باي باي جنيف وإلى اللقاء في أستانة…
محمد ح. الحاج
ماذا يعني أن يقول الدكتور بشار الجعفري «لم نقابل في جنيف مفاوض وطني، كانت هناك مجموعة من الخونة والعملاء يردّدون ما أملاه عليهم مشغلوهم…» إذا لمَ التفاوض، واستطراداً من يفاوض الوفد الحكومي في جنيف، هل هو الروسي أم التركي أم الفرنسي والسعودي والقطري أم دي مستورا باسم كلّ هؤلاء؟
قال البعض إنّ شيئاً من الاتفاق على جدول الأعمال قد تحقق وتمّ البحث في مضمون السلال الأربع، مع أنّ توضيحاً لهذا الأمر لم يصدر ولم يتضمّن أكثر مما قاله الجعفري من طرح الوفد أسئلة بخصوص ما ورد في السلال الأربع وركز على السلة الأولى والأهمّ.. محاربة الإرهاب، وقال نحن بانتظار الأجوبة من أطراف المعارضات..!! كان الأحرى القول انتظار أجوبة من الدول المشغّلة لهؤلاء فهم على قولة المثل الشعبي ليسوا أكثر من «عضرط.. لا بيحلّ ولا بيربط».. إذا لندع الدول المشغلة والراعية لهم للتفاوض المباشر وندع القول بأنّ الحوار بين السوريين أنفسهم، فالمحاورون للوفد الرسمي السوري ليسوا بسوريين، وأغلبهم يحمل جنسيات أخرى… الشعب السوري يرفض أصحاب الجنسيات المزدوجة والوجوه المتعدّدة.
العميل الواجهة السعودية نصر الحريري يبلغ الصحافيين: نحن عند موقفنا المطالب بحكم انتقالي لا يكون فيه الأسد شريكاً…! ما زال يحلم، بل لم تتبدّل الأوامر بعد، ويبدو أنه الأبعد هو ومجموعة الرياض عن المتغيّرات الداخلية والدولية، هم من جذور الشعب الذي لا يقرأ وإذا قرأ لا يفهم، وإذا فهم – وهذا أمر في غاية الصعوبة – يعجز عن التأقلم مع المستجدات المحيطة به، وإذا كان المشغل الأصيل السعودي لا يفهم إلا بعد أن يتلقى الأمر من المرجع الخليفة في البيت الأسود كما حصل في قضية الجزائر، فالأرجح أنّ الحريري وحجاب وباقي المجموعة لن ينتظروا طويلاً لإعلان موقف آخر قد يجاري الموقف الدولي ليس عن قناعة بل رضوخاً وانصياعاً وتبعية مفروضة… أين الوطنية في جنيف؟
المعارض المفترض المقيم في موسكو قدري جميل قال: لقد تحقق بعض التقدّم في جنيف 5! ولم يوضح بل ترك الاستنتاج مفتوحاً، قدري جميل الذي لم يعترف به حتى اللحظة الوفد الحكومي الرسمي، ربما بانتظار اعتراف الأطراف الأخرى، يظلّ على هامش أستانة وجنيف، وربما يعتبر في عداد الوفد الروسي لأنه من منصة موسكو، هذا ما تدركه الأطراف الأخرى، وليس هو الوحيد بل يمكن إضافة وفد منصة القاهرة، وما قيل عن منصة بيروت، وقمح وشعير، وكله لا يمت إلى معارضة الداخل بصلة والتي تشكل حقيقة المعارضة الوطنية الداخلية التي رفضت التدخل الخارجي ورفضت السلاح وقتال الجيش الوطني وهدم وتخريب منشآت الدولة باعتبارها ملكاً للشعب واكتفت بمطالبة الدولة أن تستمع إلى طرحها لحلّ يلبّي رغبات غالبية الشعب، ويحقق التضامن المطلوب بوجه الإرهاب ومحاربته فعلاً بشكل جماعي، حرباً وطنية بكلّ معنى الكلمة وبعيداً عما يحصل وخاصة موضوع المصالحات التي لم تؤدّ لأكثر من نقل وتجميع المقاتلين وإفساح المجال لهم للهجوم على المناطق الآمنة كما حصل، وما زال في محافظة حماه، هل كان حلاً تجميع آلاف المقاتلين في محافظة إدلب المفتوحة على تركيا لإعادة تأهيلهم وتسليحهم واستخدامهم رأس حربة تركية تطعن الجيش السوري في ظهره بتوجيه من غرف العمليات السوداء لخدمة الصهيو ماسونية العالمية؟
وداعاً جنيف 5، فقد قضت الوفود، ومنها وفدنا الوطني، ربما مرغماً، فترة من الوقت أشبه بالرحلة التي سادها حوار طرشان لم يخرج بنتيجة إلا الاتفاق على اللقاء في «أستانة 4»، أيّ في المنتجع الكازاخي، وأيضاً لن يكون أكثر من حوار طرشان وليس مع أصحاب القرار والشأن، مرة مع أدوات الغرب السياسية، وأخرى مع قادة الأدوات العسكرية لتركيا والأعراب، الأدوات متعدّدة الجنسيات الحاملة لواء الجهاد بعيداً عن ساحة الجهاد الحقيقية، فلقد نجح بني سعود وورثة بني عثمان، وأدوات بريطانيا في المنطقة المشرقية بتحويل الصراع، ليس فكرياً فقط بل استثمار العواطف والغرائز في الصراع مع طواحين الهواء، لم يعد الصهيوني العدو وإن لم يعلنوا ذلك على الملأ، يكفي أن يفهم كلّ لبيب الإشارة الأعرابية، وأن يتناول مخصصاته ليقود قطيعه إلى الحظيرة… مبارك هذا الفهم، وملعون هذا السلوك البهيمي.
