القمة العربية تؤكد حق لبنان المشروع بالمقاومة وتصفع «رؤساء المذكّرة» عون قمّة القمّة: هل الدماء المسفوكة لأجل القدس؟ عودوا للعقل قبل أن نصبح عمولة

كتب المحرّر السياسي

اعترفت تركيا بفشل عمليتها في شمال سورية بإعلان نهايتها، رغم مزاعم تحقيق أهداف تقول المواقف التركية طوال شهور إنها لم تُحقّق. ورغم محاولة تركيا تحويل الإعلان للتنصل من مسؤولية ضمانتها للميليشيات العاملة تحت مظلتها، سواء وفقاً لوقف النار مع الجيش السوري، كما تقول تفاهمات أستانة، أو التهدئة مع الجماعات الكردية وفقاً للتفاهم مع الروس والأميركيين في قمة رؤساء أركان الجيوش الأميركية والروسية والتركية قبل شهر، والأخطر طبعاً هو إطلاق يد جبهة النصرة في نقل التفجير الأمني من وسط سورية وعاصمتها وجنوبها إلى الشمال الذي تريد أنقرة أن تقول إنها لم تعد معنية به، فقد أنهت عمليتها في شمال سورية، وليست مسؤولة عن ضبط الوضع. وهذا ربما يعني بحال الهيستيريا التركية فتح الحدود للمال والسلاح والرجال لحساب النصرة لتصعيد مقبل، ويستدرج على تركيا تبعات أكبر من التي واجهتها مع أزمة إسقاط الطائرة الروسية، فموسكو أعلنت أن الحرب التي يخوضها الجيش السوري ضد الجماعات الإرهابية لن تتوقف، وستحظى بكل الدعم من روسيا حتى استئصال هذه الجماعات، وهذا ما تعلمه أنقرة جيداً، فهل هي محاولة لرفع السعر فقط؟

القمة العربية التي عقدت في أدنى نقطة عربية عن سطح بحر التطلعات الشعبية، وعلى ضفاف بحر ميت الآمال والطموحات، وتجاور أعلى نسبة ملوحة مواقف غير قابلة للبلع ولا للهضم، انتهت بأقل الخسائر، فالبيان التقليدي الذي لا يشبه رغبات حقبة الهيمنة السعودية على القرار العربي بسموم العداء والحقد والتغطية للحروب، جاء خالياً من خطوات تصعيدية كانت الخشية من تهور سعودي بالضغط لفرضها والمخاطرة بتفجير قمة صار فيها من اتخذ القرار بعدم المجاراة، كالعراق ولبنان والجزائر، ومن قرّر الوقوف على الحياد والدعوة للتسوية إذا نشب نزاع كمصر والأردن والمغرب والسودان، وما كانت الخشية منه خصوصاً محاولة حشر فقرة تتهم حزب الله بالإرهاب في الفقرة الخاصة بالأوضاع في الخليج واليمن والبحرين خصوصاً، ولأجلها استعمل الرؤساء السابقون بمذكرتهم لتحفيز المسعى، لكن لبنان بالمرصاد، والموازين لا تسمح بعدما صار المشروع السعودي يعيش الاحتضار من فشل إلى فشل، فالسترة أفضل، ولو اقتضى المقام تجاهل عذاب رؤساء المذكرة التي ذهبت إلى سلة مهملات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط.

قمة القمة كانت كلمة الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي ارتفعت أيدي اللبنانيين بالدعاء له بالعافية مع تعثّر قدمه قبيل الصورة التذكارية، وانطلق قلبه وعقله ولسانه لكلام تاريخي وفقاً لمعادلة فلتسمع الشعوب إن أصاب القادة صممٌ. وهذا معنى اللهم أشهد أني بلّغت، لأن السؤال للعرب كلهم وليس لحكامهم فقط: لمن نبذل دماءنا في الحروب المنتشرة على مساحة جغرافيتنا؟

