الاستفتاء الرئاسي يُقسِم الأتراك نصفين وأردوغان يخسر المدن الكبرى ماراتون قانون الانتخاب محكوم بحتمية التمديد… بدلاً من سيف الفراغ
كتب المحرّر السياسي
تبدو سورية رغم الكلام الأميركي الكثير والكبير عن نيات التغيير والتصعيد، أبعد من منح واشنطن الفرصة التي أرادتها لاستعادة اللعب فوق صفيحها الساخن، فالتوازنات حاكمة وحاسمة، وما لم يغيّره التوماهوك، لن يغيّر فيه سواه، والكلام ينفيه كلام، وقد صار اسم التغيير المفاجئ في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، موهبة المرونة المذهلة، ولو تضمّن انقلاباً على المواقف.
تتقدّم كوريا وتستقطب الأضواء، ومعها الحشود والأساطيل والصواريخ العابرة، حيث تتقابل وتتفاوض الدول الثلاث الكبرى بعدما تحوّل وجود بريطانيا وفرنسا في صفوف الكبار ظاهرة صوتية. ومثلما احتلت المانيا من خارج الخمسة الكبار لقب الزائد واحد في الملف النووي الإيراني، تبدو اليابان مرشحة لدور شبيه من خارج الثلاثة الكبار في الملف النووي الكوري، حيث يمكن الخروج للجميع بصيغة رابح رابح، الصيغة التي لم تعد ممكنة في سورية. ففي كوريا يمكن لنزع السلاح النووي ببرنامج تنمية مغرٍ مالياً لكوريا الشمالية وضمانات أمنية روسية صينية أن يحقق الربح المتساوي.
في الشرق تبدو تركيا الجرح الجديد الذي فتحه رئيسها رجب أردوغان بتوظيف الالتفاف الواسع حول حكمه بعد الانقلاب إلى انقسام أوسع حول تعديل الدستور، فانقسم الأتراك نصفين، ولما أغلقت الأبواب أمام حلول دستورية عاد الشارع ساحة للمواجهة، وفتحت تركيا على الاحتمالات كلّها، والحزب الحاكم قد تجرّد من نقاط قوّته التي ظهرت في الانقلاب بقوة الحضور في شارع حيوي حاضر في المدن الكبرى، حيث تُصنع السياسة، وهذا ما جاءت نتائج الاستفتاء لتقول إنه زمن انتهى بعدما خسر حزب العدالة والتنمية تأييد اسطنبول معقله التاريخي، وخسر معها أنقرة رغم تحالفه مع حزب الحركة القومية، وأزمير التي كانت وتجذّرت كمعقل لحزب الشعب الجمهوري المعارض، بينما تعمّقت الخسارة بين الأكراد.
لبنانياً، يبدو الماراتون الانتخابي في الكواليس وعلى الطاولة في سعي دؤوب للوصول لخط النهاية قبل حلول الأجل الدستوري في منتصف شهر أيار المقبل. وبعدما توضحت الخلفيات والمنطلقات، وغاب البحث عن قانون عصري يؤسّس لدولة المواطنة، وصارت المعايير الفئوية الحزبية والطائفية ظاهرة وعلنية، صار البحث عن تسوية لا عن حلّ، تسوية كان يبعدها شعور بأنّ الفراغ سيف مسلّط على رقاب فريق، وتبدو ممكنة بعدما صار التمديد داهماً، إذا انقضت المهلة ولم يولد القانون. وكما كان في الفراغ رابح وخاسر فرضتهما المواقف المؤيدة والمعارضة، في التمديد رابح وخاسر يفرضهما التأييد والمعارضة، ما يجعل الخاسرين من التمديد أشدّ حراكاً نحو التسوية التي كان الاطمئنان لسلاح الفراغ يُبعدهم عن مقتضيات السعي الحثيث نحوها وتقديم التنازلات التي تقتضيها، بانتظار أن يقدّمها الخائفون من الفراغ.
مشاورات إنتخابية تخرق الجمود السياسي
فرضت عطلة عيد الفصح نفسها على المشهد السياسي باستثناء بعض المشاورات الانتخابية التي خرقت الجمود الذي خيّم على ملف قانون الانتخاب، لكن وفق معلومات «البناء» فإن جولة مفاوضات جديدة بعيدة عن الأضواء قد انطلقت منذ الأمس وستستمر حتى 15 الشهر المقبل موعد الجلسة النيابية التي حددها رئيس المجلس نبيه بري ويتمحور النقاش حول صيغتي التأهيل، الأولى التي قدّمها الرئيس بري والثانية رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل. لكن لا يبدو في الأفق بوادر اتفاق على قانون انتخاب جديد في ظل المعطيات القائمة من جهة وضيق المدة الزمنية المتبقية قبل الجلسة المقبلة من جهة ثانية.
وإذ لم توجَّه دعوة الى جلسة لمجلس الوزراء حتى الآن، ولا اجتماع للجنة الوزارية المكلفة إعداد مشروع قانون، قالت مصادر وزارية في 8 آذار لـ«البناء» «إننا لم نتبلّغ أي دعوة لجلسة وزارية هذا الأسبوع، لكن يمكن أن يتمّ تحديد جلسة في حال حصلت مستجدّات على صعيد قانون الانتخاب. وهذا رهن المشاورات التي تكثّفت على أكثر من خط بين القوى السياسية».
وأوضحت المصادر أن «المشروع التأهيلي لا يزال محور نقاش وضمن المشاريع المطروحة»، ورفضت تحديد مواقيت ومهل للتوصل لصيغة توافقية لأن ذلك مرتبط بالمشاورات القائمة ونيات القوى وإراداتها كافة، لأن مسألة إقرار قانون انتخاب تتمّ بالتفاهم بين مكوّنات البلد».
