ضغط استثنائي على روسيا.. والثمن؟

روزانا رمّال

نجح الرئيس الأميركي باراك اوباما عام 2013 بالتخلص من الضغوط التي أحاطت به من أجل شنّ حملة عسكرية مباشرة على سورية، بعد حادثة استخدام السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية وتحميل النظام المسؤولية، فما كان إلا أن سلّمت سورية سلاحها الكيميائي بتنسيق وتشاور كاملين مع روسيا، وأعلنت أنها لم تعد تملك هذه الترسانة منذ تلك اللحظة. وقد دخل المراقبون الدوليون والمسؤولون المعنيون في الأمم المتحدة سورية من أجل التدقيق والتأكيد، فابتعد هاجس الحرب الأميركية على سورية.

تصعيد غير مسبوق تعيشه سورية اليوم يعيد إلى الأذهان مرحلة عام 2013، لكن بظل إدارة أميركية جديدة اليوم تدرك جيداً حجم الضغوط التي يمارسها حلفاؤها اليوم في الشرق الأوسط، خصوصاً «إسرائيل» لإحداث فارق او إعادة التوازن في اللعبة السورية قبل الانصياع لمسألة التفاوض مع روسيا، أكان في جنيف أو أستانة بالشكل الذي تبدو عليه الوقائع الميدانية اليوم. والتصعيد هذا هو إعلان لرغبة الأطراف الى اعادة المحادثات الى نقطة البداية وتوسيع الامل في إحداث تغيير جدّي على الارض السورية، وقد بدأت معارك دمشق «جوبر القابون» الأسبوع الماضي لتؤكد ذلك بعد تفجيرات انتحارية متعدّدة طالتها.

يُستخدم الكيميائي اليوم بشكل مدروس مجدداً. وهو أخطر ما يمكن اللجوء إليه في الحرب السورية منذ بدايتها، فقد كلّف الإدارة الأميركية في ذلك الوقت التهديد بحرب شاملة. وهو سقف ما رسم لسورية حينها في عهد الرئيس أوباما. وبالتالي فإن استسهال الثمن المطلوب هذه المرّة والذي سيصبح فرصة لمقارنة سلوك الإدارتين هو أمر حساس للغاية وإحراج جدي للرئيس دونالد ترامب وعليه تدرك روسيا أن الضغط كبير هذه المرة، لكن الأهم تفسير اللجوء للسلاح الكيميائي في منطقة خان شيخون «بالإخراج» الذي جاء فيه والتوقيت أيضاً. وهو التوقيت الذي تعتزم فيه الإدارتان الأميركية والروسية إعادة وصل ما انقطع من مباحثات مختصة في الشأن السوري منذ لحظة إقالة المستشار الاول للأمن القومي لترامب مايكل فلين على خلفية اتهامه بالعلاقة مع روسيا واتهامات بفوز ترامب بعد تدخلات روسية اثرت على النتائج.

روسيا التي أعلنت بلسان خارجيتها أن الوزير سيرغي لافروف سيناقش مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون أثناء زيارته موسكو 11 و12 نيسان ملفات الأمن الدولي، بما يشمل سورية، والأوضاع في أوكرانيا وكوريا الشمالية تدرك أن المقصود في مسألة اعادة طرح الكيميائي هو إحراجها مباشرة، وأنها هي المعنية بالاتهام. فهناك مَن يريد أن يصوّر موسكو جهة داعمة للوحشية والإرهاب في العالم وجهة موافقة على دعم مَن استخدم هذه الوسيلة للقتل والكلام. هذا ما تؤكده كلمة مندوبة الولايات المتحدة الأميركية التي خصّصت مساحة لافتة في اتهامها لروسيا بأنه لولا دعمها للنظام السوري، لما جرى الذي جرى اليوم معتبرة أن الموقف الروسي غير أخلاقي في استخدام الفيتو. كلمة المندوبة الأميركية كررت في أغلب سطورها التذكير بالدور الروسي في كل ما يدور وبأن مسالة دعم الاسد المعروفة مسبقاً من موسكو تعرقل التقدم في سير المباحثات.

استهداف مباشر لروسيا سياسياً وأمنياً وعسكرياً فيه الكثير من تشويه السمعة المقصود فيه زجّ القيادة الروسية في خانة الداعم الأول للإرهاب من دون أن يبدو هذا منسجماً كثيراً مع ما حُكي عن جهود للإدارة الأميركية الجديدة بذلت من اجل تحسين العلاقات مع موسكو، على ما أعلنته وزارة الخارجية الروسية في بيان لها أمس الاربعاء.

لا تبدو الحملة على الرئيس السوري، أو نظام الاسد، كما تسميه القوى الغربية «مقنعة» في مسالة الكيميائي فأكثر المتضررين هنا ليس الاسد المعروف مسبقاً الموقف منه في كل المنابر الدولية، بل روسيا التي يعمل بشكل مباشر على ربط دورها بالإرهاب في لحظة جهدت فيها لمكافحة الإرهاب وتصدّرت المشهد داعية الى مشاركتها مع واشنطن في قتاله. وهو الأمر الذي لا يروق لـ«الإسرائيليين» في وقت بدأ التصعيد منذ لحظة زيارة نتنياهو الفاشلة عملياً الى روسيا والتي لم يحصل فيها على أي من الضمانات المأمولة من موسكو. الأهم ملف حزب الله وحرية الحركة التي تطلبها تل أبيب في مواجهته في سورية والرفض المباشر الذي قوبل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وضعت روسيا نفسها مباشرة في مواجهة مع «إسرائيل» في مسألة «حزب الله» ووجوده في سورية، وشكلت عائقاً جدياً في الحركة «الإسرائيلية» بدلاً من حركة حزب الله نفسه. واذا كان هناك من ثمن يجب أن تدفعه روسيا لتحط الحرب الروسية رحالها، فإن طرح مصير حزب الله هو الأكثر سخونة في هذا التوقيت الذي تجهد فيه «إسرائيل» للاستحصال على ضمانات.

الضغط الاستثنائي والرسائل المباشرة لروسيا تؤكدها عملية بطرسبورغ الانتحارية التي عقبها ضغط ديبلوماسي في مجلس الأمن أمس، في تحميلها مسؤولية الهجوم الكيميائي في إدلب.. الضغوط «الإسرائيلية» متوازية مع مطالبات أميركية بإخراج روسيا من جزيرة القرم. وهو الأمر الذي لم يُطلب في عهد الرئيس باراك أوباما وسط ثنائية دبلوماسية حسنت الأجواء بين البلدين « كيري لافروف».

مطلوب إخضاع روسيا وتدفيعها أثماناً قبل المفاوضات وقبل تحديد موعد عمليات الشمال، وما يعنيه ذلك من اقتراب انتهاء الحرب السورية بتفرّد روسي على الأرض والضغط من بطرسبورغ حتى إدلب عليها يعني مطالبة موسكو بـ»ثمن باهظ» لا يسعها دفعه من جيب حلفائها!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى