اربطوا الأحزمة… سينطلق محمد!
مصطفى حكمت العراقي
منذ أن جاء والده إلى سدة الحكم وأصبح ملكاً لمملكة تشيخ يومياً وتهترئ، توجهت الأنظار صوبه رغم انه كان الرجل الثالث في ترتيب رجال السلطة، إلا انّ القاصي والداني يعرف أنه الملك الباطني الآن، وأنه سيخلف والده قريباً، حتى وإنْ كان ولي ولي العهد، وها هو يعطي إشارات لانقلاب جديد في المملكة، اذ قام محمد بن سلمان بإصدار أوامر بمراسيم ملكية وقعها والده فأقصى منافسه ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف عملياً من إدارة الأمن الداخلي للمملكة، فتمّ إنشاء مجلس أمن أعلى يرتبط بالملك مباشرة وسيتولى الإشراف عليه نجل الملك الذي يتولى إدارة ملفات الاستخبارات والنفط والأمن الداخلي وهي آخر ما في حوزة بن نايف من مسؤوليات، انقضّ بن سلمان عليها وعلى السلطات التي يشغلها ابن عمه في وزارة الداخلية، ومجلس الشؤون السياسية والأمنية المنشأ حديثاً فتمّ تجميده بولادة مجلس منافس تمّت تسميته مجلس الأمن الوطني لتتمّ محاصرة بن نايف وتقليص صلاحياته وإنهاء نفوذه في سلطة المملكة تدريجياً…
كما تمّ جلب الأخ الأصغر لمحمد بن سلمان ليصبح سفيراً للمملكة في واشنطن ليكون الرابط بين ترامب وبن سلمان أقرب من أيّ شخص، فاختيار خالد بن سلمان صاحب الـ 32 عاماً، ليحلّ محلّ عبدالله بن فيصل آل سعود، بالرغم من افتقاره لأيّ تجربة سياسية أو دبلوماسية وازنة ليصبح السعودي الأول بهذا السنّ يُعيّن في منصب كهذا، علماً أنه ضابط طيار في سلاح الجو السعودي بعد ان تخرّج عام 2009 في برنامج الطيران الحربي في الولايات المتحدة…
إضافة لما سلف تمّ تعيين نائب لكلّ أمير مدينة في المملكة، وجميعهم مقرّبون من بن سلمان كان أبرزهم تعيين ابن أخيه أحمد بن فهد بن سلمان نائباً لأمير المنطقة الشرقية سعود بن نايف بن عبد العزيز الشقيق الأكبر لمحمد بن نايف، علماً أنّ أحمد بن فهد كان يشغل منصب المستشار في سفارة المملكة في لندن، وبذلك يضيق الخناق شيئاً فشيئاً على بن نايف ويجعله خارج الدائرة وقد يصحو في يوم قريب وهو خارج ولاية العهد ليقطع الطريق عليه نهائياً باتجاه العرش كما حصل سابقاً مع الأمير مقرن بعد رحيل الملك عبد الله…
بالرغم من كلّ ذلك فإنّ المستهدف الأول بهذه القرارات ملتزم الصمت وكأنه يمهّد لردّ أكبر أو قد يكون اقتنع بأنّ ما سيحصل هو تكرار للسيناريو القطري في المملكة، وهذا بالتفاهم مع ترامب، وقد تكون زيارة ماتيس الأخيرة للمملكة هي لإعطاء الضوء الأخضر بتنفيذ ما اتفق عليه ترامب وبن سلمان في واشنطن سابقاً، ومن هنا جاء خالد بن سلمان سفيراً في واشنطن لرفع أسهم شقيقه محمد في دوائر القرار الأميركي بعدما رجّحت بعض التقارير من واشنطن انّ الهوى الأميركي مع بن نايف أكبر من بن سلمان نظراً لحجم تجربته في الحكم وتدرّجه في المناصب داخل السلطة السعودية وتعاونه مع واشنطن في ملفات عدة خصوصاً ما يرتبط بملف مكافحة الإرهاب، وانْ كان ذلك شكلياً لكن اللقاء الأخير بين ترامب وبن سلمان جعل الأخير متحمّساً لتقريب وقت الوصول لسدة الحكم خصوصاً بعدما نتج من تفاهمات تمخّضت بالمصالحات مع مصر واستثمار الأموال السعودية في البنى التحتية الأميركية وتفويض بحسم الحرب على اليمن في فترة أقصاها نهاية العام الحالي، وهنا نلمس بوادر تخلّ أميركي عن بن نايف وتبنّ لبن سلمان الذي يروم لإزاحة بن نايف من درب طموحه للوصول إلى الحكم، رغم انّ بن نايف وصف بن سلمان بالأخ واليد اليمنى في معرض تعليقه على قرارات سابقة لبن سلمان، وحينها اعترض الأخير على هذا الوصف لأنه اعتبر ذلك تقليلاً من شأنه وتصغيراً من دوره…
لم يكتف بن سلمان بذلك فاتجه للسيطرة على قطاع النفط عبر إنشاء وزارة شؤون الطاقة التي أنيطت بالشقيق الآخر لمحمد هو عبد العزيز بن سلمان لتصبح الصورة كاملة، فالنفط والاقتصاد والجيش والأمن الداخلي والعلاقات الخارجية والتفاهمات مع واشنطن كلها بيد عائلة سلمان بن عبد العزيز وبالأخص نجله محمد، والذي برهن بأنّ الاقتراب منه والولاء له هو السبيل الأبسط للوصول إلى أعلى المناصب، أما الابتعاد عنه فيؤدّي للخروج من السلطة بلا مقدّمات وإنْ كان الأمر يعني ولي العهد ووزير الداخلية المقرّب من واشنطن…
صورة الرجل الأوحد والفتى الطائش والملك المقبل أصبحت جاهزة للالتقاط ولم يتبقّ الا إمضاء من بيدهم قرار حماية العائلة الحاكمة في المملكة، وهنا سنجد مسلسلاً قطرياً رمضانياً جديداً أبطاله سعوديون يزيح الابن أباه ويصبح ملكاً كما أزاح الابن أباه وأصبح أميراً في مرتين منفصلتين في الدوحة، وهذا لا ينطبق عليه الإقالة او الاتهام بالفساد حتى وانْ جاء الأب بولده للمنصب، لأنّ القاعدة لا تنطبق على الملوك كما تمّ تطبيقها على وزير الخدمة المدنية السعودي بتهمة تعيين أحد أبنائه في إحدى الوظائف الحكومية ليعلق أحدهم متهكّما بأنّ تعيين الأبناء محرّم في المملكة إلا لمن اصطفاهم الله… !