مختصر مفيد فشل الرهان الأميركي على الصدم والترويع
يدرك الأميركيون حدود الهوامش التي يمتلكونها لحرب في سورية، بل حتى لضربات منتقاة. فالوجود الروسي يشكل عاملاً مانعاً دون حرية الحركة وعاملاً مساعداً لإخفاء وحماية المقدرات الاستراتيجية للجيش السوري في أسوأ الأحوال. ويمكن للتحدي الأميركي أن يفتح باب تزويد روسيا لسورية بما يلزم لتتسع رقعة الحماية وتصير الحماية سورية بدلاً من ان تكون محصورة بما توفره روسيا، أيّ بما يصير بيد سورية نفسها.
وهذا ما حدث، هذا عدا أنّ القيادة العسكرية ذاتها هي التي قالت للرئيس السابق بمحدودية الخيارات، وأنها قادرة على توجيه ضربة معنوية لمرة واحدة، لكن نتائجها غير مضمونة، وستشكل بداية التورّط في حرب استنزاف سرعان ما تتحوّل لحرب شاملة لا تُعرف نهاياتها، وقد تصل لتصير حرباً مع روسيا، وخطراً بتفجير المعادلات الإقليمية فيكون للنفط وإسرائيل نصيبهما.
الرهان الوحيد، هو على مفعول الضربة اليتيمة قبل التراجع عن تكرارها، ذات فعالية نوعية. وهذا يتوقف على مفعولها بمفهوم الحرب النفسية، وليس بمعيار الحرب الواقعية، وقد سبق للأميركيين ان أطلقوا تسمية الصدم والترويع على حملات نفذتها جيوشهم. والمقصود هنا هو نجاح الضربة في التسبّب بإنهيار معنوي في جبهة حلفاء سورية، والتهيّب لمخاطر مواجهة أكبر فيقبلون ما كانوا ييرفضونه من قبل، وبالتوازي نجاحها في زعزعة معنويات القيادة السورية ودفعها لتنازلات جوهرية خشية ما هو أعظم. وكل من هذين التطورين مرتبط عضوياً بمفعولين في الميدان، الأول في قلب اتجاه التوازن بين الجيش السوري والجماعات المسلحة فتظهر الانهيارات في الجيش وإمساك زمام المبادرة بانتصارات متدحرجة للجماعات المسلحة. والثاني في دبّ الذعر وسط الشعب وترجمة ذلك بحملات نزوح يهيم فيها السوريون على وجوههم قاصدين المعابر الحدودية بأمواج بشرية هرباً من الجحيم الآتي.
كانت الساعات الأولى بعد الضربة كافية ليكتشف الأميركيون أن شيئاً من المتوقع لم يحدث، وأنهم يجنون الثمار السلبية للتورط بالخيار العسكري، وأن تعطيل مفاعيل التنامي السلبي لها يستدعي الوصل السريع مع موسكو، وقبول الشرط الروسي بالتعهّد بجعلها آخر الضربات والتصرفات المنفردة، والسعي لتسييل المناخ الحار بالعودة للتفاهمات عبر الحصول على الاتفاق المتاح. فكان التفاوض على التحقيق وشروطه في سورية وعلى الملف الكوري الشمالي النووي، وفي الحالين مقابل التعهد الأميركي بالإقلاع عن التلويح بالخيار العسكري والتزام روسي أميركي بالحل السياسي.
انتهى زمان الصدم والترويع. .
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.