متى نهاية المطاف؟
كم على شعبنا أن يدفع من دماء أبنائه، ومن معاناته وضيق عيشه لتصل الدول الكبرى إلى تحقيق مصالحها في المنطقة والاتفاق على اقتسام الكعكة؟ المعادلة هي أننا من يدفع وهم من يقبضون، وعلى كلّ الأصعدة، من دمائنا للدفاع عن أنفسنا، من أموالنا ليقبضوا ثمن أدواتهم الجهنمية، وهي وسائل قتلنا، من أمننا لتحقيق أمن العدو وحمايته، من ثرواتنا ليصلوا إلى اتفاق على تقاسم الحصص، أيها الناس، هم لا يقتتلون في ما بينهم، ولا يدفعون الأثمان من دمائهم، هم فقط يشعلونها تطبيقاً للقاعدة الصهيونية، استثمار الغباء في كامل المحيط لتمزيقه، في قضية الإرهاب الجزائري كان الأقطاب على النحو التالي: التمويل سعودي، السلاح صهيوني، والتمرير فرنسي وباعتراف السفير الأميركي أنّ ذلك كان يتمّ عن طريق ضباط مرتشين وخونة، وكانت له شروط، توقف الإرهاب بعد تنفيذها! في الحالة السورية، التمويل سعودي قطري خليجي، التسليح صهيوني أميركي أوروبي، وبديل فرنسا في عمليات التمرير هي تركيا الأبواب المفتوحة – وأيضاً لم يخل الأمر من وجود ضباط كبار خونة ومرتشين على الساحتين العراقية والشامية، أغلبهم تمّ الكشف عن أسمائهم ومواقعهم وقد يكون هناك آخرون، هل تقدّم سفير أو وزير أو رئيس غربي بشروط مماثلة لشروط السفير الأميركي في الجزائر، وهل تمّ رفض هذه الشروط حتى تفاقمت القضية واشتدّ أوار الحرب فلم ترحم صغيراً ولا شيخاً ولا نسوة ولا مدنيين ولا آمنين، لقد تمّ انتهاك المقدسات الإنسانية على كافة الصعد وأصبح في غاية الصعوبة إقناع الرعاع بأنّ الحرب والعداء جرى تصنيعه في مطابخ العدو ووجد أدواته بين هذه القطعان وبعضهم يدّعي الثقافة والوطنية وحبّ الحرية والعدالة..!
أيها الشعب عندما يصل الكبار إلى غاياتهم ستتوقف الحرب، ستنتهي المعاناة، وسيبدأ الإعمار بعد تسوية ملغومة تحفظ الجمر تحت الرماد لحريق بعد عقود في جولة أخرى إثر خلاف على القسمة من جديد يوم يتمّ اكتشاف ثروة جديدة أو يتطوّر الموقع أكثر فأكثر، أو تتغيّر التحالفات وتسقط التسويات وما أسلس قيادنا لطالما لم تتجذّر الوطنية في نفوسنا ولم نحسن تربية الأجيال، صحيح أنّ اليابان دمّرت، وأعاد شعبها انطلاقته بقوة وسبق الكثير من الشعوب التي استهدفته، لكنه حقق ذلك بعد أن أحسن تربية الإنسان ورفع من سويته وحفظ له كرامته رغم أنّ هذه الدولة ما زالت ترتبط بأعتى قوة استعمارية حديثة على وجه الأرض.
العيب في بعضنا، والقصور فينا، في مفكرينا، في مثقفينا، في مناهجنا التربوية والتعليمية، في محاربتنا لبعضنا البعض كشرائح وطنية وتجمّعات، تنظيمات وأحزاب، في طفولتنا السياسية، في رضوخنا وسكوتنا عن الخارجين على الناموس الوطني والقانون الوضعي، عن الفساد الذي يجتاحنا كطاعون دون وجود المصول الواقية، في انعدام مفاهيم العدل والالتزام بها، في جشع رأس المال وأصحابه، في المتاجرة بالدماء والأجساد.. في التكاذب والتمثيل المكشوف.. نحن بحاجة إلى ثورة فكرية ثقافية لاستئصال كلّ ما فينا من بلاء وعاهات وإلا… فالهاوية.. باي باي جنيف، نلتقي في أستانة.