جلسة «محاسبة» لتشريع التمديد!
هتاف دهام
أعطت جلسة مساءلة الحكومة أمس، إشارات التمهيد لجلسة عامة قريبة للتمديد للمجلس النيابي مرة ثالثة، ولو تقنياً، هذه المرة.
لم تمتثل الحكومة أمس، أمام البرلمان إلا في الشكل. رئيس الحكومة سعد الحريري أمضى غالبية الوقت خارج القاعة العامة في مكتب نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري. عقد «الخلوات» مع الوزراء والنواب. لم يرشح عن الاجتماعات الجانبية شيء سوى تضييع الوقت بانتظار أن يرفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الجولة الأولى عند الثالثة بعد ثلاث ساعات من افتتاحها عند الثانية عشرة بغياب عدد من الوزراء أبرزهم وزراء الخارجية والداخلية والسياحة جبران باسيل ونهاد المشنوق وافيديس كيدانيان.
تلا الرئيس الحريري في بداية الجلسة بياناً باسم الحكومة وإنجازاتها، مؤكداً أن «القانون الانتخابي سيحضر يوم الاثنين المقبل في جلسة مجلس الوزراء وعندما نقرّه نرسله إلى المجلس النيابي». ثم استمع إلى مداخلات النائبين وائل أبو فاعور وحسن فضل الله والرئيس نجيب ميقاتي. وما أن أنهى الأخير كلمته وغادر حتى خرج الحريري. وكرّت السبحة. وزير تلو وزير. نائب تلو آخر. لم يتعدَّ أحياناً عدد الوزراء الموجودين في القاعة العامة الـ 5 والنواب الـ 50 نائباً.
لم تعد اللحظة تحتمل المناورة السياسية. أعطى الحريري وعداً لحزب الله بالسير بالنسبية والالتزام بالموجبات الحقيقية. ويبدو أنه يريد أن يقرن قوله بأن قانوناَ جديداَ سيبصر النور قريباً، بتنفيذ ما يلتزم به.
قلة قليلة من أصحاب السعادة استمعت إلى مداخلة النائب أنور الخليل. كانت المقاعد في غالبيتها فارغة. مرّر نواب التغيير والإصلاح، القوات اللبنانية الوقت في أروقة المجلس وفي الغرف الجانبية كحال البعض من نواب المستقبل والوفاء للمقاومة. المشهد نفسه تكرّر عند إلقاء أمين سر تكتل التغيير والاصلاح النائب ابراهيم كنعان كلمته التي تفوح منها رائحة رئيس تياره جبران باسيل، كما قال نواب في التيار الأزرق.
بينما أصغى نواب حزب الله إلى ما قاله كنعان، كان نواب الاشتراكي خارج القاعة العامة أسوة بعدد من نواب التيار البرتقالي يحتسون القهوة والشاي في المكاتب المجاورة. الدردشة سيدة الموقف داخل القاعة وخارجها. من تسمّر على كرسيّه راح يبتسم مستغرباً توتر النائب كنعان. أطلق النائب المتني عنان صواريخه تجاه حزب الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي ورئيس المجلس النيابي مدعياً أن تياره وحده مَن قدّم مبادرات. ما دفع بري إلى التوضيح بالقول إنه قدّم اقتراحات وصيغاً عدة.
صوّب كنعان على أبو فاعور الذي دعا إلى إبعاد التهويل بالتصويت، ومَن يعتقد أن هناك من يستطيع إقرار قانون انتخاب بالتصويت فهو مخطئ، والتهويل بالتصويت يعني تقسيماً، أتمنى أن لا ندخل في أي محظور».
كذلك دخل كنعان في سجال وصف بالسخيف، مع النائب نديم الجميل. تصرّف النائب البرتقالي لاقى استهجاناً من زملائه الذين اعتبروا أن أداء كهذا لا يشبه مَن ينصّب نفسه التشريعي الأول في البرلمان. علماً أن أحد النواب قال في دردشة مع الإعلاميين إن مَن يريد أن يخسر دعوى فعليه أن يسلّمها لكنعان.
