يعاني منها العالم اليوم جراء ضربات القنابل العنقودية البشرية وذئابه المنفردة.

اليوم أيها السادة، ليس هناك أدلّ أكثر على ما عرفناه وشاهدناه في العمليات الإرهابية التي طاولت بريطانيا ومدينة لندن وحالة الهلع والاستنفار، كذلك حالة الكشف عن خلايا إرهابية كانت تعتمد التنفيذ في المانيا بالتزامن مع عمليات لندن، وبقيت خارج التداول الإعلامي والرأي العام الإلماني من قبل أجهزة الأمن، لغايات تتعلَّق بمصلحة الأمن القومي هناك، كل ذلك جرى في ظل حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خلفية نزاعه مع الاتحاد الأوروبي وبعض الدول فيه، بأن العلاقة الأوروبية إذا بقيت على هذا المسار، فإن أوروبا لن تهنأ ولن يستطيع أي مواطن السير في الشارع….

فلا نستطيع أن نفسر هنا مجريات هذه التصرفات والتصريحات والإيحاءات من قبل التركي والغربي والأميركي والخليجي وكل من يشنّ الحرب على سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر سيناء حتى، لناحية إدانة الإرهاب والحركات التكفيرية والسلفيات الجهادية ومكافحتها، إلاَّ من المنظار الهادف بالإيعاز لتكملة هذه العمليات الوحشية وإدامة قتلها للمدنيين حتى لو كانوا في أوروبا وأميركا، بالمنظور الاستعماري الرأسمالي يُعدّ هؤلاء الضحايا، مجرَّد أرقام في حسابات ودفاتر الربح الغربية، وفي إعادة تصنيع وتطوير حركة الإنتاج المعولم وهيكلته التي بدأ يأكلها الصدأ وبانت علامات الضعف والوهن عليها.

فكما يُعاد تدوير الفوائض المالية والنفطية والغازية في الرأسمال المالي وإدماجه بالصناعي، وكما يُعاد هيكلة الإنتاج الصناعي الغربي وعلاقات وأدوات هذا الإنتاج بين كل فترة زمنية تتراوح بين 10 و15 سنة، يُعاد اليوم تدوير وإعادة استخدام تموضع قَتَلَة هذا العصر وخدم الإمبريالية الصناعية الجديدة بما يتناسب والمرحلة الجديدة للرأسمال المعولم الذي بدأ يتجسد في أميركا ترامب الجديدة… ولا نريد التحدث عن تعداد الضحايا من الأبرياء ومن الأطفال ومن المدنيين، فكل هؤلاء مجرد أرقام يمكن شطبها ونقلها ألى أماكن أخرى وبأضعف الأحوال يمكن كتابتها بأقلام الرصاص حتى يسهل محوها… وكثيرة هي الخرائط التي تمَّ محوها منذ زمن….

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى