«وجه سورية» في خريطة ترامب المشؤومة…؟
حسن شقير
لم يستطع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب المكوث طويلاً في مربع «الغموض الاستراتيجي»، حول كيفية مقاربته للحرب على سورية، وآليات انخراط إدارته فيها، ولعلّ ذلك مردّه إلى أنّ الأحداث والتطوّرات الميدانية فيها، كانت نتائجها في الفترة الانتقالية الرئاسية، لغير صالح أميركا، فضلاً عن حلفائها التقليديين في المنطقة.
من المعروف أنّ ترامب كثيراً ما اعتاد انتقاد إدارة أوباما السابقة، متّهماً سلفه، بأنه المسؤول الأول عن هزالة الأهداف المحققة أميركياً في العالم، مقارنةً مع حجم الإنفاق الهائل في سبيل تحقيقها، هذا فضلاً عن انتقاده المستمرّ لها، بأنها دأبت على الإعلان عن خططها المستقبلية في القضايا الاستراتيجية، وذلك قبل وضعها موضع التنفيذ، مما يُفقدها – وبحسب ترامب دائماً – عنصر المفاجأة، الضروري لبلوغ مراميها.
من هنا، حاول ترامب – الغامض، أن يوحي بأنّ خططه في مختلف القضايا التي ستعنى بها إدارته، ستبقى طيّ الكتمان، وخصوصاً في ما يتعلّق بسورية، والتي حدّد فيها ثلاثاً من المراحل: تنطلق من هزيمة داعش، من ثم العمل على تصفية نفوذ إيران وحزب الله في سورية، توخياً لإقامة مناطق استقرار فيها، وصولاً إلى البحث في مسألة تغيير النظام السياسي فيها، وإن كان ذلك في المدى المتوسط، كما تحدّث وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في أعقاب العدوان الأخير على مطار الشعيرات في ريف حمص الشرقي.
لم يكن ترامب «الغامض» غامضاً فعلاً حول خريطة طريقه تلك، فبالعودة قليلاً إلى الوراء، نرى أنّ مراحلها، كانت قد جرت على لسان تيلرسون نفسه، وذلك عندما كان يقدّم خطاب ترشحه أمام الكونغرس الأميركي.
لم يتأخر ترامب، في تهيئة الأرضية السياسية والميدانية للبدء بتنفيذ أولى تلك المراحل، فمن الناحية الأولى، شهدنا تراجعاً تركياً عن التزامات كان قد قدّمها أردوغان للدفع بمسار أستانة نحو خطوته التالية في أستانة 3، وذلك تمثّل بالإيعاز لأطراف ما يُسمّى بالمعارضة المعتدلة، بعدم الاشتراك في تلك الجولة، والتي كان يُفترض فيها فرز الخرائط الجغرافية بين الجماعات المسلحة، والمنظمات المصنّفة إرهابية على كامل الجغرافيا السورية، مما تسبّب بإعادة خلط التوجهات الميدانية لجميع البنادق على اختلافها في الميدان، هذا فضلاً عن انفضاض جنيڤ الخامس من دون تحديد موعدٍ جديد له.
ليس هناك من أدنى شك، بأنّ شروع أميركا في تنفيذ مراحل خريطتها الثلاث، لن تكون متوازية، إنما متتالية. وهذا الأمر مردّه إلى أنها ستسعى لأن يكون ميزان الربح فيها يميل وبشكل كبير لخدمة أهدافها ومصالحها الاستراتيجية والجيوسياسية في سورية والإقليم، لصالحها، ولصالح حلفائها أيضاً، وبناء عليه، فإنّ ذلك سيفرض على روسيا أولاً – المُخيّرة مؤخراً من تيلرسون – بأن تكون مع أميركا وشركائها في خندق واحد، أو أن تبقى متخندقة مع سورية وإيران والمقاومة، فضلاً عن أنها – أيّ تلك الخريطة – ستفرض على هؤلاء اعتماد مسارات وخيارات محددة، تكون من نتائجها، إعادة كفة ذاك الميزان لصالحهم، حتى إنْ طال الزمن بهم أكثر مما كانوا يأملون.
ولكن، وقبل استعراض هذه المسارات، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تلك الخريطة تتضمّن أميركياً في مرحلتها الأولى أنموذج الطبقة والاحتلال الأميركي المباشر فيها، وتركياً أنموذج مثلث جرابلس أعزاز والباب، والاحتلال التركي فيه. ومن ثم التوجه إلى الجنوب السوري، والتي تخطّط له أميركا، لتنفيذ أنموذج الطبقة – الرقة فيه، وذلك خدمةً للأمن الصهيوني، هدف ترامب لطمأنة نتنياهو بعدم تجاوز خطه الأحمر الأول في أية تسوية سورية مقبلة، والذي يخشى إقامة منطقة نفوذ لإيران وحزب والله على تخوم الجولان المحتلّ، ومن دون أن نتجاوز أيضاً محافظة إدلب، والتي تتطلّع إليها تركيا، لأن تكون منطقة المثلث، أنموذجاً لها في المقبل من الأيام.
لا تبدو خيارات محور الممانعة ومعهم روسيا سهلةً في مواجهة تلك الخريطة، خصوصاً أنّ أميركا وتركيا ومعهما الكيان الصهيوني، سيجدون في الوجود الأميركي الرمزي على الأرض، وفي تلك البقع الجغرافية من سورية، أشبه بخطوط صدّ، يُمنع على أطراف الممانعة التصادم معها، فضلاً عن التوغل بين جنباتها، وهذه البقع ستدّخرُ أميركا ما سيجري فيها من عسكرة، لضمان تنفيذ المرحلة الثانية من تلك الخريطة مناطق لجوء آمنة ومستقرّة ، ومن ثم التلويح بها – أيّ بهذه العسكرة – للتهديد بفرض المرحلة الثالثة منها التغيير السياسي بالقوة إن لزم الأمر . وذلك في حال لم تستجب روسيا لدعوات التخيير الأميركية، أو حتى في حال لم ترضخ قوى الممانعة للشروط الأميركية فيها.
هذه الخريطة الترامبية المشؤومة، وبلا شك، ستدفع أولئك إلى اعتماد خيارات معاكسة، لا بدّ لها أن تعمل على عرقلة مراحل تنفيذها.. وعليه فإنّ الذي أحلّ زمن السير باستراتيجيات زمن الفكاك، عند حلول زمن التكامل الإرهابي فيها في ربيع وصيف العام 2015، وإنّ الذي قلب عقيدة الدواعش من التمكين الجغرافي – المتماهي مع الأهداف الصهيوأميركية الكبرى في المنطقة – إلى العودة مجدّداً إلى التقعيد العودة إلى القاعدة – الأم ، وإنّ الذي جعل أميركا وحلفاءها يدخلون مرغمين في عصر الاستلحاق لضرب الدواعش، وأنّ الذي قزّم الآمال التركية في سورية والعراق.. وأنّ الذي فعل كلّ ذلك وأكثر، لن تعوزه الفطنة لعرقلة مشروع ترامب الجديد – القديم في سورية.. فكيف سيكون ذلك؟ للحديث صلة…
باحث وكاتب سياسي