مواقف التحدّي
أعرف أن النيران اشتعلت فوق القمم في مناطق عدّة من لبنان عشية الأول من آذار عام 1962، أي في الفترة العصيبة عندما كانت أجهزة الشعبة الثانية تلاحق القوميين الاجتماعيين، تعتقل الآلاف منهم وتزّج بهم في المعتقلات: المدينة الرياضية، ثكنة الفياضية، ثكنة الأمير بشير، وفي أماكن أخرى، في بيروت والمناطق اللبنانية.
كان الرفيق الراحل غانم خنيصر يحدّثني كيف كان، ومجموعة من الأشبال يصعدون إلى جبل صنين ليشعلوا النيران فوق قممه، بها يقولون لأجهزة القمع وللجميع إن الحزب ما زال حياً رغم كلّ القهر والتنكيل، وإن إرادة القوميين تبقى أقوى من كل شيء ما داموا يسيرون على نهج سعاده، وقدوته.
إلا أنّ ما يجب أن يُعرف هو كيف راح رفقاؤنا في الشام يقيمون الاحتفالات في الأول من آذار بعد حادث اغتيال العقيد عدنان المالكي، ويشعلون النيران فوق المرتفعات والقمم.
في الصفحتين 138 139 من كتابه «محطات قومية» يروي الرفيق جميل مخلوف تحت عنوان «احتفال الأوّل من آذار بعد حادثة المالكي»، التالي:
أعطِيَ الأمر للرفقاء أن تكون مظاهر الاحتفال تفوق المظاهر التي كانت تقام في السابق، وبخاصة من حيث إضرام النيران. أشعل الرفقاء النيران مستعملين إطارات السيارات فشملت جميع الهضاب المحيطة بقرية «بستان الباشا»، حذت حذو «مديرية سعاده» في «بستان الباشا» مديريات «رويسة البساتنة»، «القرداحة»، «متن النواصرة». هذه القرى مطلة على قرية «بستان الباشا» وحذت بقية المديريات في منفذية جبلة حذوها.
كانت تلك النيران تحدّياً صريحاً للسلطات، إنها رسالة لتلك السلطات يُفهم منها أنها لن تتمكن من النيل من الحزب رغم الإجراءات الشديدة التي اتخذتها ضد أفراده بزّجهم في سجون العاصمة ومنها سجن المزة. كان لا بدّ للسلطة من أن تتخذ إجراءً شديداً للاقتصاص من أولئك المتمردين عليها وكان لا بدّ من ان تختار القرية التي كانت تعتبرها السلطة انها تمثل ذلك التمرّد وهي قرية «بستان الباشا».
أرسِلَت مفرزة كبيرة من الجيش وجمَع افرادها جميع اهالي القرية من رفقاء ومواطنين ومارست عليهم صنوف التعذيب فلم ينجُ منه أحد. وقد مورس التعذيب على أخي الاكبر الرفيق عزيز مخلوف وكان من اركان عائلة «آل مخلوف» من حيث تقدّمه في السن ومركزه الاجتماعي. التجأتُ مع الرفيق محمود مخلوف إلى قرية لأخواله قريبة من قرية «بستان الباشا» تدعى «القبيسة» ومكثنا فيها حتى انتهت المداهمة. الإجراء نفسه مورس على رفقاء صافيتا بأن داهمتها قوة من الجيش وكان ذلك رداً على تحدي الرفقاء للسلطات بالاحتفال المميز الذي أقيم بتلك المناسبة العظيمة عيد الاول من آذار.