دفع سحب رئيس الحكومة فتيل النزاع حول قانون الانتخاب إلى تركيز النواب في مداخلاتهم على محاربة الفساد ووقف الهدر وإنماء المناطق. كلٌّ غنّى على ليل منطقته ومحافظته. الانتخابات على الأبواب ولو بعد 6 أشهر أو سنة. لا أهمية لفقدان النصاب في جلسات المساءلة. ما أن ينهي النائب كلمته حتى يخرج مسرعاً إما لمزاولة بعض الأعمال في مكتبه في المبنى المجاور أو المغادرة للقيام ببعض الواجبات أو للتسلية.
أراد كل مكوّن توجيه الجلسة كما تقتضي مصالحه، إلى أن أطلّ النائب نقولا فتوش في لحظة الذروة في الجولة المسائية. النائب الزحلي نسف بدع صيغ المختلط فلا شيء بالنسبة لأبجدية أصول القانون مختلط نسبي وأكثري معاً. لجأ فتوش إلى التهويل بفزاعة المؤتمر التأسيسي في حال عدم التفاهم على قانون جديد، دافعاً باتجاه العمل على إقرار قانون انتخابي قبل انتهاء ولاية المجلس. حذّر من الدخول في الفراغ، قائلاً اللهم اشهد أني بلّغت. لم يدعُ إلى التمديد ولم يطالب به، لكنه مهّد له، فهو المرجع القانوني الذي سيُفتي بقانونية الصيغة التي ستعتمد. فأيّ صيغة يجب أن تكون مفنّدة بموجباتها، وسعادته سيتقدّم باقتراح قانون حول التمديد مع الإشارة إلى أن أي تمديد سيكون مرتبطاً بالتوصل لقانون انتخابي جديد وفق النسبية.
حاول النائب عقاب صقر افتعال إشكال مع حزب الله بتوجيه الاتهامات تجاهه، لكنه لم ينجح. اكتفى النائب نوار الساحلي في مستهلّ كلمته بالترياق من النائب صقر بسخريته من نائب أطلّ لاول مرة علينا في المجلس كان ملتهياَ في الماضي بـ «الحفاظات والحليب». أراد الساحلي التذكير بانغماس النائب المستقبلي في دعم ما يُسمّى بـ«الثورة السورية» من دون الردّ عليه وإعطائه أهمية. علماً أن هناك انسجاماً برز خلال الجلسة بين الرئيس الحريري ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد اللذينتصافحا متباسمَين، فضلا ًعن بعض الإشارات بين الحريري والنائب فضل الله، إلا أن ذلك لم يمنع رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة من توتير الأجواء في نهاية الجولة المسائية بقوله للنائب نواف الموسوي «يكفي كذباً» ليردّ الأخير «واحد متلك بكذّب». علماً أن الموسوي تناول في كلمته موضوع الـ 11 ملياراً مشيراً إلى أن «حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تُعرَض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر الموازنة للسنة الثانية التي تلي وقد استمعنا إلى اجتهادات عدة في هذا المجال»، موضحاً أن «البعض حاول أن يقول إن المجلس يستطيع أن يناقش الموازنة ويؤخّر نشرها»، في حين أن رئيس الحكومة الأسبق شدّد بدوره على أنه بعد 12 عاماً يجب أن ننتهي من إطلاق النار على رؤوسنا في قضية الـ11 مليار دولار.
لم يدم الخلاف طويلاً، إذ جرى تجاوز الأمر بلقاء في مكتب الرئيس بري بعد رفع الجلسة، جمع إلى رئيس المجلس، الحريري، السنيورة، والموسوي، على أن تعقد عند الرابعة من عصر اليوم جلسة جديدة لن تكون أفضل من جلسة الأمس من حيث الحضور أو من حيث تركيز النواب الذين انهمك بعضهم في اللعب على IPAD أو من تكبّد عناء المجيء إلى الجلسة قبل نصف ساعة من انتهائها كحال النائب نايلة التويني.