حصل تيلرسون على تعهّد ترامب «الضربة هي الأخيرة» فالتقى بوتين لعودة التنسيق الحرب الدستورية تنتج توافقاً على قانون تأهيل أكثري في القضاء وانتخاب نسبي في المحافظة

كتب المحرّر السياسي

على الجبهتين الدولية واللبنانية حروب حافة الهاوية تنتهي بالتوافق على إدارة الصراع، والعودة للغة البحث عن التوافقات، ففي موسكو انتهت الاجتماعات الماراتونية التي ضمّت وزيري الخارجية الروسية سيرغي لافروف والأميركية ريكس تيلرسون، بنجاح الوزير الأميركي بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد الحصول على تعهّد رئيسه دونالد ترامب باعتبار الضربة العسكرية لسورية آخر الأعمال المنفردة لإدارته، وقبول الاحتكام لقنوات التشاور والتفاوض، والعودة للمنظمات الأممية والقانون الدولي، وإلا فخيار العمل المنفرد يسقط مبررات اللقاء، وقنوات التنسيق.

ربحت موسكو جولة العضّ على الأصابع بعد ظهور نتائج الضربة المحدودة وعجزها عن إحداث تغيير في الحرب ومساراتها العسكرية والسياسية. فميدانياً بقيت الكفة الراجحة للجيش السوري، وسياسياً توطدت دعائم الحلف الروسي الإيراني السوري بالشراكة مع المقاومة لخوض المواجهة جنباً إلى جنب، بينما ثبت أنّ الرهان على انهيار شعبي معنوي بين السوريين يثير ذعراً وهلعاً، وبالتالي تدفق سيول من النازحين هو مجرد وهم لا أساس له.

بقي الخلاف قائماً كما بدا من المؤتمر الصحافي للوزيرين الروسي والأميركي، ومن كلمة الرئيس الأميركي في عشاء احتفالي لحلف الناتو بضمّ جمهورية الجبل الأسود إلى صفوفه، لكن تمّ الاتفاق على وضع الأمور على طاولة التفاوض، كما أكد التفاهم على عقد جلسة اليوم لهيئة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي لتشكيل لجنة خبراء للتحقيق في حادثة خان شيخون، وتزويدها بكلّ ما قال الأطراف إنها أدلة بحوزتهم، بينما كان المندوب الروسي يستخدم الفيتو لإسقاط المشروع الغربي في مجلس الأمن الذي يستهدف سورية بداعي التحقيق.

لبنانياً، أجّل رئيس المجلس النيابي نبيه بري جلسة اليوم لمدة شهر، المخصّصة للتمديد للمجلس النيابي، بعدما استخدم رئيس الجمهورية المادة 59 من الدستور التي تخوّله وقف أعمال المجلس لمدة شهر، وتمّ التوافق على استعمال مدة الشهر لإنجاز قانون انتخاب يحظى بالتوافق والقبول من المكوّنات اللبنانية.

حسب رئيس المجلس المهل قبل تحديد موعد الجلسة فالمهل التي يتيحها الدستور لممانعة رئيس الجمهورية بينها المادة 59 التي استعملت امس، وتبقى مهلة الشهر الآخر والأيام الخمسة المنصوص عليهما في المادتين 56 و57 لنشر القانون وردّه، ويكون للمجلس أن يفوز بالتمديد في نهاية ولايته مع العشرين من حزيران إذا فشل السعي لإخراج قانون جديد إلى النور، لذلك يشكل هذا الشهر الفرصة النموذجية للتيار الوطني الحر لتسهيل إنتاج القانون الجديد، منعاً لاستهلاك قدرات رئيس الجمهورية في توفير المزيد من الوقت، قبل وقوع تمديد بلا قانون، يصيب العهد بانتكاسة ويصيب البلد بالإحباط.

