صباحات

صباح التوقف عن العبث بالعقول والتلاعب بالمفردات. فحروب الأعصاب والغرائز وإثارة العصبيات لا تصنع قانوناً ولا تُجري انتخابات. حرب الصناديق عندما تصير وجهاً من وجوه الحرب الأهلية لا تعني تمدّناً ولا سياسة ولا تغييراً ولا إصلاحاً. من يجرؤ على التنافس ببرامجه وينال أصواتاً من غير بني قومه ودينه وطائفته ومنطقته يمثّلني. آن الأوان لتفتحوا حدود العلب المغلقة وتدعوا الوطن يتنفس في الهواء الطلق. فاللبنانيون راشدون ويحسنون الاختيار متى رفعتم سيف التهديد بالفناء الطائفي عن رؤوسهم.

قولوا لهم ما تعرفونه من أنه في زمن سلاح المقاومة لا خطر على أيٍّ من المكوّنات من حروب الماضي. وأنكم تهربون للطائفية متى ترتضون لعبة السلطة، لا معادلة الدولة. طبيعة السلاح تكشف طبيعة الحرب.

صباح اليمن الذي أثبت أن العين تقاوم المخرز، وأن الشعب أقوى من القدر.

صباح الصبر سلاحاً عابراً للزمان والمكان، لا تملك التقنيات صواريخ لإسقاطه.

صباح الجياع يقاومون المتخمين ويسجّلون النصر. صباح الغد الذي تهتزّ فيه العروش بقبضات الفقراء والبسطاء والمظلومين. عروبة تقاتل عروبة، عروبة تتمسّك بفلسطين، وعروبة تحالف «إسرائيل»! الأمعاء الخاوية تسند الأمعاء الخاوية، والمتخمون يتصافحون بكروشهم. صباح الغد يصنعه الصابرون والغد لناظره قريب.

لفلسطين يطيب الصباح حيث لم يعد لوهم الانتظار مكان. لا عرب ينتظرهم أهل القدس وقد اجتمع أموات في بحر ميت. لا تفاوض يعنيهم ومخدّر الوقت بات بلا مفعول. لا وحدة الفصائل هي القضية فوحدتهم لا تسمن ولا تغني عن مقاومة. ووحدة تقاسم المناصب والأدوار لن توقف الاستيطان ولا التهويد. لا بحث عن حزب وقيادة. يكفي أن من قال سنكون حيث يجب أن نكون واجتاز الحدود لأجل سورية، لن يتردد عن فعلها لأجل فلسطين.

قالت فلسطين لا وقت لديّ للانتظار ولا شيء يستحق الانتظار… صباح المقاومة.

يطلّ الصباح من تعب الناس وتنهّدات أمهات الشهداء وعذابات الانتظارات المستحيلة. ويطلّ الصباح من عرق الجنود حرّاس العزّة والكرامة ودمائهم وبطولات تحكي للتاريخ. ويطلّ الصباح من حكاية شعب أسطورة غيّر الزمان ولانت له القمم وهانت أمامه الهمم. يمتزج في الصباح شعاع الشمس برطوبة نسيم فوّاح بالياسمين وعرق المتعبين في الصباح، رغم التعب حيّ على خير العمل. يختلط في الصباح الحزن بالفرح والملل بالأمل، إنما النصر صبر ساعة وقد ظفر من صبر.

في صبيحة الأعياد نستعيد كلام البابا يوحنا بولس الثاني زائراً لسورية عام 2000: يدور حديث العالم عن حوار الثقافات والأديان، وأنتم أيّها السوريون تعيشون هذا الحوار كلّ صباح، وأنتم تذهبون معاً إلى الحقول والمدارس والمصانع وقد تعرّفتم إلى بعض على مدى مئات السنين كسكان أصليين لبلادكم. هنيئاً لكم فرح الحياة وحوار الحياة. كلّ سنة وأنتم بخير مسيحيين ومسلمين في عيد قيامة السيد المسيح، وتذكروا أنهم يتآمرون عليكم لأنكم صورة الحوار الذي جعله الله جوهر الأديان.

الصباح للشهداء المظلومين في تفجير الراشدين، وللطفولة المغدورة بأكاذيب صمت السياسة والإعلام. الفوعة وكفريا حكاية عذاب الإقامة والرحيل، الدم الحزين يلاقي المسيح في يوم القيامة.

سيطلع صباح سورية ويحاكم بنور الشمس كلّ المنافقين والمتاجرين والقتلة. ستبقى حدقات عيون الأطفال وأشلاؤهم تحدّق في العيون التي ادّعت في خان شيخون أنها بكت للطفولة، وتسأل عن الدمع الكاذب. لن يتوقف قطار النصر عن التقدّم رغم عظيم الألم. الصمت في حضرة الشهداء يخرق جدار الصمت عن الجريمة.

الصباح لشعب تركيا الذي نصفه في المعتقلات ونصفه ممنوع من الكلام، وذهب نصفه للتصويت ضدّ السلطان. الصباح ليس بعيداً عن إشراقة تنهي الظلم والظلام، وقد بدأت مسيرة الألف ميل. فقد قال أردوغان إنه انتصر لكنه نصر بطعم الهزيمة. الاستفتاء في تركيا بفارق 11 في المئة رغم التحالف مع الحركة القومية وكل إجراءات التطهير والقمع والتزوير. يعني أن زمن الأخوان في تركيا يقترب من النهاية. صار السلطان عبئاً ثقيلاً على مشغّليه، ودنت لحظة التغيير. ليس الصبح ببعيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى