الجيش السوري يحسم ريف حماة وأمامه خان شيخون… ويفتح طريق الحسكة براً لبنان تحت ظلال العقوبات الأميركية ومعارك القلمون وقانون انتخاب ضائع
كتب المحرّر السياسي
لخّصت صحيفتا «نيويورك تايمز» الأميركية و»دايلي تيليغراف» البريطانية الموقف الغربي القلق من مسار الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فقد كتبت «نيويورك تايمز» في مقال افتتاحي أنّ العالم ينتقل إلى الفوضى المشبعة بالكراهية الدينية، وضغط القضايا الديمغرافية في ظلّ تفاقم الهجرة وحالات النزوح مع تنامي ظاهرة الإرهاب، حيث تمثل الحرب في سورية الحلقة المركزية على هذا الصعيد، ويستحكم العجز بمساعي توحيد القوى العالمية الكبرى في جبهة واحدة لوقف الحرب في سورية ومواجهة خطر الإرهاب، لأنّ الخيار المعتمد لعلاج الأزمة السورية والحرب على الإرهاب بالتمسك بشراكة الدولة السورية فيهما أو بالدعوة للسير من دونها، سيرتب رابحاً وخاسراً في المنطقة والعالم، لتخلص للقول إنّ ما شهدته وستشهده فرنسا وسائر دول العالم الغربي بصورة خاصة سيتعاظم تحت تأثير هذه الفوضى المستديمة، بينما قالت «دايلي تيليغراف» إنّ القضية في فرنسا ليست كيفية مواجهة خطر اليمين المتطرف الذي تمثله المرشحة الرئاسية مارين لوبان، التي تشكل اليوم ظاهرة مختلفة عما كانت عليه من قبل، فاليوم تعيش أوروبا وفرنسا في قلبها تشققاً وضياعاً أمام كابوسَي تنامي الإرهاب والتطرف من جهة، وضغط موجات النزوح من جهة أخرى، لتختم بالقول، كما عنوان المقال الافتتاحي، أوروبا تنفّست الصعداء قبل الأوان.
مع ارتياح أوروبي وأميركي وعربي و»إسرائيلي» لتقدّم المرشح إيمانويل ماكرون، بدأت الاستعدادات لمنازلة الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وكسب الغرب وحلفاؤه الإقليميون فرصة التقاط الأنفاس بعدما كان خطر خسارة فرنسا قد لاح في الأفق.
الحرب في سورية، التي رأت «نيويورك تايمز» أنّ عنوان التحوّل في نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية وانتقال العالم إلى الفوضى بسبب مكابرة خصوم سورية على الاعتراف بحتمية التسليم بشراكتها في أيّ حلّ داخلي أو حرب على الإرهاب، لا تنتظر هؤلاء بل ترسم مسارها رغم كلّ محاولات التأثير السلبي على هذا المسار، فيتقدّم الجيش السوري ويحسم آخر المواقع في ريف حماة التي مثلها بلدة حلفايا المفصلية جغرافياً وبقيت اللطامنة في طريق الجيش ليصير على أبواب محافظة إدلب من جهة الجنوب، وقبالته مورك وصولاً إلى خان شيخون، بينما غرباً يبدو على أبواب كفرنبودة، بينما شكّل فتح طريق الحسكة البري إنجازاً للجيش السوري تمّ بالتعاون مع لجان الحماية الكردية، بعدما قدّم الجيش الحماية للأكراد في منبج، وبدأ التنسيق بين الجيش والجماعات الكردية في دير الزور والحسكة.
لبنانياً تخيّم ثلاثة ملفات ضاغطة ولا تحتمل التأجيل على الأجواء، فالعقوبات الأميركية على لبنان صار عقاباً جماعياً يطال آلاف الأسر اللبنانية ويقفل آلاف الحسابات المصرفية، ما لم يتمّ التدارك مبكراً، والحرب في القلمون تقرع طبولها وسط تردّد حكومي في منح الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الغطاء السياسي للتنسيق مع الجيش السوري، وقانون الانتخاب لا يزال في مخاض البحث عن بدل ضائع والمهلة تضيق قبل حلول أجل المواجهة بين خطري التمديد والفراغ، وفي الملفات الثلاثة مساعٍ لحلحلة ومواقف مبدئية تغطيان المساحة السياسية والساحة الإعلامية، والاطمئنان والقلق على درجة واحدة.