بالتوازي مع خطوة رئيس الجمهورية انطلقت محركات السعي التوافقي، وشارك الرؤساء الثلاثة في مساعي البحث عن نقاط التلاقي، ونجحت المشاورات التي توزّعت بين وزارة الخارجية والسراي وعين التينة وبعبدا، والضاحية على الخط دائماً، ببلورة صيغة توافقية مبدئية تستدعي بعض التشاور لبلورة تفاصيلها، تقوم على قانون يعتمد تأهيل عدد من المرشحين بمرحلة أولى يتمّ فيها انتخابهم وفقاً للنظام الأكثري على مستوى القضاء كدائرة انتخابية، ما يمنحهم الحق الحصري بالمشاركة في الدورة الثانية التي تجري على أساس النظام النسبي على مستوى المحافظات، وما بقي للتفاوض والتشاور أمران، الأول هو كيف سيتمّ تحديد المرشحين المؤهّلين، باعتماد مَن يحصل على نسبة مئوية معينة من ناخبي القضاء، أم باعتماد الثلاثة الأوائل الفائزين أم بدمج الاقتراحين باعتماد الثلاثة الأوائل شرط نيل الواحد منهم نسبة معينة. والأمر الثاني هو عدد المحافظات خمس او ست بتقسيم جبل لبنان إلى إثنتين، وبتقسيم الجبل تتشكل المحافظة الجديدة من ثلاثة أقضية لكلّ منها، أو يكون الشوف وعاليه محافظة والباقي محافظة، أو يتمّ الذهاب إلى صيغة تعتمد إحدى عشرة محافظة باعتبار كلّ من الجنوب والشمال والبقاع وبيروت محافظتين، وجبل لبنان ثلاث محافظات، وترك للتشاور أن يحسم هذه النقاط التي أكدت مصادر متابعة أنّ الجميع يتعامل معها بمرونة بنية التوصل لتفاهم يُفترض أن ينضج خلال هذا الأسبوع لينتقل إلى الحكومة فتقرّه، ويذهب إلى مجلس النواب ليبصر النور مع تمديد تقني لستة شهور لتوفير شروط تطبيق القانون.

عون عطّل التمديد بالمادة 59

أفضت الاتصالات المكثّفة التي جرت طيلة يوم أمس بين المقار الرئاسية الثلاثة الى إرجاء جلسة المجلس النيابي التي كانت مقرّرة اليوم، وأبرز جدول أعمالها التمديد للمجلس الحالي، وذلك بإعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل انعقاد المجلس النيابي لمدة شهر واحد، مستخدماً صلاحيته المنصوص عنها في المادة 59 من الدستور، الأمر الذي عطّل جلسة التمديد المقررة اليوم.

وقال الرئيس عون في كلمته التي وجّهها الى اللبنانيين مساء أمس: «قرّرت، تأجيل انعقاد المجلس النيابي مدة شهر واحد، وذلك استناداً الى نصّ المادة 59 من الدستور اللبناني».

.. وبري أرجأ الجلسة

وبعد كلمة عون، أعلن الرئيس بري إرجاء جلسة اليوم إلى الخامس عشر من شهر أيار المقبل، «آملاً التوصل الى صيغة قانون موحّدة تسمح بتمديد تقني ينأى بنا عن الفراغ القاتل والذي يودي بلبنان للانتحار المؤكّد».

وقال بري: «أما وقد استعمل رئيس الجمهورية نص المادة 59 من الدستور التي تُعطيه الحق بتأجيل انعقاد المجلس الى أمد لا يتجاوز شهراً واحداً، فإني مرة أخرى اعتبر هذه الخطوة من فخامة الرئيس التي تستعمل لأول مرة في تاريخ لبنان هي في سبيل تأمين مزيد من الوقت للاستفادة منه بالتوصل الى تفاهم على قانون جديد، طالما نادى الرئيس أن يكون هذا القانون تحت سقف النسبية».

وأشارت مصادر كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» أن «خطوة رئيس الجمهورية منسقة مع رئيسَيْ المجلس والحكومة وجاءت على ضوء تفاوض يوم أمس، بين الرئاسات الثلاث، للبحث عن مخرج مدروس ومناسب لتجنب التمديد. وما بيان رئيس المجلس إلا انسجاماً مع موقف رئيس الجمهورية»، لافتة الى أن «خطوة عون ليست موجّهة الى رئيس المجلس، بل مارس حقه الدستوري وفقاً لرؤيته برفض التمديد»، لكن المصادر أكدت أن «المجلس سيلتئم في جلسة نيابية جديدة في 15 أيار المقبل للتمديد للمجلس تجنباً للفراغ، إذا لم يُقرّ قانون جديد حتى حينه، وفي حال تمّ الاتفاق على قانون عندها يصبح التمديد تقنياً ولمدة محددة لا تتجاوز الستة أشهر»، ولفتت الى أن «خطوة كل من رئيسي الجمهورية والمجلس بتأجيل الجلسة تتيح المجال أمام القوى السياسية لإطلاق جلسات تفاوض جديدة خلال الشهر المقبل للتوصّل الى حل، لأن الفراغ ممنوع وعند تعذر التوافق فالمجلس سيد نفسه وسيتّجه الى التمديد، مرجّحة أن تصل الحكومة الى مشروع قانون توافقي وإحالته الى المجلس النيابي في الأسابيع القليلة المقبلة». وحذّرت المصادر من «لعبة الشارع، لأن الشارع يقابله شوارع ما يؤدي الى اضطرابات أمنية في غنى عنها في الوقت الراهن».