ألأجل القدس وعودة اللاجئين؟

تابع الرئيس العماد عون داعياً بلغة التاريخ الذي لن يرحم، داعياً للحكمة والعقل والحوار، قبل أن يصير العرب عمولة الحلول التي ستفرض عندما تنتهي وظيفة الحروب في حسابات الخارج الذي يرعاها ويشعلها ويتنقل بها، ودمنا العربي هو الذي ينزف، ونفطنا العربي هو الذي ينضب، وعمراننا العربي هو الذي يخرّب، وعمولة الحلول المفروضة عاشها العرب وخبروها في ثورتهم الأولى في العشرين من القرن العشرين، يوم ولد تقسيم البلاد العربية باتفاقية سايكس بيكو في مخاض الثورة العربية الكبرى وأوهام الثوار، ويوم ولد اغتصاب فلسطين وفقاً لوعد بلفور في خضم انشغال العرب بدويلاتهم المستقلة، وها هم يعيدون الكرّة في ربيع تحوّل خماسين لا تبقي ولا تَذَر، فهل أدرك العرب كما أوحت كلمة أمير الكويت؟

موت العرب في بحر القمة

لم ترتقِ القمة العربية في مؤتمرها الثامن والعشرين الى مستوى وحجم الأحداث والتطورات في المنطقة، إنما خرجت بقرارات خجولة لجهة مواجهة الاعتداءات «الإسرائيلية» المتمادية على الشعب الفلسطيني وعلى حقوقه ومقدساته وخطر الإرهاب وتمدده في المنطقة، ولا على صعيد اجتراح حلول للأزمات الداخلية للدول الأعضاء والخلافات والنزاعات العربية العربية، فكانت القمة التي انعقدت على البحر الميت في الأردن موتاً للعرب وللقرار العربي في بحر القمة.

واستغلّ بعض حكام الخليج منتدى القمة لتحويله منصة للتصويب على الجمهورية الإسلامية في إيران وإدانة تدخّلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، بينما جدّدت القمة التمسّك بمبادرة السلام العربية الذي يرفضها كيان الاحتلال أصلاً وتؤيده بذلك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي طلب نقل سفارة بلاده في «تل أبيب» الى القدس، ما يعني نسف حل الدولتين الذي تستند إليها المبادرة العربية.

وإذ لا تزال دول خليجية تمول الإرهاب وتزجّ مقاتلي جبهة النصرة على جبهات العاصمة السورية، شدّد البيان الختامي للمؤتمر في بيان تلاه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط على «تكثيف العمل على إيجاد حل سلمي يُنهي الأزمة السورية، بما يحقق طموحات الشعب السوري، ويحفظ وحدة سورية، ويحمي سيادتها واستقلالها، ويُنهي وجود جميع الجماعات الإرهابية فيها، وخلا من المطالبة بتغيير النظام في سورية وتنحّي الرئيس بشار الأسد.

كما أكد البيان على أن «أمن العراق واستقراره وتماسكه ووحدة أراضيه ركن أساسي من أركان الأمن والاستقرار الإقليميين والأمن القومي العربي وعلى ضرورة تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا»، وحثّ المجتمع الدولي على الاستمرار في دعم الدول المستضيفة للاجئين السوريين وضرورة تنفيذ مخرجات مؤتمر لندن ودعا إلى تبني برامج جديدة لدعم دول الجوار السوري المستضيفة للاجئين في مؤتمر بروكسل الذي سينعقد في الخامس من شهر نيسان المقبل.

عون دقّ ناقوس الخطر

وحدها كلمة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون خرقت روتين الكلمات التقليدية واخترقت الصمت العربي وأنذرت الحكام والملوك والرؤساء الذين يأخذون البلاد الى الحروب والتقسيم والدمار والقتل والتهجير بسياساتهم، من حيث يعلم بعضهم ويجهل الآخرون، ودقّ الرئيس عون ناقوس الخطر بأن استمرار العرب بالتهرّب من مسؤولياتهم تجاه الواقع سيفاقم الوضع ويقود المنطقة الى نفقٍ مجهول.

