أوراق حكومية… في مهبّ التردّد والتأجيل
د. لمياء عاصي
في رحلتها الطويلة لتحقيق التنمية الشاملة التي امتدت لعقود، واجهت الحكومات السورية المتعاقبة، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة الكثير من المشاكل والأزمات كنتيجة طبيعية للنمو السكاني الذي فاق النمو الاقتصادي، وطرحت العديد من المشاريع في البنى التحتية والخدمات لمواجهة احتياجات ومتطلبات المواطنين ضمن الخطط الخمسية المتتالية وآخرها كانت الخطة الخمسية العاشرة 2006-2010 التي حملت في طياتها برنامجاً للإصلاح الاقتصادي، حافلاً بالمشاريع والبرامج الاقتصادية.
عناوين كثيرة لخصت الأزمات والمشاكل التي عانى منها المجتمع السوري، ولها علاقة كبيرة بالحياة اليومية ولعل أهمها: انتشار العشوائيات على أطراف المدن، شح المياه الحاجة إلى الكهرباء كأحد أهم متطلبات النمو الاقتصادي، تطوير منظومة التعليم بكل مراحله، معالجة موضوع الفقر، حل مشاكل النقل الداخلي، معالجة النفايات الصلبة والسائلة، الطاقة البديلة قضايا القطاع الصحي وما يحتويه من مشاكل تأمين الأدوية والخدمات الصحية، تأمين السكن للمواطنين بما يتناسب مع ازدياد السكان، تطوير الصناعة والزراعة… وغيرها الكثير.
لعل الانتشار السرطاني لمناطق العشوائيات، يشكل مثالاً واضحاً لقصور الأداء الحكومي، والتردّد والتعثر في تنفيذ المشاريع، التي تعتبر حلولاً ولو جزئية لهذه المشكلة الخطيرة، حيث يعيش حوالى 30- 40 في المئة من السوريين في هذه المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية ولأبسط شروط الأمان والسلامة الإنشائية. في دمشق وحدها يوجد أكثر من 20 منطقة عشوائية بحسب محافظة دمشق ، بينما يوجد في دمشق وحلب وريف حلب حوالى 115 منطقة عشوائية بحسب وزارة الإدارة المحلية ، وقد استند وجود وتنامي هذه العشوائيات إلى العوامل الرئيسية التالية.
ضعف الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومات المتعاقبة، بما يتعلق بالتوسع العمراني الأفقي والعمودي لتلبية احتياجات النمو السكاني، فجميع الدول تضع تصورات وخططاً استباقية ضمن مصور تنظيمي عام، يلحظ العوامل والخدمات اللازمة، ومن ثم تبدأ عملية تطوير المناطق التنظيمية وتحضيرها للبناء عليها من قبل القطاعات الاقتصادية في البلاد.
شبكات الفساد المترابطة في ما بينها، ولا سيما البلديات ودوائر المحافظات بالشراكة مع متنفذين هنا وهناك وكانت المستفيد الأول من إشادة المنازل في المناطق العشوائية.
الحفاظ على قوانين جامدة فيها تناقض مع مستجدات ومتطلبات الواقع، مثل قانون الغوطة الذي تم سنه للحفاظ على غوطة دمشق، فلا هو حافظ عليها ولا سمح بتنظيم المساحات الخضراء في شكل حضاري، بدلاً عن ذلك، نشأت المناطق العشوائية والتهمت أجزاء واسعة من الغوطة.
التأخير المتعمّد للمخططات التنظيمية في المدن، مثالاً: المخطط التنظيمي لمدينة حلب، الذي بقي في الأدراج لسنوات، ولا أحد يعرف السر وراء سنوات الحضانة التي تقضيها المخططات التنظيمية في أدراج المسؤولين، وبالتالي اضطرار المواطنين للحصول على مساكن في المناطق العشوائية.
توقف الدولة عن منح الأراضي للقطاع التعاوني وتشجيعه وهو القطاع الذي أثبت جدواه خلال مراحل سابقة، وعلى رغم النجاح الكبير لمشروع دمّر في دمشق، الذي مثل نموذجاً ناجحاً، كان يجب أن يتكرّر ويستنسخ مئات المرات، بما قدم من خدمة جليلة للطبقة المتوسطة في سورية لتأمين سكن اقتصادي ومنظم.
التمويل اللازم ويعزى التأخير في إعداد وتحضير المناطق العشوائية لإعادة تنظيمها وتزويدها بالبنى التحتية، بأنه ناتج من الافتقار للتمويل حيث تعتبر الموازنة العامة للدولة، وموازنات المحافظات هي المصدر الوحيد للتمويل وهذا يعكس نظرة اقتصادية تقليدية ونمطية، بينما ينتشر بين الحكومات والشركات الكبرى في العالم نماذج مالية مركبة للتمويل، يتم تطويرها وهندستها وفقاً لإمكانيات البلد وظروف المشروع، على مبدأ الربح المشترك سواء من خلال عقود تشاركية، أو لقاء منح امتيازات استثمارية لجزء من أملاك الدولة التابعة للمشروع لفترات زمنية، والكثير من الدول النامية لجأت لمثل هذه الطرق التمويلية ونفذت مشاريع عملاقة وعالية التكلفة.
تضارب مصالح مجموعات الضغط: إن هذه المجموعات المتنافسة في ما بينها، والقادرة على التأثير على القرار الحكومي، وهي مجموعات تعمل بكفاءة عالية، وترتبط بشبكات الفساد بشكل أو بآخر، وسبق أن تمكنت من إيقاف وحرف الكثير من القرارات الحكومية الخاصة بمشاريع لا تتفق مع مصالحها.
من الجدير بالذكر، أنّ تأجيل المشاريع المطروحة كحلول لمشاكل وأزمات البلد، وتعثرها في أروقة القرار الحكومي، سيفاقم تداعياتها السيئة ويرفع كلفة تنفيذها لاحقاً، بينما السير قدماً في التنفيذ يساهم في خلق حلول لمشاكل أخرى في شكل غير مباشر، فتطوير أحد المناطق العقارية مثلاً، سيؤمن فرص عمل لكثير من العاطلين من العمل، كما يؤمن دفع عجلة الإنتاج في الاقتصاد الوطني، وهذا يسهم في شكل غير مباشر بحل لمشكلة كبرى وهي البطالة.
إنّ الرؤية الواضحة والتنفيذ الكفوء والقرارات الحاسمة ضمن إطار زمني معيّن هي البوصلة الحقيقية لتحقيق الخطط التنموية بما تتضمنه من أهداف ومشاريع، ولضمان هذا لا بد أن يتم إصلاح الطريقة الحالية في اتخاذ القرار الحكومي، بالاتجاه نحو اللامركزية، من خلال إعطاء المزيد من الاستقلالية والصلاحيات للدوائر والسلطات في المجتمع المحلي، مدعوماً بخبرات فنية مستقاة من بيوت الخبرة الاستشارية، يناط بها تحضير وترتيب أفضل العقود المنصفة للدولة والحصول على أفضل الشروط مع الجهات المتعاقدة، بما يحقق الحفاظ على المال العام.
لعلّ ذلك يسهم… بتحقيق مصلحة البلد، ووقف ضياع المشاريع الحكومية التنموية في مهبّ التردّد والتأجيل.
وزيرة سابقة في سورية