وإذ لفتت الى ضرورة إقرار قانون جديد وإجراء الانتخابات على أساسه، أكدت المصادر أنه «لا يمكن في الوقت نفسه ترك المؤسسات تسير نحو الفراغ في ظل الظروف الراهنة».
باسيل: لا استقرار دون قانون
ورسم الوزير باسيل معالم المواجهة المقبلة، بقوله إن «لا استقرار في البلد من دون الوصول إلى قانون انتخابي جديد، فنحن لا نريد أن نترك حجة أو وسيلة، ونريد كشف النيات كلها كي نعرف ما إذا كان نفعله يستهدف أحداً»، وجدّد تمسّك تكتل التغيير والإصلاح باللاءات الثلاث: لا للستين والفراغ والتمديد، وأضاف بعد اجتماع التكتل: «تابعنا الاتصالات حول الموضوع التأهيلي، وأخذنا التأكيدات اللازمة من الأفرقاء الأساسيين في البلد، وهذا القانون ليس جديداً، فكل القوى السياسية على اطلاع لا سيما القوات اللبنانية التي نحرص على اطلاعها على التفاصيل كلها، فهناك من يريد إيقاف تحسين التمثيل في المعركة التي يقودها التيار الوطني الحر، ونحن لن نتراجع تحت أي ضغط».
وقد برز تباين واضح في الساعات الماضية على خط الرابية – معراب حيال مشروع التأهيل، فقد أكدت مصادر نيابية في حزب القوات لـ«البناء» أن «لا تقدّم على صعيد قانون الانتخاب حتى الآن، مستبعدة التوصل لنتيجة قبل جلسة 15 أيار»، وأوضحت أن القوات لم توافق على التأهيل حتى الآن ولم تعط وعوداً في هذا السياق، بل قدّمت ملاحظات عدة تتعلّق بوضع تقسيمات جديدة واعتماد الصوت المقيّد داخل القضاء والتواصل والنقاش مستمران مع التيار حول الأمر».
وطمأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اللبنانيين الى أنه «سيكون هناك قانون جديد للانتخابات النيابية، وذلك بعد خلوة جمعته بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الصرح البطريركي في بكركي»، وقال عون: «نأمل أن يطمئن اللبنانيون للمستقبل وأن يكون لبنان مستقراً ويعود الى موقعه الأساسي ليبقى واجهة الشرق وحامل رسالة السلام، لأنها مهمته الأساسية».
«المستقبل»: لا للطروحات الطائفية
على جبهة المستقبل، لا يبدو المشهد أكثر وضوحاً، مع إعلان تيار المستقبل رفضه مشروع باسيل التأهيلي بشكل غير مباشر، حيث أكّدت كتلة المستقبل بعد اجتماعها الأسبوعي برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أن «الكتلة ترفض الطروحات التي تؤدي إلى الفصل والانقسام الطائفي والمذهبي»، داعية الى «التوصل لصيغة وطنية لقانون انتخاب جديد يستند الى القواعد الأساسية التي قام عليها واستند إليها اتفاق الطائف، أي التأكيد على قانون يدفع باتجاه تعزيز الوحدة الوطنية اللبنانية ويحترم العيش المشترك الاسلامي المسيحي ويحرص على اعتماد الصيغ والأساليب التي تجمع اللبنانيين وتعزز من تلاحمهم وانصهارهم مع بعضهم بعضاً».
وأشارت أوساط نيابية في المستقبل لـ«البناء» أن التواصل الانتخابي عاد الى زخمه، لكن النقاش لم ينته ولا اتفاق على صيغة نهائية حتى الآن والرهان على الأيام المقبلة للوصول الى نتيجة إيجابية، لذلك لم تتم الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء ولا اللجنة الوزارية لمنح القوى مزيداً من الوقت لاستكمال النقاش».
ونفت المصادر أن يكون المستقبل قد أبلغ باسيل موافقته على مشروع «التأهيل الباسيلي» قبل تأجيل الرئيس عون الجلسة النيابية، متساءلة: هل وافقت القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي على مشروع التيار الوطني الحر كي نوافق نحن؟ وأوضحت الأوساط أن «المستقبل لا يعارض النسبية على 15 دائرة، فالرئيس سعد الحريري قدّم الكثير من التنازلات ومستعد لتقديم المزيد في سبيل التوافق على قانون»، وأكدت الأوساط أن «قرار المستقبل والرئيس الحريري هو منع الفراغ النيابي وفي حال وصلنا الى 15 أيار من دون إقرار قانون جديد، سنذهب الى المجلس النيابي ونصوّت على التمديد ولا يمكن أن نقبل بالفراغ».
ولفتت الى أن «لرئيس الجمهورية الحق في استعمال صلاحياته الدستورية كلها لمواجهة التمديد، لكن في المقابل المجلس سيمارس دوره وصلاحياته ايضاً في منع الفراغ، واستبعدت العودة الى خيار الانتخابات على قانون الستين لرفض عون ذلك، وهو الذي أعلن في وقت سابق أنه إذا خيّر بين الستين والتمديد والفراغ، فسيختار الفراغ».
كما حذّرت الأوساط من «أننا سندخل في أزمة سياسية الشهر المقبل إذا لم يُقرّ قانون جديد، لكنها استبعدت أن تنزلق الأمور الى أحداث أمنية أو فتنة أهلية ليست في صالح أحد».