لبنان يستعدّ لمواجهة العقوبات
في ظل المشهد الضبابي الذي يسيطر على ملف قانون الانتخاب ومصير الاستحقاق النيابي وارتفاع منسوب القلق حيال تجدد الأزمة السياسية مع حلول موعد جلسة التمديد للمجلس النيابي منتصف الشهر المقبل، يستعدّ لبنان لمواجهة من نوع آخر، وسط معلومات عن قرب موعد صدور مشروع القانون الذي يجري إعداده في الكونغرس الأميركي لفرض عقوبات مالية جديدة على أحزاب ومؤسسات وأشخاص لبنانيين. وقد برز أمس، موقف لافت لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حذّر خلاله من أن هذا القرار سيلحق ضرراً كبيراً بلبنان وشعبه ولا يأتلف مع العلاقات اللبنانية الأميركية التي يحرص لبنان على تعزيزها في مختلف المجالات.
وقالت مصادر مطلعة على الملف لـ«البناء» إن «من المبكر الحديث عن موقف لحزب الله تجاه ما يُسمّى قرار العقوبات وأن موقف رئيس الجمهورية واضح والمرحلة اليوم تختلف عن مرحلة قرار العقوبات الماضي. الآن هناك توافق سياسي أنتج عهداً جديداً ورئيساً للبلاد وحكومة تمثل الأطراف كافة، وبالتالي هي المسؤولة عن مواجهة أي قرار ضد لبنان وأبنائه في الداخل والخارج، كما تتحمّل تبعاته المالية والاجتماعية. وهذا من صلب واجباتها، وبالتالي هذا الأمر يحلّ بحوار بين الحكومة والمصرف المركزي مع القطاع المصرفي لتحديد طبيعة الإجراءات التي يجب أن تتخذ لحماية المواطنين اللبنانيين. لأن الأمر لا يتعلّق فقط بحزب الله، بل يتعلق بالشعب والدولة اللبنانية».
وأكد الرئيس عون أمام وفد مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان الذي استقبله في قصر بعبدا، برئاسة السفير إدوار غابريال أن «لبنان يجري الاتصالات اللازمة للحؤول دون صدور القانون، ويرحب بأي جهد تبذله مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان في هذا المجال».
وعبّر السفير غابريال عن تقدير المجموعة للمواقف التي أعلنها عون ولدوره الريادي في إعادة الوحدة اللبنانية والاستقرار، واضعاً إمكانات المجموعة بتصرفه للمساهمة في معالجة القضايا التي يراها ضرورية، ولا سيما تلك المتصلة بالعلاقات اللبنانية – الأميركية. وشدّد غابريال على الجهد الذي تبذله القوى الأمنية اللبنانية في مواجهة الارهاب، متمنياً على رئيس الجمهورية زيارة الولايات المتحدة الأميركية لوضع المسؤولين الأميركيين في حقيقة المواقف اللبنانية من الاحداث الراهنة.
وفي سياق ذلك استقبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري وفد المجموعة الأميركية ودار الحديث حول الأوضاع في لبنان والمنطقة، كما استقبل كلاً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير الاقتصاد رائد خوري.
وعلمت البناء أن «مسؤولين لبنانيين يجرون لقاءات خارجية مكثفة مع مسؤولين أميركيين لمحاولة وقف صدور هذا المشروع الجديد»، مشيرة إلى أن «هذا القرار سيكون موسعاً ويطال شرائح لم يطلها القرار الماضي، لكن سيتم التعامل معه هذه المرة على مستوى رئاسة الجمهورية والحكومة وهناك مجموعة من الإجراءات المالية والمصرفية يتم تحضيرها وتنسيق بين المصرف المركزي والحكومة والمصارف لمواجهة أي قانون يخرج على هذا الصعيد».
ويعود اليوم الوفد النيابي إلى بيروت والذي شارك في اجتماعات البنك الدولي في واشنطن، والذي ضمّ النواب ياسين جابر وباسم الشاب وألان عون.
مشهد انتخابي ضبابي
من قانون العقوبات الأميركي الذي من المتوقع أن يولد من رحم «اللوبي الإسرائيلي» في الكونغرس الأميركي، إلى زحمة استيلاد مشاريع قوانين الانتخاب والتمسك بصيغ فارقت الحياة ولم يعلن وفاتها بعد، كمشروع التأهيلي الذي قدمه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والذي أعلنت قناة «أو تي في» أمس، أن «قانون التأهيل بصيغته الأخيرة على قيد الحياة، وهو الأكثر قابلية للحياة بين مختلف القوانين المطروحة».
ولم يكد مشروع الحزب التقدمي الاشتراكي يبصر النور، حتى أتته الرصاصة الأولى من رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الوزير طلال أرسلان الذي اعتبر أن «كل مشروع مختلط، أياً تكن تركيبته، هو تشويه للنسبية الحقيقية»، مشدداً على تمسكه بالنسبية الكاملة، ومنبهاً إلى أن الصيغ التي تُطرح ليست إلا محاولة للهروب من صحة التمثيل وعدالته».
وعلمت «البناء» أن الحزب الاشتراكي لم يتلق بعد أي رد على مشروعه المختلط بانتظار جولة وفد الحزب على القيادات والمرجعيات السياسية، التي بدأها مساء أمس بلقاء مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في «بيت الوسط» ضم: تيمور جنبلاط والوزير أيمن شقير والنائبين غازي العريضي ووائل أبو فاعور، بحضور السيد نادر الحريري.
وتناول اللقاء الاتصالات الجارية مع مختلف الأطراف لبلورة مشروع قانون انتخاب جديد. وشرح الوفد مضمون مشروع القانون الذي طرحه الحزب في هذا الخصوص.
وإذ ترددت معلومات عن أن الحريري ينتظر الساعات 48 المقبلة وفي حال لم ينل التأهيلي التوافق المطلوب سيطرح صيغته الانتخابية كمخرج، أكدت مصادر كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» أن «الرئيس بري وزع على الفرقاء الرئيسيين صيغته الانتخابية القائمة على النسبية والتي تتضمن مشروع إنشاء مجلس شيوخ وأن مروحة من المشاورات يقودها بري مع الأطراف كافة عبر قنواته الخاصة حول أفكار لقانون انتخاب يعتزم طرحه خلال الأيام القليلة المقبلة أو الأسبوع المقبل بشكل علني، وهو يتريّث في ذلك لتأخذ صيغة الحزب الاشتراكي مداها، والتي مازالت تدرس في اللجان التقنية للأحزاب».
ولفتت المصادر إلى أن «الرئيس بري يقوم بجوجلة هذه الأفكار لبلورة مشروعه الجديد ويحاول تأمين حد أدنى من التوافق حول عناوينه العامة قبل طرحه عليه يحظى بتوافق الجميع ويشكل مخرجاً للأزمة»، وأوضحت أن «بري لا يحبذ العودة إلى قانون الستين، بل يريد قانونا جديدا توافقيا عصريا ولا يريد انتخابات تجدد للمجلس نفسه»، ونفت المصادر «موافقة بري على التأهيلي».
وأضافت أنه «في حال وصلنا إلى 15 أيار المقبل من دون قانون جديد، فقد تلجأ الحكومة إلى إجراء انتخابات على الستين، لكن ذلك يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة»، واعتبرت أن «الأمور لا زالت ضبابية انتخابياً وقد تطرأ معطيات جديدة في الايام المقبلة».