وأكد الرئيس عون أن «خطورة المرحلة تحتم علينا أن نقرر اليوم وقف الحروب بين الأخوة بجميع أشكالها، العسكرية والمادية والإعلامية والدبلوماسية والجلوس الى طاولة الحوار، لتحديد المصالح الحيوية المشروعة لكل فريق واحترامها وإلا ذهبنا جميعاً عمولة حل لم يعد بعيداً سيفرض علينا».

وأبدى «استعداد لبنان الكامل، بما له من علاقات طيبة مع جميع الدول العربية الشقيقة، للمساعدة في إعادة مد الجسور وإحياء لغة الحوار»، لافتاً الى أن «اللبنانيين عاشوا حروباً متنوعة الأشكال لم تنته إلا بالحوار».

وشدّد رئيس الجمهورية على أن «تخفيف بؤس النازحين وخلاصهم من قسوة هجرتهم القسرية وتجنيب لبنان التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية للازدياد المطرد في أعدادهم لن يكونا إلا من خلال عودتهم الآمنة الى ديارهم»، لافتاً الى أن «لبنان يتلقى نتائج شرارة النار المشتعلة حوله وينوء تحت حملها ويحاول مد يد المساعدة قدر الإمكان. لكن عندما يتخطى المطلوب طاقتنا نغرق في أعبائه ويصبح خطراً علينا».

وقالت مصادر مطلعة لـ»البناء» إن «لا دور استراتيجي للجامعة العربية بل لطالما كانت قمة العجز العربي، وكما فشل الحكام في استعادة الحقوق الفلسطينية المغتصبة وتآمروا على القضية المركزية للأمة ووقفوا عاجزين أمام الأزمة في سورية، لأنهم لا يريدون الحلول للأزمات، بل كانوا شركاء أساسيين لـ»إسرائيل» والولات المتحدة بالتأسيس للحرب في سورية وإذكاء نارها وتمويل ودعم ما يُسمّى المعارضة التي تحوّلت بسحر ساحر تنظيمات متطرفة إرهابية لتدمير المجتمع والدولة في سورية، بهدف تسليم الإخوان المسلمين زمام الحكم».

ووصفت المصادر القمة بأنها «قمة أميركية إسرائيلية ناطقة باللغة العربية»، ورأت أن المواقف التي أطلقها الرئيس عون فضحت سياسات الدول العربية بالتورط بدم الشعوب في أكثر من بلد عربي. وحذّر من أن المنطقة تسير باتجاه التقسيم ومزيد من الحروب والنزاعات والقتل والفوضى في حال استمرت السياسات العربية على حالها».

واستبعدت المصادر أن «تجد مناشدة عون لعقد طاولة حوار عربية، آذاناً صاغية لدى من تآمر على الامة وحول مؤتمر القمة الى عملية تصديق لقرارات مؤتمر مجلس التعاون الخليجي».

لا صدى لرسالة الرؤساء السابقين

وفي ما يتعلق بالشأن اللبناني، لم تجد رسالة رئيسي الجمهورية السابقين أمين الجميل وميشال سليمان ورؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام صدى في قاعة المؤتمر، بل أتى البيان خالياً من أي انتقاد لسلاح المقاومة ولا إدانة حزب الله ودوره في سورية ولا تبنّي سياسة النأي بالنفس وإعلان بعبدا، بل رحبت بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية وبتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري وتجديد التضامن الكامل مع لبنان وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له، ولحكومته ولكافة مؤسساته الدستورية، بما يحفظ الوحدة الوطنية اللبنانية وأمن واستقرار لبنان وسيادته على كامل أراضيه، وتأكيد حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة والتأكيد على أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، التي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً ودعم موقف لبنان في مطالبته المجتمع الدولي تنفيذ قرار الامن رقم 1701».

كما أكد دعم لبنان في تصدّيه ومقاومته للعدوان «الإسرائيلي» المستمرّ عليه واعتبار تماسك ووحدة الشعب اللبناني في مواجهة ومقاومة العدوان «الإسرائيلي» عليه ضماناً لمستقبل لبنان وأمنه واستقراره، كما أدان الاعتداءات «الإسرائيلية» على السيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً، ورحب بشروع الحكومة اللبنانية في الإجراءات المتعلّقة بدور التراخيص للتنقيب عن النفط واستخراجه مع إصدار المراسيم التطبيقية اللازمة لذلك.