الحريري: سننكبّ للبحث عن «قانون»

وسبقت كلمة عون، زيارة قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري الى بعبدا، وأكد بعد لقائه رئيس الجمهورية «أننا منكبّون على أن لا يحصل أي تمديد في مجلس النواب وموقفنا معروف بالنسبة للفراغ»، معتبراً أن «الفراغ الأكبر هو الفراغ والتمديد سواد».

ولفت الحريري إلى «أنني أعمل مع الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري للوصول الى تفاهمات وسننكبّ للبحث عن حلول لتطمين اللبنانيين». وشدّد على «أننا سنصل لتفاهمات والعمل جار ليل نهار وسنستكمل العمل للوصول لتفاهمات ونصل لقانون انتخاب».

الاحتمالات مفتوحة في 15 أيار

وفي حين استعمل رئيس الجمهورية الورقة الأولى في جعبته الدستورية لتعطيل التمديد ونزع صاعق التفجير في الشارع اليوم، في ما لو عُقدت الجلسة، غير أن الاحتمالات فتحت على مصراعيها، فكيف سيواجه عون التمديد في جلسة 15 أيار المقبل؟ هل ما حصل ليل أمس، هو فقط تأجيل للأزمة السياسية بين أركان الدولة والمواجهة في الشارع التي ستجرّ أحداثاً أمنية، أم فتحت الأبواب أمام الحلول؟ وهل ستكون البلاد على موعدٍ الشهر المقبل مع مشهد شبيه بمشهد الأمس؟

مصادر مطّلعة في 8 آذار قالت لـ«البناء» إن «التمديد سيتمّ في نهاية المطاف والرئيس نبيه بري مُصرّ على ذلك قبل استنفاد المهل الدستورية وندخل في المحظور، والحل بأن تتفق الحكومة على قانون جديد وتقرّه بالثلثين وترسله الى المجلس النيابي قبل جلسة 15 أيار»، ولفتت الى أن «القرار اتخذ على مستوى قيادتي أمل وحزب الله بمنع الفراغ الذي يشكل خطراً ليس على الرئاسة الثانية وحسب، بل على المؤسسات ككل ما يؤدي الى أزمة سياسية ودستورية وميثاقية في البلاد لا يمكن الخروج منها، فلا يمكن المغامرة بالفراغ والقانون لم ينجز بعد»، وأوضحت أن «التمديد للمجلس لا يعني توقف الجهود المبذولة للتوصل الى قانون، لكن تجنب الفراغ تكون خطوة أولى لحفظ الاستقرار السياسي والأمني في البلاد ثم البحث عن صيغة توافقية ترضي الجميع، وعند التوافق عليها يتم تغيير المهل وإجراء الانتخابات النيابية في أي وقت وعلى قانون جديد قبل نهاية مدة التمديد».

وتساءلت المصادر: «لماذا يتمّ تخيير اللبنانيين بين قوانين طائفية مذهبية وبين الفراغ؟ معربة عن استغرابها تهديد بعض القوى السياسية بالشارع لمنع التمديد وهي نفسها التي عرضت في بعض لقاءات المفاوضات التمديد للمجلس سنتين بدلاً من سنة واحدة، وذلك بهدف أن ينتخب المجلس المقبل رئيس الجمهورية المقبل على أساس أن يحصد البعض أغلبية المقاعد المسيحية فيه»، مضيفة أن التمديد تجنباً للفراغ ليس لمصلحة رئيس المجلس بل لمصلحة الوطن. وهو يدرك تداعيات الفراغ التشريعي الكارثية على البلد، فهي أكثر خطورة من الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، وكلنا يتذكّر ما حصل في البلد خلال فترة الفراغ في رئاسة الجمهورية». وتساءلت: لماذا لم يوافق التيار والقوات على النسبية الكاملة؟ مع العلم أن رئيس الحكومة أعلن أكثر مرة أنه لا يعارضها».