«المستقبل»: ننتظر مشروع بري
وقالت أوساط نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» إن «المشروع الاشتراكي يدرس في كتلة المستقبل، لكنها قللت من احتمال التوافق عليه، إذ سبق ورفضت مشاريع القوانين المختلطة من بعض الأطراف»، واعتبرت أن «المستقبل ينتظر المشروع الذي سيُخرجه بري لا سيما وأنه ينطلق من اتفاق الطائف لدرسه». وأشارت إلى أن «انتخابات على القانون النافذ يمكن أن تشكّل مخرجاً، لكن لا يعني ذلك عدم حصول تمديد للمجلس النيابي الحالي، غير أن مدة هذا التمديد ستكون محطّ خلاف».
ولفتت الأوساط إلى أن «لا مانع لدى المستقبل من السير بالنسبية الكاملة كمبدأ، لكن يريد النقاش في عدد الدوائر والتقسيمات النيابية».
ولفتت مصادر لـ«البناء» إلى أن «إبلاغ الحريري باسيل الموافقة على قانون التأهيل هو مناورة، إذاً لا قيمة لموافقة المستقبل في ظل رفض أطراف آخرين والحريري لا يريد تحمل مسؤولية رفض صيغة باسيل، بل ينتظر خروح الرفض من أطراف أخرى». وأشارت إلى أن «المستقبل ينظر إلى مشروع التأهيلي على أنه طائفي ومذهبي ويناقض الطائف وعدالة التمثيل».
وجدّد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد موقف حزب الله المتمسك بالنسبية الكاملة، معتبراً «أن صيغة المختلط في القانون الانتخابي مخالفة للدستور وللمنطق، لأن هذا لا يساوي بين حق اللبنانيين، فهناك مواطنون ينتخبون وفق النسبي ولا يحق لهم أن ينتخبوا وفق الأكثري، ومواطنون آخرون ينتخبون وفق الأكثري ولا يحق لهم أن ينتخبوا وفق النسبي».
عمليات عسكرية مشتركة في القلمون
وبعد العمليات النوعية الذي نفّذها الجيش اللبناني السبت الماضي، والتي أدت إلى مقتل الأمير الشرعي لتنظيم «داعش» في عرسال واعتقال عشرات الارهابيين، وكما كان متوقعاً، شهدت منطقة القلمون على الحدود اللبنانية السورية أمس عمليات عسكرية مشتركة بين الجيش اللبناني وحزب الله والجيش السوري استهدفت معظم مواقع تنظيم داعش في المنطقة، ملحقة به خسائر فادحة وقد استمرت العمليات حتى وقتٍ متأخر من ليل أمس.
ونفّد الجيش مساء أمس، عمليات عسكرية واسعة في جرود القاع ورأس بعلبك، حيث قصف بالمدفعية الثقيلة والراجمات مواقع المسلحين بعد رصد تحركات مشبوهة وشاركت مروحيات الجيش في قصف مواقع المخيرمة وقرنة الكاف وقرنة الكهف في جرود رأس بعلبك، استهدفت اجتماعاً كبيراً لتنظيم «داعش» في المنطقة، ما أدى بحسب مصادر إلى مقتل وجرح أكثر من 20 شخصاً من قيادات وعناصر التنظيم.
وقد استهدفت مدفعية الجيش مجموعة لداعش حاولت سحب القتلى والجرحى من الأماكن التي قصفتها المروحيات في جرود رأس بعلبك.
وفي سياق ذلك وفي تنسيق واضح بين الجيش والمقاومة، قُتل وجُرح عدد من إرهابيي «داعش» باستهداف المقاومة بالصواريخ الموجّهة مركزًا قياديًا لـ «داعش» في شعبة الخابية بجرود رأس بعلبك، كما استهدفوا أيضًا مواقع التنظيم بجبل الزويتيني بالقصف المدفعي.
كما نفّذ طيران الجيش السوري سلسلة غارات استهدفت مواقع «داعش» في القلمون وقد سمعت أصوات القصف في الداخل اللبناني.