التصريحات الأميركية… إعادة صياغة الدور
معن حمية
التصريحات الأميركية مؤخراً، بما خصّ الرئيس السوري بشار الأسد، لا يمكن ربطها بحصول تفاهمات روسية ـ أميركية، فما يباعد بين موسكو وواشنطن أكثر بكثير مما يجمع ويُقرّب. والعلاقة بينهما، لم تصل يوماً إلى أيّ مستوى من مستويات الدفء، بل أنّ الأخيرة استثمرت في سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار منظومته، ووسّعت نفوذها باتجاه جمهوريات آسيا الوسطى بما يشبه إطباق الحصار على روسيا والذي أخذ أشكالاً عدة، منها جعل أراضي الدول المحيطة بروسيا حقولاً لزراعة المخدرات.
لقاءات عديدة روسية ـ أميركية عُقدت خلال السنوات الماضية، لكن أيّ خرق لم يحصل في اتجاه صياغة تفاهمات مشتركة حول مجمل المواضيع القضايا، وجاءت الحرب الإرهابية على سورية، والتي للولايات المتحدة الأميركية دور رئيس فيها تخطيطاً وتنفيذاً، لتعمّق الهوة بين الطرفين الدوليين وتزيد من حجم التباينات، وتولد لدى روسيا شعوراً بخطر يتهدّد وجودها ومستقبلها، في حال نجح مشروع إسقاط الدولة السورية.
وفي المقابل، شكلت سورية البوابة التي من خلالها عادت روسيا لتلعب دور الدولة العظمى على المستويات كافة، سياساً وعسكرياً وأن تتجاوز الصعوبات الاقتصادية. وهذا الدور الروسي البالغ التأثير، أعاد خلط الأوراق دولياً، وأنهى عملياً النظام الدولي الأحادي القطبية. وعليه، فإنّ الحديث عن تفاهمات روسية ـ أميركية، لا يمتّ الى الواقع بصلة، خصوصاً أنّ واشنطن تضع كلّ ثقلها لامتلاك أوراق رابحة على الأرض السورية، وقد دفعت بقواتها والمجموعات التابعة لها، للسيطرة على منطقة الطبقة السورية، وقطع الطريق على تقدّم الجيش السوري وحلفائه باتجاه مدينة الرقة.
تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الأخيرة، لم تأت نتيجة مراجعة الولايات المتحدة لسياساتها حيال سورية، بل هي بمثابة إقرار أميركي بفشل مخطط إسقاط الدولة السورية وفق النهج الإرهابي المتبع، ولإعطاء دفع لخطط جديدة بإقامة مناطق نفوذ لواشنطن وأدواتها على الأراضي السورية، صورة طبق الأصل عن «المناطق الآمنة».
وعليه، لا يجب اعتبار التصريحات الأميركية انزياحاً عن الأهداف والسياسات الأميركية المعلنة، فواشنطن من الأساس لم تكن جادّة في محاربة الإرهاب، والحلف الدولي الذي تقوده وفّر التغطية لتمدّد تنظيم «داعش» في عدة مناطق سورية، وحين ضاق الخناق على «داعش» في الموصل العراقية، رأينا كيف نفذت الولايات المتحدة غارة جوية وارتكبت مجزرة بحق المدنيين العراقيين، ما دفع بالجيش العراقي إلى فرملة هجومه لتحرير الموصل من «داعش».
ما هو مؤكد أنّ هناك تسليم أميركي بأنّ سورية قطعت مرحلة الخطر، وأنّ كلّ المسارات السياسية في جنيف وأستانة، ستصبّ في النهاية بمصلحة الدولة السورية، كما أنّ معطيات الميدان السوري تميل أيضاً وبقوة لمصلحة الجيش السوري. لذلك فإنّ التصريحات الأميركية المستجدة، إنما تندرج في سياق إعادة صياغة الدور الأميركي وفق مقاربات جديدة مع تركيا ومع المجموعات التابعة لها. أما التفاهمات مع روسيا فليس أوانها… طالما أنّ الدرع الصاروخية الأميركية تنشر في العديد من الدول وتشكل تهديداً للأمن القومي الروسي وتحديا لصعود الصين الاقتصادي.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي