مختصر مفيد أردوغان الكيميائي منذ اليوم الأول لاستخدام السلاح الكيميائي في خان العسل ومن بعده في الغوطة حول دمشق، وفي الأحياء الشرقية لحلب، كانت تركيا تقف وراء الجماعات المسلحة، وترعاها وتزوّدها بهذا النوع من السلاح وتهيئ الظروف لوضعه في الواجهة بصورة تخدم مشروع الحرب التي تخوضها ضد سورية ضمن حلف لكل من أطرافه نصيب، لكن أحداً منهم لا يراها حرب وجوده كما تراها تركيا. وفي كل مرة تم اللجوء للعبة الكيميائي كان الهدف واضحاً، الضغط على روسيا بتصوير علاقتها بالدولة السورية دفاعاً عن جرائم ترتكب بحق الأبرياء وتكسر خطوطاً حمراء لا يجوز التهاون فيها، أملا بأن يؤدي هذا الضغط لإرباك روسيا وتخفيف درجة دعمها لسورية ووقوفها إلى جانبها أملاً بفتح الباب لفرص الفوز بالحرب وبنتائجها السياسية من بوابة مجلس الأمن. أتاح استخدام الكيميائي مراراً لتركيا وبنسبة معينة لحلفائها التغطية على الجماعات الإرهابية، وطمس جرائمها وطبيعتها الإرهابية، وإعادة الأولوية في سورية من الحرب على الإرهاب إلى أولوية كيفية التعامل مع الدولة السورية، بصفتها جهة مسؤولة عن جرائم حرب ولا يمكن التعايش ولا التعاون معها، وفقاً للتوصيف الذي استعمله الرئيس التركي رجب أردوغان مراراً، لكن الصورة هذه المرة مختلفة، فتركيا تعلم حجم الوقوف الروسي مع سورية وقد اختبرت بذاتها فرص الذهاب للتصادم مع روسيا وعادت للاعتذار. وهي تعلم نتائج اختبارات إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما، بينما كان الحلف الذي تقوده واشنطن متماسكا وكانت إيران محاصرة وكانت سورية تخسر مواقع عديدة أمام الجماعات المسلحة. والأهم أن روسيا لم تكن قد جاءت بكل ترساناتها الحربية ومصير زعامتها الدولية إلى سورية، فكيف وقد حصل كل ما يقول إن الرهان هذه المرة يجب أن يكون مختلفاً حتى يصير للعبة معنى؟ يتحرّك الأتراك هذه المرة على خطين متوازيين، الأول قطع طريق التواصل بين الإدارة الأميركية والدولة السورية، ويعتبرون هذا التحوّل حين حدوثه نقلة نوعية لا رجعة عنها باتجاه الهزيمة الكاملة لهم، ويتشارك معهم في ذلك الإسرائيليون والسعوديون، ويكفيهم أن ينجم عن العملية الكيميائية في خان شيخون أن تتوقف أي اندفاعة اميركية في هذا الاتجاه. وبالمقابل يدرك الأتراك أن الطريق مقفلة أمام العنتريات الأميركية بالذهاب لضربة عسكرية لسورية، وهم يشجّعون الرئيس الأميركي لفعل ذلك بداعي الإحراج، ضمن مفهوم الصراع الدائر بين أنقرة وواشنطن منذ مدة، وفي الوقت المناسب سيقدم الأتراك وصفتهم السحرية لإنقاذ ترامب من التراجع المهين أو التهوّر المميت بإعادة مشروع المنطقة الامنة إلى الواجهة. المنطقة الآمنة بالمفهوم التركي تعني تعاوناً يتيح انتقال ملايين النازحين السوريين إليها، وتوفير الحماية الأميركية للجماعات المسلحة التي تنتشر فيها تحت المظلة التركية، وهذا ببعديه العسكري والسياسي وعلاقته بوضع النازحين يستدعي تعاوناً حثيثاً تركياً أميركياً، وتخطي العقدة الكردية التي حالت ولاتزال دون هذا التعاون، بينما سيسعى القادة العسكريون الأميركيون لصرف المواقف الرئاسية في الحصول على توافق مع موسكو لمنحهم هوامش أوسع في معركة الرقة، خصوصا لجهة إقامة تواجد مباشر وإنشاء تجهيزات ومنشآت عسكرية ومطارات وتقديم الرقة كمنطقة قابلة لإيواء النازحين والمعارضة المعتدلة. وهذا الاحتمال رغم عدم تلبيته للرغبات التركية لكنه ليس سيئاً لتركيا، لكونه يسرّع مشروع تحويل سورية لمناطق نفوذ دولية سيكون لتركيا نصيبها منها لزمن غير قصير يربط مستقبل التسوية بتحقيق مصالح أصحاب النفوذ. الكيميائي هو السلاح السري لأردوغان للتأثير على مجريات الأحداث في سورية، عندما يفلس الجيش التركي في القدرة على فعل ذلك، كما هي التنظيمات الإرهابية ورقة رئيسية في الحركة التركية في الحرب السورية ولاحقاً في حروب أخرى تخوضها تركيا كتلك التي يبشر أردوغان أوروبا بأنها مقبلة، والتي ستستمد شرعيتها مما يجري اليوم، حيث تشترك أوروبا بمنح الشرعية للأدوات التركية وتبرئتها من الجرائم وتشجيع الرئيس التركي على نجاحه بما يفعل، لتقع أوروبا في لحظة مناسبة تحت السكين ذاتها ولا تستطيع القول، لأن أحداً لن يسمع وقد ردّدت أوروبا مراراً وراء أردوغان ما كان يقول. ناصر قنديل ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.
