الحركة الأسيرة جزء أصيل من الحركة الوطنية الفلسطينية

رامز مصطفى

شكلت قضية الأسرى وعلى مدار عقود الصراع مع العدو الصهيوني، عنواناً محورياً في النضال والكفاح الوطني الفلسطيني، وقضية إجماع فصائلي وشعبي حولها وعليها، لما مثلته الحركة الأسيرة من قيم نضالية كجزءٍ أصيل في الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث تمكنت من تحويل السجون الصهيونية إلى مدارس ومعاقل كفاحية خرّجت الآلاف من المناضلين والمقاومين والقادة الذين تقدّموا صفوف حركتنا الوطنية الفلسطينية في مراحل نضالية وكفاحية مختلفة بعد أن نظموا صفوفهم ولجان عملهم وأطرهم القيادية داخل السجون. ولعلّ الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية في أعوام 1987 و 2000 خير شاهد على الأثر البالغ لتلك الحركة الأسيرة في تحريك الشارع الفلسطيني وقيادة الانتفاضة، فقد تنامى دور حركتنا الأسيرة واشتدّ ساعد نضالها في غياهب تلك السجون التي أراد من خلالها العدو الصهيوني أن تكون مقبرة لخيارات مناضلينا ومقاومينا وقادتنا في الاستمرار على طريق المقاومة، وتحويلهم من خلال إجراءاته التعسفية والقمعية إلى مجرد فئاتٍ هامشية ومهمّشة وعالة على المجتمع الفلسطيني المقاوم.

ولم يقتصر دورها على ذلك بل تعدّاه إلى مساهماتها الجادّة في طرح رؤيتها في الشأن الفلسطيني خصوصاً بعد الانقسام الحادّ الذي تعاني منه منذ العام 2007، وكيفية الخروج من مأزقه عبر الوثيقة التي سمّيت بـ«وثيقة الأسرى».

مع إحياء يوم الأسير الفلسطيني في السابع عشر من نيسان، بدأ 1600 أسير إضراباً مفتوحاً عن الطعام، في خطوة ذات دلالة بالغة من حيث توقيتها وما تهدف إليه من تحقيق مطالب تتعلق بتحسين ظروف اعتقالهم. ففي التوقيت أتى الإضراب على مسافة زمنية قصيرة من لقاء رئيس السلطة السيد محمود عباس مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وكأنّ ثمة رسالة تحمل وجهتين، الأولى رسالة أراد أن يحملها رئيس السلطة إلى لقائه المرتقب أوائل أيار المقبل مفادها أنّ قضية الأسرى وما تمارسه «إسرائيل» بحقهم من تعذيب وتنكيل لم يعد مسموح أن يستمرّ ويجب توقفه وإنهاء منحة هؤلاء الأسرى بما يحقق نيل حريتهم وعودتهم إلى عوائلهم وقراهم وبلداتهم. وفي الثانية مطالبة رئيس السلطة بالتوقف عن رهاناته الخاطئة، وفي ضرورة عدم الخضوع لأية ابتزازات أو ضغوط أميركية تدفعه إلى الذهاب للمفاوضات من دون أية شروط، وخصوصاً تلك التي رسمها سابقاً كشرط لاستئناف تلك المفاوضات. أما في الأهداف التي وإنْ بدت مطالب تتصل بتحسين ظروف اعتقال الأسرى، وإطلاق سراح ذوي الإعاقات والأمراض المستعصية. إلاّ أنّ تلك المطالب تحمل أبعاداً سياسية ووطنية يقع في أولها الرفض المطلق للاحتلال وضرورة التخلص منه، وثانيها إعطاء دفع جديد للانتفاضة التي ستجد في إضراب الأسرى حافزاً إضافياً لرفع وتيرة الانتفاضة، وثالثها تحقيق ما عجزت عنه الفصائل من إنهاء للانقسام البغيض، من خلال وحدة الحركة الأسيرة حول إضرابهم المفتوح، في خطوة تكاملية بين انتفاضتين، انتفاضة الأسرى والانتفاضة الثالثة انتفاضة القدس . وبذلك تخوض حركتنا الأسيرة اليوم، بأمعاء أبطالها الخاوية أشرس معركة وأقساها مع إدارة مصلحة السجون في الكيان الصهيوني، التي تعمد إلى تطبيق إجراءات تعسفية وحشية لا إنسانية تتعدّد أساليبها وطرقها، ولكن هدفها واحد كسر إرادة المناضلين والمناضلات من أبناء شعبنا داخل أقبية سجونها، حيث التعذيب والعنف الجسدي الغرامات المالية والعقوبات الجماعية، والاعتقال الإداري، والحرمان من الزيارات، وعدم تجميع الأسرى الأشقاء مع بعضهم البعض، والإهمال الطبي وعزل الأسرى واقتحام غرفهم وتفتيشها بشكل استفزازي ومصادرة الممتلكات واستخدام الكلاب أثناء عمليات التفتيش، وقلة الطعام وغلاء أسعارها في الكانتين رغم سوء جودتها، والحاجز الزجاجي الإضافي على شبك الزيارة – منع دخول الأغراض الشخصية للأسرى، والتضييق عليهم في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية إلخ… تلك الممارسات الإجرامية ليس أقلّ ما يُقال فيها إنها تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا سيما معاهدة جنيف الرابعة.

مع اتساع رقعة أعداد الأسرى المضربين عن الطعام يجب التنبّه إلى ما تحاول «إسرائيل» ووسائل الإعلام لديها من استخدام وبث الشائعات البائسة بهدف الإيقاع بين قيادات الأسرى من جهة، وبين القيادات والأسرى أنفسهم من جهة أخرى. وبالتالي عدم السماح باستغلال قضية الأسرى وإضرابهم لأية مكاسب فصائلية ضيقة، أو سياسية من خارج مطالب الحركة الأسيرة، التي وجدت «إسرائيل» نفسها في مواجهة حقيقية مع تلك الحركة التي أبدعت واجترحت أساليب نضالية أرغمت العدو الخضوع لمطالب الأسرى. فالواجب الأخلاقي والإنساني قبل الوطني يحتم على جميع الفصائل ونخب الشعب الفلسطيني الالتفاف حول الإضراب المفتوح للأسرى ونصرتهم ومساندتهم، خصوصاً في ظلّ حالة النكران والتخلي التي تعيشها القضية الفلسطينية من قبل نظام رسمي عربي أخذ على عاتق العديد من دوله مهمة تغيير الأولويات بما يُتيح لـ«إسرائيل» أن تستفرد بالقضية الفلسطينية وعناوينها الوطنية.

الأسرى جزء لا يتجزأ من نسيجنا الاجتماعي والوطني. لذلك قضيتهم يجب ستبقى محورية في نضالات شعبنا. وكما عجز العدو الصهيوني في سياق صراعنا الطويل معه أن يتمكّن من كسر الإجماع الفلسطيني حول قضية الأسرى، يجب أن تكسر كلّ إجراءاته ومحاولاته الهادفة إلى الالتفاف على مطالب أسرانا، وإخضاعهم لإرادته التي لن تجد طريقاً لها عند إرادة أسرانا التي ستنتصر في نهاية المطاف.

كاتب وباحث سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى