«حديقة الحيوان»… مسرحيةً على خشبة «القباني»
أربعون سنة كانت هي الفترة التي تحدّث عنها المخرج حسن عكلا مسترجعاً ذكرياته على مسرح «القباني»، وهو يعلن افتتاح مسرحيته «حديقة الحيوان» عن نصّ أدوارد أولبي حيث قال: «المرة الأولى التي وقفت فيها على خشبة أبي خليل كانت منذ أربعة عقود، واليوم أعود لأقدم هذا العرض على هذا المكان الأثير على قلبي الذي بدأت منه وربما المكان الذي أنتهي منه بعد عروض الشيخ والطريق وقصة حب، ها أنا ذا أهدي هذا العرض للفنان الكبير عبد الرحمن أبو القاسم».
المسرحية التي افتتحت عروضها على مسرح «القباني» جمعت بين كل من أبي القاسم والممثل محمود خليلي في ثنائية لعبت أبرز نصوص مسرح العبث للكاتب الأميركي المعروف، مستندين في ذلك إلى الحواريات المتطاولة والملغزة بين رجلين يلتقيان في حديقة عامة لتتكشف عبر هذه الحوارية مأساة البشرية وعدمية الوجود، وعدم قدرة الفرد على الارتقاء من البهيمية التي في داخله إلى الإنسان الذي حاصرته الوحشة والاغتراب داخل مدينته.
وتصوّر قصّة «حديقة الحيوان» عزلة كل من «بيتر» وهو رجل من الطبقة الوسطى يعيش حياته بهدوء مع زوجته وابنتيه وقطّة وببغاوين، ويقرأ في الحديقة كتاباً. والشاب «جيري» الذي تمتلئ حياته بفراغات متتالية منذ أن وجدت جثة والدته في مكبّ النفايات، مروراً باستئجاره نصف ملحق في ضواحي نيويورك وملاحقة صاحبة الملحق له، مع التركيز على فرادة عزلة كل منهما ورغبتهما فتح نوافذ للتواصل مع بعضهما ليكتشفا أن الأوان فاتهما منذ زمن بعيد لتحقيق أي نوع من أنواع العلاقات، وليتحول وجودهما بحدّ ذاته إلى أحد مفرزات المجتمع الاستهلاكي.
تشريح الأبعاد النفسية لكلا الشخصيتين وعلاقتهما مع مجتمعهما والطبقة الاجتماعية التي ينتمي كل منهما إليها كان عبر عبثية واضحة أرادها أولبي لتقديم رؤيته المتشائمة للعلاقات الإنسانية بلهجة ساخرة غير مهادنة تمتاز بجدليتها القوية وإيجازها واستفزازيتها وما تحويه من حوار مختصر إلى الحد الأدنى، ولغة مكثفة تحمل أكثر من معنى، لا سيما أنها جاءت تعبيراً عن الانتقال المفاجئ في حياة المجتمع الأميركي من حالة الهدوء في خمسينات القرن الماضي إلى مرحلة الستينات المضطربة.
وغلب على العرض الأبعاد العبثية لمسرحية أولبي التي اتخذت اتجاهاً مغايراً عبر خطاب مسرحي باللغة العربية الفصحى استعارت نيويورك وحديقة «سنترال بارك» فيها لتعبر هذه التجربة عن واقعها المحلي المستعار، مشخصةً بعض أمراضه الاجتماعية التي يعاني منها الفرد الأميركي، جاعلة من أهم رهاناتها وصف الواقع وتفكيكه من زاوية النقد الاجتماعي والفلسفي والأيديولوجي وحث المتلقي على امتلاك وعي حقيقي وتفاعل جاد تجاه ما يعرض أمامه.
يذكر أن العرض من إنتاج وزارة الثقافة السورية ـ مديرية المسارح والموسيقى ـ المسرح القومي، وهو مستمر حتى العشرين من نيسان الحالي.