مختصر مفيد
أردوغان الكيميائي
منذ اليوم الأول لاستخدام السلاح الكيميائي في خان العسل ومن بعده في الغوطة حول دمشق، وفي الأحياء الشرقية لحلب، كانت تركيا تقف وراء الجماعات المسلحة، وترعاها وتزوّدها بهذا النوع من السلاح وتهيئ الظروف لوضعه في الواجهة بصورة تخدم مشروع الحرب التي تخوضها ضد سورية ضمن حلف لكل من أطرافه نصيب، لكن أحداً منهم لا يراها حرب وجوده كما تراها تركيا. وفي كل مرة تم اللجوء للعبة الكيميائي كان الهدف واضحاً، الضغط على روسيا بتصوير علاقتها بالدولة السورية دفاعاً عن جرائم ترتكب بحق الأبرياء وتكسر خطوطاً حمراء لا يجوز التهاون فيها، أملا بأن يؤدي هذا الضغط لإرباك روسيا وتخفيف درجة دعمها لسورية ووقوفها إلى جانبها أملاً بفتح الباب لفرص الفوز بالحرب وبنتائجها السياسية من بوابة مجلس الأمن.
أتاح استخدام الكيميائي مراراً لتركيا وبنسبة معينة لحلفائها التغطية على الجماعات الإرهابية، وطمس جرائمها وطبيعتها الإرهابية، وإعادة الأولوية في سورية من الحرب على الإرهاب إلى أولوية كيفية التعامل مع الدولة السورية، بصفتها جهة مسؤولة عن جرائم حرب ولا يمكن التعايش ولا التعاون معها، وفقاً للتوصيف الذي استعمله الرئيس التركي رجب أردوغان مراراً، لكن الصورة هذه المرة مختلفة، فتركيا تعلم حجم الوقوف الروسي مع سورية وقد اختبرت بذاتها فرص الذهاب للتصادم مع روسيا وعادت للاعتذار. وهي تعلم نتائج اختبارات إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما، بينما كان الحلف الذي تقوده واشنطن متماسكا وكانت إيران محاصرة وكانت سورية تخسر مواقع عديدة أمام الجماعات المسلحة. والأهم أن روسيا لم تكن قد جاءت بكل ترساناتها الحربية ومصير زعامتها الدولية إلى سورية، فكيف وقد حصل كل ما يقول إن الرهان هذه المرة يجب أن يكون مختلفاً حتى يصير للعبة معنى؟
يتحرّك الأتراك هذه المرة على خطين متوازيين، الأول قطع طريق التواصل بين الإدارة الأميركية والدولة السورية، ويعتبرون هذا التحوّل حين حدوثه نقلة نوعية لا رجعة عنها باتجاه الهزيمة الكاملة لهم، ويتشارك معهم في ذلك الإسرائيليون والسعوديون، ويكفيهم أن ينجم عن العملية الكيميائية في خان شيخون أن تتوقف أي اندفاعة اميركية في هذا الاتجاه. وبالمقابل يدرك الأتراك أن الطريق مقفلة أمام العنتريات الأميركية بالذهاب لضربة عسكرية لسورية، وهم يشجّعون الرئيس الأميركي لفعل ذلك بداعي الإحراج، ضمن مفهوم الصراع الدائر بين أنقرة وواشنطن منذ مدة، وفي الوقت المناسب سيقدم الأتراك وصفتهم السحرية لإنقاذ ترامب من التراجع المهين أو التهوّر المميت بإعادة مشروع المنطقة الامنة إلى الواجهة.
المنطقة الآمنة بالمفهوم التركي تعني تعاوناً يتيح انتقال ملايين النازحين السوريين إليها، وتوفير الحماية الأميركية للجماعات المسلحة التي تنتشر فيها تحت المظلة التركية، وهذا ببعديه العسكري والسياسي وعلاقته بوضع النازحين يستدعي تعاوناً حثيثاً تركياً أميركياً، وتخطي العقدة الكردية التي حالت ولاتزال دون هذا التعاون، بينما سيسعى القادة العسكريون الأميركيون لصرف المواقف الرئاسية في الحصول على توافق مع موسكو لمنحهم هوامش أوسع في معركة الرقة، خصوصا لجهة إقامة تواجد مباشر وإنشاء تجهيزات ومنشآت عسكرية ومطارات وتقديم الرقة كمنطقة قابلة لإيواء النازحين والمعارضة المعتدلة. وهذا الاحتمال رغم عدم تلبيته للرغبات التركية لكنه ليس سيئاً لتركيا، لكونه يسرّع مشروع تحويل سورية لمناطق نفوذ دولية سيكون لتركيا نصيبها منها لزمن غير قصير يربط مستقبل التسوية بتحقيق مصالح أصحاب النفوذ.
الكيميائي هو السلاح السري لأردوغان للتأثير على مجريات الأحداث في سورية، عندما يفلس الجيش التركي في القدرة على فعل ذلك، كما هي التنظيمات الإرهابية ورقة رئيسية في الحركة التركية في الحرب السورية ولاحقاً في حروب أخرى تخوضها تركيا كتلك التي يبشر أردوغان أوروبا بأنها مقبلة، والتي ستستمد شرعيتها مما يجري اليوم، حيث تشترك أوروبا بمنح الشرعية للأدوات التركية وتبرئتها من الجرائم وتشجيع الرئيس التركي على نجاحه بما يفعل، لتقع أوروبا في لحظة مناسبة تحت السكين ذاتها ولا تستطيع القول، لأن أحداً لن يسمع وقد ردّدت أوروبا مراراً وراء أردوغان ما كان يقول.
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.