الاستقطاب حول «أوروبا والعولمة» أو «الهوية الوطنية»: بدء المبارزة بين ماكرون ولوبان
ينطلق إيمانويل ماكرون المؤيّد لأوروبا من موقع المرشح الأفضل حظوظاً للفوز في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 7 أيار المقبل، متقدّماً على القومية مارين لوبان المعادية للعولمة، في وقت بدأت تتشكل «جبهة جمهورية» لقطع الطريق أمام اليمين المتطرّف.
واستأنفت مارين لوبن التي حققت أفضل نتائج لها في الأرياف والبلدات الصغيرة والمناطق التي عانت من عواقب العولمة، حملتها منذ صباح أمس مع زيارة إلى شمال فرنسا.
وفي وضع غير مسبوق في فرنسا ومنذ نشوء الجمهورية الخامسة عام 1958، أسفرت الدورة الأولى من الانتخابات التي تميّزت بمشاركة كثيفة ناهزت 80 في المئة، عن خروج الحزبين الكبيرين اليميني «الجمهوريون» واليساري «الحزب الاشتراكي» من الشوط الأخير من السباق إلى قصر الإليزيه، مع بروز مرشحين على طرفي نقيض أحدهما عن الآخر أوصلتهما رغبة الفرنسيين في تجديد الحياة السياسية في بلادهم.
في ختام حملة انتخابية حافلة بالمفاجآت استمرت أشهراً عدة، تصدّر الوسطي إيمانويل ماكرون 39 عاماً نتائج الدورة الأولى الأحد حاصداً 23,75 من الأصوات، فيما حلّت زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن 48 عاماً في المرتبة الثانية بحصولها على 21,53 من الأصوات، محققة نتيجة تاريخية لهذا الحزب وصلت إلى سبعة ملايين صوت، بحسب النتائج النهائية.
وقال ماكرون مخاطباً أنصاره المتجمّعين مساء الأحد في باريس «بدلنا خلال سنة وجه الحياة السياسية الفرنسية».
ورأى المحلّل لدى مصرف «دويتشه بنك إيه جي» في نيويورك سيباستيان غالي أنّ «النتيجة التي حققها وزير الاقتصاد السابق وتوقّعات فوزه بعد تجيير الأصوات المرتقب لصالحه من أجل قطع الطريق على اليمين المتطرف»، وتابع أنّ «هذا السيناريو المثالي الذي كانت الأسواق تحلم به يائسة، بعد تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي في حزيران ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض معتمداً برنامجاً يقوم على الحمائية».
ونوّهت لوبان أمام مناصريها بنتيجة «تاريخية» غير مسبوقة، بحصولها على 7,6 ملايين صوت بحسب النتائج شبه النهائية، بعدما كانت جميع استطلاعات الرأي منذ 2013 تتوقّع تأهلها إلى الدورة الثانية.
وسجل المحافظ فرنسوا فيون، هزيمة مذلّة بعدما وجّهت إليه التهمة في قضية وظائف وهمية انعكست على حملته، وحلّ في المرتبة الثالثة مع 19,91 من الأصوات، متنافساً مع زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون الذي حقق اختراقاً قياسياً بعد حملة خارجة عن الأنماط المعروفة تمحورت حول إعادة ترتيب مؤسسات الجمهورية.
أما الاشتراكي بنوا آمون، فوصف بنفسه نتيجته بأنها «كارثة»، إذ لم يجمع سوى 6,35 من الأصوات في ختام ولاية رئاسية اشتراكية مستمرّة منذ خمس سنوات.
وماكرون الذي لم يسبق أن تسلّم أيّ منصب منتخب، في موقع جيد لخلافة الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولاند، حيث سيصبح أصغر الرؤساء سناً في تاريخ الجمهورية بمن فيهم لوي نابوليون بونابارت «1808-1873».
ودعت غالبية الطبقة السياسية الفرنسية سواء من اليمين أو من اليسار، وخصوصاً فرنسوا فيون وبنوا آمون، إلى «تشكيل حاجز» بوجه اليمين المتطرف.
وشدّد تييري سولير المتحدّث السابق باسم فيون أمس، على أنّ «الفرنسيين سيرتكبون خطأ أخلاقياً إن لم يقطعوا الطريق على اليمين المتطرف».
وقالت لوبان الداعية إلى إغلاق الحدود والخروج من اليورو وتعليق الهجرة، إنّ «الرهان الكبير في هذه الانتخابات هو العولمة العشوائية التي تشكّل خطراً على حضارتنا».
وأضافت متوجهة إلى أنصارها «إما أن نكمل على طريق الإزالة التامة للضوابط، وإما أن تختاروا فرنسا».
أما إيمانويل ماكرون، فأكد أنه يحمل «صوت الأمل» لفرنسا ولأوروبا، مؤكداً عزمه على أن يكون «رئيس الوطنيين في مواجه خطر القوميين».
وستكون المبارزة في 7 أيار حول برنامجين على اختلاف تام في العديد من المواضيع كالانفتاح مقابل الانغلاق، والهوية الوطنية مقابل التعددية، والليبرالية مقابل الحمائية، غير أنّ الاستقطاب الحقيقي فيها سيكون حول موضوعين محوريين هما «أوروبا والعولمة».