تنسيق «الضرورة» أمنياً مع سورية «يقترب»؟

روزانا رمّال

تجزم مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ»البناء» أن أجهزة الامن والمخابرات المصرية فتحت خطوط اتصالات مع الأجهزة الأمنية السورية منذ فترة غير قليلة. ففي وقت تشترك سورية مع النظام المصري الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي بمسألة معاداة الاخوان المسلمين، تشترك القاهرة أيضاً مع دمشق في مسألة ضرورة دعم الجيش السوري حصراً كجيش شرعي للبلاد. وتضيف «لقد عزّزت التفجيرات الأخيرة في كل من طنطا والاسكندرية المصريتين ضرورة رفع منسوب التنسيق مع سورية، خصوصاً بعدما تبين أن الانتحاريين كانوا قد فرّوا منها، كما كشفت التحقيقات في الساعات الأولى للعمليتين الموضوعتين ضمن مخطط فتح ملاذ آمن للإرهاب على أي من المنافذ المصرية او غيرها في المنطقة في محاولة لتهجير أهلها وجعلها بقعة آمنة يلجأ اليها الإرهاب في سيناء». ويضيف المصدر «يعرف الرئيس المصري أكثر من سواه اهمية التعاون مع دمشق. وهو عبّر عن استعداده لتكون مصر وسيطاً لإيجاد حل سياسيّ في ظل حكم الرئيس الأسد، ولا يزال مشهد انسحابه من القمة العربية أثناء قيام الأمير تميم بن حمد بإلقاء كلمته حاضراً في ذهن المصريين الذي يحملون ما يكفي من العداء لكل من يتدخّل في بلادهم او يدعم مشاريع التطرف. لهذا السبب دعا السيسي في اول تصريح له بعد حادثة التفجيرين الى محاسبة ليس فقط الإرهابيين بل كل الدول التي تدعمهم. وهذه إشارة ليست عبثية من السيسي».

وبالمقارنة مع لبنان تتزامن العملية الأمنية في عين الحلوة مع الانفجارات في مصر والتصعيد في سورية في مشهد يوحي بأن سورية لم تعد أرضاً آمنة للإرهاب بعد ست سنوات من الازمة. وهو الامر الذي يؤكده الخبراء الأمنيون بعد سلسلة المحطات التي تقدم فيها الجيش السوري، ليبقى الأهم ان معارك الشمال، خصوصاً الرقة وادلب تقترب أو ربما ينحصر مصير داعش والنصرة فيها بشكل أوحد. وبالتالي فإن عاجلاً أو آجلاً موعد المعركة مقبل، وروسيا التي تتعرض اليوم لعرقلة ميدانية بسبب تصريحات سياسية أميركية مرتبكة تتراوح بين ضرورة التخلص من النظام السوري تارة، وبين ضرورة التنسيق لمرحلة مقبلة بوجوده مستمرة في ما بدأته بقتال موسّع للإرهاب انضمت اليه واشنطن ام لم تنضم. وهو الامر الذي اخذ الاميركون نحو نوع من الفرملة للعمليات الروسية السورية المشتركة في سورية من أجل البت في قرار أميركي صريح يحسم مسالة التعاون مع روسيا. وهو الخلاف الذي يقلق الرئيس دنالد ترامب.

وبانتظار الأميركيين وحسم التعاون مع روسيا سلباً أو إيجاباً تقع على عاتق دول مثل لبنان ومصر والأردن مسألة التنسيق الضروري مع الأجهزة الأمنية السورية لمتابعة حركة وتنقلات الإرهابيين، إضافة الى إنشاء غرفة أمنية مشتركة لمتابعة حركة النازحين أيضاً والمخيمات السورية التي تضم عدداً لا يستهان فيه ببعض الأماكن من الإرهابيين الذين يحتمون بين العائلات اللاجئة، إضافة إلى الاشتباكات نتيجة عدم الانسجام بين اللاجئين والمضيفين، كما جرى منذ يومين حيث تسبّب اعتداء على لاجئين سوريين في تركيا بفرار نحو 500 لاجئ من مخيمهم في منطقة «توربالي» التابعة لولاية إزمير. أي أن الظروف المعيشية القاسية قادرة ايضاً على تحويل بعض اللاجئين إرهابيين مجدداً في الاراضي التي استضافتهم ولا يبدو أي من الدول العربية المتضررة من أي مخاطر ممكنة أكثر من مصر ولبنان والاردن. وهي الدول الثلاث التي يجدر تحذيرها مما يُحاك لها بانتقال بعض المجموعات الإرهابية إليها هرباً من سورية.

التنسيق مع سورية الذي لم يعُد «ترفاً» بل خيار، هو ما ستنحو اليه الامور بعد التفجيرات المصرية. فالقاهرة باتت مقتنعة يوماً بعد الآخر بضرورة هذا الخيار، وإلا فإن الامور ستزداد سوءاً في الداخل المصري الذي يضمّ ملايين المؤيدين للاخوان المسلمين القادرين على تحويل المشهد الى ما لم يكن متوقعاً ليبقى على لبنان والاردن الاقتراب أكثر نحو هذه القناعة. فمعركة عرسال التي لا تزال مؤجَّلة قادرة على أن تشكل في أي لحظة ظهيراً للإرهاب، إذا قرر التصعيد في معارك عين الحلوة او الداخل، كما ان عدد النازحين غير المنظم والذي يضم مشبوهين يجعل لبنان قنبلة موقوتة. وفي هذا الاطار يمكن قراءة بعض تصريحات الحريري حول النزوح في بروكسيل، بما يفيد الى نيات التوجه للتنسيق ولو بطرق غير مباشرة مع سورية، فهو كرّر أكثر من مرة ان لبنان على شفير الانفجار في مسألة النزوح. وهو ما لم يكن يصدر عن الحريري سابقاً.

الأجواء التي تعيشها سورية اليوم والتصعيد الأميركي العسكري المباشر فيها، والحديث عن إمكانية تصعيد أكبر يوحي أن أي نوع من التنسيق مستحيل في هذه الفترة، لكن ومن جهة مقابلة تؤكد المعلومات أن التعاون الموجود بنسبة معينة بين المخابرات المصرية والسورية والجهد المبذول من المخابرات الأردنية محلياً في مطاردة الإرهاب سيتوسّع، فأحد غير مستعد لتسليم بلاده الى داعش أو تخصيص منطقة آمنة للإرهاب ليقطن فيها، كما ان الأوروبيين خصوصاً البريطانيين يجهدون بعد حادثة ويستمنستر لفتح اتصالات مع الدول المعنية. وهناك تواصل مكثف يجري في الساعات الـ24 الماضية بين رئيسة الوزراء البريطانية «ماي» والرئيس الأميركي «ترامب». وكانت «ماي» قد قدمت للمنطقة بمبادرة أمنية مقترحة مع دولها لإبعاد الأخطار عن بلادها، بوقت اعتبر ترامب وماي ببيان مشترك أن زيارة وزير الخارجية الأميركي تيلرسون لموسكو قد تكون «فرصة» للتقدم نحو التسوية في سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى