«الدعشنة» ضرورة أميركية لاستمرار العدوان
محمد شريف الجيوسي
المنطقة العربية حبلى بكل ما يخطر ولا يخطر ببال. الدعشنة أحد مظاهرها، وأميركا تراهن على خيار تدمير المنطقة بذريعة الحرب على الإرهاب كمخرج وحلفاؤها يفشلون بشكل متكرر.
لقد هال الإمبرياليون «النيتويون» واتباعهم أن تصمد سورية نحو 42 شهراً، وتبدأ في تحقيق انتصارات يومية على شراذم العصابات الإرهابية المتطرف منها والمعتدل، بحسب التصنيفات المنحرفة للغرب والصهيونية والانكشارية الرجعية العربية.
وهالهم أن يصمد الشعب الفلسطيني 51 يوماً من دون أن يحقق الصهاينة أهدافهم الرئيسة. وهالهم أن تعود القضية الفلسطينية على رغم الانحناءات التي مرت بها منذ معاهدة أوسلو وما قادت إليه، إلى مصاف القضايا الأكثر أهمية مجدداً في العالم.
كذلك هالهم أن تحقق المقاومة اللبنانية الانتصارات المتتالية منذ عام 2000 وأن تكون جزءاً من الشرعية والمشروعية اللبنانية والعربية في المنطقة، وأن تصمد إيران على رغم سنوات من الحصار الشديد من دون أن يتمكن الحلف الشيطاني من تركيعها، بل باتت أكثر قوة على كل الصعد مما كانت عليه قبل الحصار.
هال الإمبرياليون أن يخرج الأميركيون والبريطانيون من العراق، وأن يبدأ الأخير في استعادة عافيته، وأن يقف إلى جانب شقيقته سورية بمواجهة من يستهدفونها في حدود طاقته، على رغم كل ما يعتريه من اختلالات غير مرغوبة وينبغي تجاوزها، وضرورة عدم البقاء عند المربع الأول الذي فرضه المحتل من فرقة وفتن ومحاصصة وطائفية.
وهال الحلف الشيطاني أن كل الضربات والحصارات تزيد محور المقاومة الإقليمي والعالمي قوة وتجذراً وحلفاء من أميركا اللاتينية حتى آسيا، وإن الدمامل والتقرحات التي يجرى فتحها على أصدقاء وحلفاء محور المقاومة كأوكرانيا، لم تثن هذا الحلف عن استمرار وقوفه إلى جانب محور المقاومة الذي لم يتمكن فقط من حماية نفسه وإنما أيضاً أسهم في تغيير ميزان القوى العالمي وشطب أحادية القطبية من قاموس السياسة إلى التعددية والتعاون والسلم الحقيقي.
وعليه بدأ الحلف الشيطاني بقيادة واشنطن أوباما، جولة صراع جديدة منذ أسابيع عنوانها هذه المرة محاربة الإرهاب متمثلا بـ «داعش» والنصرة وخراسان والقاعدة وتفريخاتها، ودعم ما يسمى بـ «المعارضة المعتدلة» ودعمها بـ 90 مليون دولار ضد سورية، على رغم أنه يعلم أن السعودية وقطر وغيرهما دعموا الإرهاب بأشكاله ومسمياته وتفرعاته العديدة بتريليونات الدولارات من دون جدوى، بل إن صمود سورية ومحور المقاومة عموماً، أسقط أنظمة كانت قد ولَدتها «الداية» الأميركية في مصر واليمن وليبيا، بفعل زواج حرام بين واشنطن ومكتب الإرشاد العالمي، وكان يفترض بحسب الاتفاق أن لا يتوقف في محطة دمشق بل أن يشمل الاردن وسورية وبلدان أخرى.
وهكذا أصبح داعش وشقيقاته أكثر من ضرورية للعودة للمنطقة، ولإطالة أمد الحرب في المنطقة لسنوات أخرى وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني أثناء تقديمه طلباً لمجلس العموم البريطاني للموافقة على الانضمام للتحالف.
لم يعد مطلب الحلف الشيطاني تحقيق انتصارات في المنطقة، فهو يعلم أن تلك باتت خلفه، لكن المطلوب إطالة أمد الحرب، استنزاف المنطقة، وتدمير أكبر قدر من البنى التحتية، وتحويل مواطني المنطقة إلى أصحاب عاهات مستدامة ومشردين ولاجئين، بذريعة محاربة الإرهاب، ولتكن «إسرئيل» القوة العظمى في المنطقة، فيما يقتتل الكل مع الكل عداها إلى أجل غير محدد.
لا أحد يجهل أن داعش وشقيقاته ليست بهذا القدر من القوة والانتشار والعقل المدبر والإمكانات، لكي يتشكل حلف من نحو 55 دولة إقليمية ودولية، لكن داعش والإرهاب عموماً بات الكلمة السرية التي تتيح لواشنطن وحلفائها، شن حرب ضروس مستدامة، ذلك أن لا أحد في العالم لا يريد محاربة الإرهاب، لكن واشنطن تعمل ليس على قطع دابره، وإما على ديمومته لكي تستمر حربها على المنطقة بذريعة محاربته بكل الوسائل.
ومن هنا يخرج الحلف الشيطاني علينا بمصطلح المعارضة المعتدلة، وبأن محاربة الإرهاب تكون بمحاربة الدولة الوطنية السورية والدواعش معاً، ومن هنا وجدنا الهجمات استهدفت مصافي النفط وبنى تحتية سورية ومدنيين سوريين، ولم تتوجه إلى أهداف عسكرية حقيقية للجماعات الإرهابية، فإنهاء داعش بيد الحلف الشيطاني لو أراد ولا حاجة لكل هذا التهريج، حيث يكون بوقف تمويله من قبل ذات الجهات التي تزعم أنها تحاربه، ووقف تدريب مزيد من المغرر بهم بدعاوى الجهاد والحور العين.
وتكون محاربة الإرهاب بضبط الحدود المحيطة بسورية والعراق لمنع تدفق الإرهابيين براً وجواً ومياهاً عبر الأنهار المتشاطئة وبحراً، ومن مطارات ومنافذ الدول البعيدة إلى أراضي الدول المحيطة بسورية كمحطاتٍ للعبور إلى العراق وسورية.
ومحاربة الإرهاب ينبغي أن يتزامن معها وقف التضليل الإعلامي والسياسي ضد الدول المصدر إليها الإرهاب، ووقف استقبال المزيد من اللاجئين وتسهيل عودة من يرغب منهم إلى بلاده، وسن تشريعات تتضمن العفو عمن تورط من مواطني الدول بارتكاب الإرهاب، ومراقبتهم في آونة واحدة، ومحاولة إدماجهم لا رفض استقبالهم وتجريمهم.
وتقتضي الحرب على الإرهاب، أيضاً منح من يدلي بمعلومات مفيدة عن الإرهابيين في بلاده أو في مناطق أخرى، مكافآت مجزية.
إن التحالف الحالي لما يسمى الحرب على الإرهاب هو في حقيقته مسرحية غير مسلية وغبية ورغبة في توسيع دائرة القتل والحرب والجريمة ضد الإنسانية وتعميق الشرخ بين المنطقة وبين دول الحلف الشيطاني الرئيسة بما لا يخدم شعوبها.
ينطوي التحالف الشيطاني على قدر من الغباء السياسي والماضوية وعدم التعلم من الدروس، ما يجعله يعتقد أن تجريب المجرب ثانية وللمرة الألف قد تجعله يحقق نتائج مختلفة غير الفشل الذي حصده تكراراً، غير مدرك أن العالم قد تغير.