ليبيا: هل تنتظر معركة الفصل؟
وليد زيتوني
يبدو أن مشهد تحريك النقلات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وبين روسيا والصين ومحور الممانعة ودول البريكس من جهة أخرى، أخذ بالتوسع بشكل كبير. ربما تكون أفريقيا الشمالية الأقرب إلى حراك جديد قد يعيد التوازن المرتقب على المستوى العالمي. خصوصاً بعد إنجاز التقدم المدوي في اليمن ووصول الحوثيين إلى مشارف البحر الأحمر وتراجع مستوى الهيمنة السعودية كوكيل حصري للأميركي في اليمن. ومن غير المبكر القول إن روسيا الآن على مشارف باب المندب.
نستطيع إضافة إلى ذلك، العلاقات المصرية ـ الروسية والمصرية ـ الإيرانية التي وصلت إلى مستوى مقبول بل جيد على أكثر من صعيد. هذه العلاقات التي ستمنع مصر من الانزلاق إلى الحضن السعودي الأميركي بشكل كامل، وبالتأكيد ستجعلها في مركز الوسط على الأقل إذا لم تستطع أن تلعب دوراً جاذباً وقوياً على صعيد العالم العربي يعيد لها ريادتها وحيويتها.
هذا التمدّد الجيواستراتيجي لقوى الممانعة بوجه الهيمنة الأميركية وأتباعها سيصل قريباً إلى ليبيا. ومن المؤكد أنه سيستجيب للحركة الوطنية والقومية الليبية المهمشة نتيجة التدخل الأميركي الأوروبي السافر. هذا التدخل التي استفاد من ضعف الواقع الليبي العسكري «لجان شعبية» وتمدد القوى التكفيرية. استطاع أن يسقط ليبيا إعلامياً قبل أن يسقطها عسكرياً على رغم زج قوات الحلف الأطلسي بكامل زخمها.
ويبدو أيضاً أن الواقع الليبي قد أخذ بالتغير وأصبح المواطن الليبي على بيّنة بحجم المؤامرة التي تلبست لبوس الثورة على الديكتاتورية. فهذا الحراك لم يجلب إلى ليبيا الديمقراطية بل الفوضى والتدمير الشامل للبنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. بحيث لم يبق في الميدان إلا العصابات المتقاتلة التي أجهزت على البقية الباقية من العمران الموجود. لقد ظهرت على الساحة الليبية أخيراً، قوى ترفض منطق الاقتتال والتدمير الممنهج الذي يطاول ليبيا من قبل قبائل الزنتان اليهودية منها والتركية، ومن قبل تحشدات مصراتة كمرتزقة تكفيريين، أي بين داعش وأنصار الشريعة.
لقد بدأت فعلاً وعلى أرض الواقع عملية تنظيم وإعداد الليبيين الأحرار والشرفاء الذين يرفضون التدخل الخارجي الموجود الآن بأشكاله كافة، والذين يرفضون هيمنة العصابات التي تشكل أقلية من حيث العدد المتمركزة حصراً في طرابلس وبنغازي، التي تلقى كل الدعم الأميركي والغربي عبر وكلائها العرب كالسعودية وقطر.
إن قوى الحراك الجديد في ليبيا تحاول أن لا تصطدم بالمرحلة الراهنة مع قوى أمر الواقع حتى الانتهاء من إعادة التجميع، مستندة إلى ولاء نسبة شعبية عالية تصل إلى حدود 70 في المئة، وعلى رقعة جغرافية تمتد على مساحة كبيرة جداً من ليبيا، بدءاً من سرت شمالاً إلى منطقة الكفر في الجنوب وصولاً إلى الشرق، وأنها قادرة على اختراق كل الشرائح والبنى الاجتماعية بما فيها القبائل والعناصر المدينية المثقفة على حد سواء.
لقد وصلت هذه القوى إلى إعلان نفسها باسم «المجلس الوطني الليبي لعودة الأمن والاستقرار» عبر بيان موجه إلى الشعب، وأنها تحضر لعملية واسعة تعيد الأمن إلى ليبيا تحت عنوان «البرق الخاطف». وتؤكد لمناصريها أن لها علاقات سياسية مع دول كبيرة ومهمة.
استناداً إلى ما سبق وما جاء في بيان القوى الليبية، أن عملية كبيرة بهذا الحجم تحضّر على الساحة الليبية ولها هذا الحضور وهذه القوة، فهل تكون بفعل عوامل داخلية بحتة فقط أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ وأن انقلاباً كبيراً سيطاول المنطقة المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، يكون بمثابة الشعرة التي تقصم ظهر البعير بالنسبة إلى النظام العالمي القائم؟
فهل يكون الرد الروسي في ليبيا مثلاً على التدخل الغربي في أوكرانيا؟
إنها ليست أحلاماً بقدر ما هي عمل جاد وتصميم وقرار حاسم وتاريخي.
إننا نراقب وننتظر.
عميد ركن متقاعد