وكان عون قد التقى أمس على هامش القمة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.

وبعدما أعلن رفضه بالتصريح على الأقل لرسالة الرؤساء السابقين الذين قدّموا أوراق اعتمادهم الى السعودية، غادر رئيس الحكومة سعد الحريري عمان مرافقاً الملك السعودي على متن الطائرة الملكية الى الرياض.

بري: الرسالة مردودة بالشكل

أجواء القمة العربية وقرارتها وما سبقها من خطيئة ارتكبها بعض الرؤساء السابقين، كانت حاضرة في عين التينة، حيث أبدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري انزعاجه من الرسالة التي بعث بها رئيسا الجمهورية السابقين ميشال سليمان وأمين الجميل ورؤساء الحكومات السابقون تمام سلام، نجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة الى الأمانة العامة للجامعة العربية. ولفت بري إلى اتصال هاتفي حصل بينه وبين الرئيس عون تناول هذه الرسالة، مشيراً الى أنه أبلغ رئيس الجمهورية أن الإشكال الأكبر لهذه الرسالة يكمن في الشكل قبل المضمون.

وأضاف: لديّ 13 قمة عربية أكدت على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة وعلى تحريرالجنوب، وما تعرّض له، ولكن الظاهر أن هؤلاء «مش دايرين بالهن شو صار بالجنوب» في أعوام 78 و82 و93 و96 و99 و2000 و2006 ما خلفته الحروب والاعتداءات الإسرائيلية كل مرة من شهداء وجرحى ودمار هائل».

وفي ملف قانون الانتخاب، أكد بري، بحسب ما نقل عنه زواره، لـ «البناء»، أنه لن يسمح باستمرار الوضع على ما هو عليه لأكثر من 13 نيسان المقبل، معتبراً أن الفراغ هو انهيار لمؤسسات الدولة لأننا بحسب الدستور نظام برلماني.

وأعلن بري أنه سيدعو إلى جلسة عامة في 6 نيسان المقبل لمناقشة الحكومة حول قانون الانتخاب ومطالبتها أن تتحمّل مسؤوليتها في هذا الموضوع لا سيما أنها تشكلت على قاعدة أنها حكومة موازنة وقانون انتخابي، ولا تزال لغاية الآن «تنفض يديها من قانون الانتخاب».

ودعا بري الحكومة إلى المبادرة وعقد اجتماعات مفتوحة وإقرار قانون الانتخاب بأغلبية الثلثين، وفيما لو تم الاتفاق في مجلس الوزراء على هذا الأمر يُحال مشروع القانون إلى المجلس النيابي الذي بإمكانه أن يقرّ قانون الانتخاب بأغلبية بسيطة أي بـ 33 صوتاً إذا كان الحضور 65 نائباً.

وأشار إلى أن صيغة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل لا تزال تناقش، لكن مشكلتها الكبرى تكمن في الصوت التفضيلي، إذ إن تقييد الصوت التفضيلي في القضــاء يجوّف النسبية من دورها، لافتاً إلى أن النقاش حول هذا الأمر لا يزال مفتوحاً متحدثاً عن اجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية عقدت في الآونة الاخيرة، مبدياً خشيته من الفراغ.

وأوضح بري في موضوع سلسلة الرتب والرواتب، إلى أنه التقى بمختلف القطاعات، معتبراً أن المجلس النيابي غير ملزم بما أقرته الحكومة، وعليه أن يمارس دوره كاملاً في تصويب الضرائب. وشدد على أنه لا يزال على موقفه في ما يتعلق بالضرائب على الهندسة المالية للمصارف وأنه سيتحفظ على زيادة 1 على TVA. لكن الرئيس بري شدّد في الوقت نفسه على أن الأولوية تبقى لقانون الانتخاب على أي شيء آخر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى