الاعتداء الأميركي وحسابات البيدر الصهيوني
عبد الحكيم مرزوق
كثيرة هي التحليلات التي خرجت بعد الاعتداء الأميركي على مطار الشعيرات في حمص، وتنوّعت العناوين التي اجتهدت بالتحليل وقراءة ما حدث من وجهات نظر مختلفة، ولعلّ من أهمّها عنوان طويل انتهى باستفسار مفاده: هل تكون تلك الضربة الأميركية بداية الخروج الفعلي من الأزمة السورية، وعنوان آخر يحمل بعض التفاؤل وانصبّ على: ضربة أميركية دعائية وبوادر تلوح بالأفق بأنّ نهاية داعش والنصرة باتت وشيكة، وهناك عناوين أخرى لم تخرج عن إطار الإشارة إلى إرباك في الإدارة الأميركية قبل وبعد الاعتداء، فهل هناك إرباك وهل هناك جنون، وعدم تقدير عند الإدارة الأميركية وعند رئيسها المنتخب دونالد ترامب؟
من الواضح أنّ الإدارة الأميركية ومنذ سنوات تبدو مثل الزئبق لا يمكن أن نأخذ منها أيّ تصريح على محمل الجدّ، على الرغم من أنها أعظم دولة في العالم، فأية قضية نسمع عنها عدة تصريحات. وكلها تناقض بعضها بدءاً من الحرب على داعش وانتهاءً بالقضايا الأخرى ومنها الحرب الكونية على سورية.
فالإدارة الأميركية ومنذ أيام رئيسها السابق باراك أوباما كانت تقدّم عدة تصريحات غير فاعلة على أرض الواقع، ولعلّ أهمّها الحرب على داعش، فالإدارة الأميركية هي من أوجدت ورعت وغذت داعش فكيف ستقضي عليه وتحاربه؟ وهناك تصريحات أكثر تصبّ في إيجاد حلّ للحرب الكونية على سورية، ولكن في الواقع الإدارة الأميركية لا تريد أيّ حلّ سوى استمرارها لأنّ هذا يخدم مصالحها ومصالح الصهيونية في إضعاف الدولة السورية.
وضمن هذا الإطار جاء دونالد ترامب ليكمل المسرحية الأميركية التي لا تريد أيّ حلّ على الرغم من التصريحات النارية التي أطلقها قبل مجيئه إلى البيت الأبيض وأثناء حملته الانتخابية، والتي قال فيها إنه سيقوم بتغيير كلّ سياسات الإدراة الأميركية خارجياً كما داخلياً وعدم مواجهة روسيا وبأنّ سورية هي ساحة التفاهمات مع الروس وكذلك الأمر في ما يخصّ الملف الإيراني.
نحن نتفهم أنّ تلك التصريحات هي مجرد فقاعات إعلامية لكسب الرأي العام في الداخل الأميركي وفي الخارج، ولكننا ندرك تماماً أنّ ترامب لن يخرج من جلده، ولن يحقق شيئاً على أرض الواقع، وسيكون مثله مثل غيره من الرؤساء الأميركان الذين لا ينفذون رغباتهم وأمنياتهم بل رغبات وأمنيات وسياسات الإدارة الأميركية التي يهيمن عليها الصهاينة ويمنعون أيّ رئيس يمكن أن يكون له دور إيجابي في المنطقة العربية وعلى هذا فإنّ التصريحات التي سبقت الاعتداء الأميركي على مطار الشعيرات كانت إيجابية وتقول بأنّ وضع القيادة في سورية هو شأن داخلي وقد كرّرت بريطانيا بعد أيام تلك التصريحات الأميركية مؤكدة ما ذهب إليه وزير الخارجية الأميركي ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بهذا الشأن.
بات واضحاً أنّ الإدارة الأميركية إذا قدّمت تصريحات إيجابية في وقت ما فهذا يعني أنّ هناك ما تخبّئه للمنطقة لأنه لم يمض وقت طويل حتى تراجعت الإدارة الأميركية عن كلامها أو ربما هناك من أوجد تلك الأسباب داخل الإدارة لأنه لا يريد الاستقرار والهدوء في المنطقة إذ سرعان ما صدرت الاتهامات باستخدام سورية للسلاح الكيميائي بعد هجوم الجيش السوري على مستودع للأسلحة للإرهابيين في خان شيخون، وهو اتهام باطل وزائف أثبتته الوقائع في الميدان، ولكن الإدارة الأميركية ومن داخلها لا يهمّها الوقائع بل يهمّها تنفيذ مخططاتها الإجرامية في المنطقة، وسرعان ما تغيّرت اللهجة واتخذ قرار الاعتداء من قبل ترامب في ظروف كانت أجواء المصالحات في عدة مناطق تسير في إطارها الصحيح والجيش السوري يحقق انتصاراته في الميدان.
لماذا اتخذ قرار الاعتداء؟ هل لمنع سورية من الشعور بنشوة الانتصارات التي حققتها وتحققها؟ أم لأنّ هناك حسابات أخرى داخل الإدارة الأميركية كي ترسل إلى العالم رسائل عدة منها أنها ما زالت حاضرة ولم تخسر أوراقها داخل الأراضي السورية، وكي تؤكد لحلفائها المنهزمين على الأرض السورية بأنها جاهزة للتدخل ورفع معنوياتهم المنهارة على الأرض.
إنّ كلّ تلك الرسائل لم تنفع الإدارة الأميركية ولا حلفاءها المنهزمين لأنّ الاعتداء الذي جرى أظهر وحشية وعدوانية الإدارة الأميركية أولاً، وأظهر أنها كاذبة من الدرجة الممتازة ثانياً، وكلّ الأسباب التي أوردتها لضرب سورية كانت واهية وغير صحيحة مثل الكذبة التي اخترعتها أثناء الحرب على العراق بعد اتهامه بامتلاك أسلحة الدمار الشامل.
أميركا تثبت للعالم من جديد أنها تأخذ قرارات هوجاء وغير منضبطة، وهذا برأيي دليل على فلتان أعصابها وشعورها بأنها تخسر الحرب في سورية وتفقد الكثير من أوراق القوة التي أرادتها ولعلّ أهمّ الخسائر التي حصدتها والتي لم تكن تحسب حسابها هي توقف العمل بمذكرة الطيران مع روسيا والتي تعتبر التنسيق الوحيد بينها وبين أميركا في سورية الذي حال دون وقوع حوادث بين الدوليتين، وبالتالي إشعال فتيل حرب عالمية جديدة.
ترى هل الإدارة الأميركية قادرة في ظلّ هذه الظروف أن تشنّ اعتداء جديداً. لا أعتقد لأنّ خسارتها ستكون كبيرة وستضيع هيبتها أكثر من ذلك. فالحسابات السابقة لم تعد صالحة في ظلّ الدعم الجديد الذي قدّمته روسيا لسلاح الجو السوري… ولعلّ هذا هو السبب الذي سوف يجعل الإدارة الأميركية تفكر كثيراً وكثيراً قبل أن تقدم على أيّ خطوة مجنونة جديدة فيما إذا دخلت في حسابات البيدر الصهيوني الذي يمكن أن يجعلها تغرق أكثر في المنطقة العربية…؟
كاتب وصحافي سوري
marzok.ab gmail.com