وقفة العزّ

نعلم أن سعاده كان في مكتب تحرير جريدة «الجيل الجديد» في مطابع فضول 1 في الجميزة، عندما راح حزب الكتائب يحشد أعضاءه ومناصريه في المقهى المقابل، وأن سعاده خرج من المطبعة في مواجهة الحشد الكتائبي متوجهاً إلى السيارة التي أقلته إلى منزله في رأس بيروت 2 .

في الصفحتين 210-211 يروي الأمين المحامي الراحل بشير موصللي كيف خرج سعاده من المطبعة في مواجهة الحشد الكتائبي. يقول، نقلاً عن الرفيق يوسف سلامة في كتابه ي.س. الصفحة 46 الذي كان حاضراً مع سعاده في المطبعة المذكورة:

فتح سعاده باب الغرفة التي كان يعمل فيها وتساءل عن أسباب الضجة والرصاص، فأخبره أحد القوميين أن هناك حشداً مسلحاً من «الكتائب» خارج البناية، وأنه طلب المساعدة المسلحة من مركز الحزب. فهز رأسه من دون انفعال وعاد لمتابعة كتابة مقاله. وقد علمتُ في ما بعد أن المقال الذي كان يكتبه وجد ممزّقاً في سلة المهملات، وأنه استبدله بمقال آخر نشر في حينه تحت عنوان «هشيم الطائفية يشتعل بالجميزة».

فور إنهاء الزعيم الكتابة، كان فيكتور أسعد 3 مسؤول التدريب في الحزب قد وصل إلى الجريدة مصطحباً معه خمسة من المقاتلين، فتوجه سعاده عبر الدار إلى الباب الرئيسي فالدرج، وكان قد سبقه إلى الشارع فيكتور أسعد ورفقاؤه، ومشينا أنا وعصام المحايري وهشام شرابي وصبحي بركات وراء الزعيم.

فيكتور أسعد يقف وسط الشارع مقابل مدخل البناية مديراً ظهره بتحد مفضوح، إلى الكتائبيين المسلحين المحتشدين في المقهى وخارجه. المقاتلون الخمسة مصطفّون بتأهب على الرصيف. الوجوه عابسة والسلاح غير ظاهر. سعاده ينزل الدرج إلى الشارع ونحن خلفه. فيكتور يصرخ بصوت عال كالرعد: «تحية للزعيم خذ». ويمتثل المقاتلون كالمشط. يرفعون أرجلهم اليمنى ويضربونها كالمطارق على الرصيف وترتفع أيديهم بالتحية الحزبية وهم يصرخون بصوت واحد: «تحيا سورية». السكون يطبق على المقهى. الخوف يطبق على أعداء الجيل الجديد. سعاده يمرّ بهدوء وبرودة أعصاب بين فيكتور والمقاتلين الخمسة رافعاً يده بالتحية، يسير ببطء باتجاه المقهى حيث كانت سيارته متوقفة. يدخل السيارة، وراءه عصام وأحد المقاتلين. صبحي يقود سيارته عكس السير سالكاً الطريق العام باتجاه السينما 4 فالبرج، وأقود أنا سيارتي وراءه وبقربي هشام .

هوامش

1 – أحد أصحابها الرفيق ميشال فضول الأشقر بيت شباب الذي نعمل على إعداد نبذة عنه .

2 – بالقرب من مستشفى الخالدي سابقاً ـ رأس بيروت، والمنزل ما زال قائماً لتاريخه. وكنا قد كتبنا عنه في وقت سابق. مراجعة قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

3 – فيكتور حنا أسعد: من الرفقاء الذين انتموا في أوائل الثلاثينات، وتولّى مسؤوليات عدّة منها مسؤولية منفذ عام بيروت. مراجعة النبذة المعمّمة عنه في الموقع المشار إليه آنفاً.

4 – المقصود سينما «آمبير» التي كانت تقع في أوّل شارع «غورو» الجميزة .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى