ماذا يجمع بين صربيا وسورية!؟
سماهر الخطيب
سعياً من اليهود الصهاينة لتنفيذ مخطّطاتهم التي بدأت منذ قرّر زعماؤهم في مؤتمر بال في سويسرا عام 1897 تزوير الحقائق التاريخية والجغرافية لتبرير السطو على أرض ليست لهم، قاموا بتجنيد إمكاناتهم المادية والإعلامية وصداقاتهم الدولية لتنفيذ مزاعمهم ومآربهم في أرض فلسطين.
ولكنّ هذه المزاعم جاءت لإفشال كلّ مشروع وحدوي في العالم العربي، ودفع دول المنطقة لتعيش تداعيات كارثيّة بسبب هذه المزاعم الصهيونية «بمشاركة قادة بعض دول الخليج» ومعظم الغرب.
وفي كتاب خطّته المزاعم التوراتيّة التي جاء فيها: «وقال الرب على دمشق: تخور قوى دمشق فتولّي هاربة، يدبُّ فيها الذعر ويستولي عليها الغمّ والوجع كإمرأة في المخاض. ويحها كيف تهجر تلك المدينة المرحة وكيف يسقط شبابها في ساحاتها ويهلك جنودها في ذلك اليوم»، كما جاء في سفر إرميا.
لطالما فشلت المؤامرات في إخضاع سورية كما فشل تدجينها من خلال محاولاتهم المستمرة لاستدراجها إلى تسويات مذلّة تسقط الحقوق القومية والسورية، حيث نجحت دمشق في التمسّك بحقوقها وتخطّي أفخاخ التسويات المذلّة على الطريقة «العربية» المهينة، بدءاً من أنور السادات وانتهاءً بما آلت إليه الدول العربية اليوم من ذلّ أمام راعيها «الأميركي»، ولأنّ سورية بكلّ مراحلها قسّمت دول العالم إلى قسمين، فبقيت على رأس الأجندة الأميركية باعتبارها لم تتنازل عن قضيّتها وموقفها في المفاوضات، فكان الثمن الذي دفعته هو هذه الحرب الكونيّة الشرسة عليها. وهي لا زالت متمسّكة بمواقفها المبدئيّة، فهي كانت ولا تزال قاعدة الصمود القومي والقلعة الشامخة المناهضة للمشروع الصهيوني في المنطقة.
وفي العودة إلى العدوان الحالي على الأرض السورية، والتي جاوزت عامها السادس ومحاولات المجموعات الإرهابية السيطرة على سهل حوران في درعا والقنيطرة، ندرك تماماً كذب وبهتان ما يسمّى بـ«المعارضة المسلّحة» والتي هي مجرّد أداة لتنفيذ مخطّط صهيوني عالمي لتجزئة سورية والسيطرة على سهولها وأنهارها. وقد جاء في مذكّرة وجّهها «ديفيد بن غوريون» في نيسان من عام 1920 بِاسم «اتحاد العمل الصهيوني» إلى حزب العمال البريطاني، طلب منه فيها أن يشمل الوطن القومي اليهودي «سهول حوران والضفاف الجنوبية لنهر الليطاني وجميع الأنهار التي تجري في المنطقة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب».
ناهيك عن محاولات عثمانية في الشمال للسيطرة على منابع النفط ومصادر الطاقة تحت عنوان «مناطق آمنة» تقبع تحتها نزاعات لأطماع «تركية وأميركية»، كلّ منهما تحاول السيطرة الأولى «التركيّة» بدعمها لـ «درع الفرات»، والثانية بدعمها لـ«قوات سورية الديمقراطية» والحجّة محاربة «داعش» الذي أوجدته أطماعهم سعياً وراء تحقيقها.
من كلّ ما سبق، نخلص إلى الخطر الذي يتربّص بسورية، خصوصاً أنّ الدول في المنطقة باتت تتسابق لاسترضاء الأميركيّين وحلفائهم اليهود، وليس أدلّ على هذا الخطر المحدق الداهم ما جرى منذ ست سنوات في الحرب على سورية لتنفيذ مخطّطاتهم الصهيونية الأميركية.
وعلى ذكر المخطّطات والحجج الواهية كـ»الحرب على الإرهاب»، من المؤكّد أنّ الأسباب التي باتت معروفة والتي جعلت من سورية عدوّة لأميركا كثيرة، نذكر منها رفض سورية مقترحات بيل كلينتون في العام 1994 بشأن التنازل عن مرتفعات الجولان مقابل رفع اسمها عن لائحة الإرهاب، وغيرها سلسلة من المطالب الأميركية التي قوبلت بالرفض السوري، ممّا زاد في إصرار الإدارة الأميركية على الإطاحة بالدولة السورية بحجّة «انتهاك حقوق الإنسان»، والواضح هنا الشبه إلى حدّ كبير بموقف صربيا في التسعينات، حيث يقول «ستروب تابلوت» الذي كان يشغل منصباً رفيعاً في إدارة كلينتون: «إنّ السبب الرئيسي لحرب كوسوفو وقصف صربيا لم يكن بالطبع لأيّ دوافع إنسانية، بل لكونها المعقل الأخير في أوروبا الرافض للاندماج في نظام السوق».
لهذا، فإنّ مهاجمة سورية من قِبل أميركا لأنّها باعتراف الجميع القلعة الوحيدة الصامدة في وجه المشاريع الأميركية. والعدوان الأميركي الأخيرعلى مطار الشعيرات في ريف حمص الدليل الأكبر، ناهيك عن كون المطار العسكري الذي تمّ قصفه هو ذاته المطار الذي أسقط الطائرات الصهيونية في الشهر الفائت.
وفي العودة إلى البداية، فإنّ ما قاله «الربّ» عن دمشق هم يعلمون بأنّها محميّة بأيقونة شعبها وجيشها المتأصّل بالعناد القومي، وهم من قالوا: «المجتمع السوري متأصّل بالعناد لا يمكن السيطرة عليه إلّا من خلال إثارة الفوضى العارمة»، هذه الفوضى أرادوها بمحاولة ضرب فسيفساء النسيج السوري، وبعد مرور سنوات وفشلهم الذريع هاهم يصعّدون بحجّة «الكيميائي»، وليس خافياً على أحد أنّها فبركات ممّن يسمونهم «الخوذ البيضاء» و«المرصد السوري».
وبطبيعة الحال، واشنطن اتّخذت قرار العدوان على سورية قبل أحداث خان شيخون بمحافظة إدلب التي تمّ استغلالها كذريعة «لإظهار القوة»، ولدى تبريرها للعمل العسكري ضدّ الجيش السوري حرّفت تماماً الأحداث في إدلب، وهي تدرك تماماً أنّ الجيش السوري لم يستخدم سلاحاً كيميائياً هناك، لأنّ دمشق لا تملكه أساساً، حيث أكّد الخبراء ذلك أكثر من مرّة، كما قدّمت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية استنتاجاتها بهذا الشأن، وقامت خلال السنوات الماضية بعدّة عمليات تفتيش في كلّ المنشآت تقريباً، التي ربما كانت مرتبطة بالبرنامج العسكري الكيميائي في سورية.
وبالتالي، فإنّ الولايات المتحدة التي تغاضت عن استخدام الإرهابيّين للسلاح الكيميائي في العراق على الرغم من إعلان بغداد عن وقوع هذه الهجمات رسمياً، كما تجاهلت استخدام الإرهابيين للسلاح الكيميائي في حلب، وقد أكّدت الإدارة الأميركية أنّ أميركا وروسيا لم تتبادلا معلومات استخبارية عن حادثة إدلب في سورية، وأنّ واشنطن تستبعد ذلك.
وأشارت الإدارة الأميركية إلى عدم امتلاك تنظيم «داعش» لغاز السارين، وعدم ضلوع الإرهابيّين في الهجوم الكيميائي في إدلب.
من هنا ندرك تماماً الدعم الذي تقدّمه الإدارة الأميركية لهذه الجماعات الإرهابية وتعزيز قدراتها ليتحقّق مشروعها الصهيوني في سورية، ولا نستبعد هجمات جديدة بحجّة جديدة..