«التيار»: سنعود إلى الشارع

وإذ علّق ثنائي التيار والقوات ليل أمس التحرّكات في الشارع بعد قرار رئيس الجمهورية، أكد مصدر قيادي في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن «كلام رئيس الجمهورية أمس، رسم مرحلة جديدة عنوانها رفض مخالفة الدستور وضرب أسس الديموقراطية التي تميّز لبنان ورفع الظلم عن مكوّنات أساسية في البلد وعن معظم الشعب اللبناني». ولفت الى أن المخرج كان توافقياً لتجنيب البلاد مؤقتاً ومواجهة الشارع وكأس التمديد المرّ، واشار الى «أننا علقنا التحرك في الشارع لكن سنعود الى الشارع في جلسة 15 المقبل، إذ سيكون المجلس المدِّد لنفسه للمرة الثالثة أمام مواجهة كبيرة مع الشارع من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني». لكن المصادر توقعت «أن يخرج قانون انتخاب جديد الى النور في أقرب وقت وقبل موعد جلسة المجلس النيابي المقبلة».

وأوضحت «أننا بحاجة الى إصلاح النظام السياسي، إذا إنه يعتمد مبدأين بشكلٍ متضارب، الأول يعتبر اللبنانيين متساوين في الحقوق الواجبات ومن جهة أخرى أعطى الطوائف الحقوق الدستورية لتكون ككيانات خاصة، فكيف نطبّق النسبية طالما نظامنا طائفي؟

ودعت المصادر الى تطبيق الطائف الذي نص على اعتماد نظام المجلسين النواب والشيوخ، وأوضحت أن «رئيس التيار الوزير جبران باسيل حاول من خلال طروحاته الانتخابية أن يطبّق نظام المجلسين داخل المجلس النيابي واعتماد النظامين الأكثري والنسبي كمرحلة أولى على طريق النسبية الكاملة».

وأعلن باسيل في رسالة صوتية إلى مناصري التيار والكوادر «أننا سنرتاح اليوم إلى وقت قصير، لأننا سنبقى جاهزين ومستعدّين لإنهاء العملية هذه وإنجاز قانون انتخاب جديد. وكما وعدناكم ووعدنا اللبنانيين سيكون لدينا قانون انتخاب جديد يعطينا صحة التمثيل بالحد الأدنى ويعطينا حقوقنا».

اجتماعات مكثفة في السراي

وفي غضون ذلك، شهدت السراي الحكومي أمس اجتماعات مكثفة وحركة ناشطة للوسطاء والموفدين بحثاً عن مخرج، واستقبل رئيس الحكومة وفداً من تكتل التغيير والاصلاح برئاسة النائب ابراهيم كنعان بحث في المخارج المطروحة للأزمة الانتخابية. وأكد كنعان أن رفض التمديد لا يعني الفراغ بل يحثّ القوى السياسية بما تبقّى لنا من وقت للانتهاء من إقرار قانون جديد. وتوجّه الوفد الى الضاحية الجنوبية واجتمع مع نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم.

كما عقد في السراي اجتماع لقادة الأجهزة الأمنية خُصص للبحث في الإجراءات التي يجب اتخاذها بالتزامن مع الجلسة التشريعية التي كانت مقرّرة اليوم. وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن «قوى الأمن الداخلي على جهوزية واستعداد تام، وستكون في محيط دور العبادة لعدم تكرار ما حصل بمصر وتمّ الاتفاق على حماية حرية الناس في التعبير عن رأيهم، وكان هناك قرار واضح لمنع تسكير الطرق الدولية ومنع الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة».

وأوضح المشنوق أن «الاتصالات ستبقى جارية حتى اللحظة الأخيرة، والمساعي إيجابية، ويمكن أن تصل الى إيجابية أكثر بعد رسالة رئيس الجمهورية الليلة».

هدوء في عين الحلوة.. وانتشار القوة الأمنية

وعلى صعيد آخر، تمكّنت القــوة الفلسطينية المشتركة أمس، من دخول محاور الاشتباك في مخيـم عين الحلوة تتقدّمها قيادة من حركــة فتـح وحركة حماس وحركة الجهاد ومســؤول القوة المشتركة.

وبعد اجتماع ترأّسه قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنــان اللواء صبحي أبو عرب، الذي أكد أن «القوى المشتركة الفلسطينية قد استكلمت انتشارها في حي الطيرة من دون أي عوائق، وأن الأمور تسير في مجراها الطبيعي»، معلناً أن «بلال بدر ومجموعته قد تمّ تفكيكها ولا عودة الى الوراء».

وساد الهدوء التام عين الحلوة ليل أمس، بعد خروق صباحية. وأكدت مصادر فلسطينية أن «عناصر من القوة الأمنية المشتركة تموضعوا داخل حي الطيرة في أحد المنازل وأقاموا حواجز».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى