أربعاء أستانة يبدأ بحروب تصفية بين «النصرة» و«جيش الإسلام» في الغوطة عون يطلب تصويت الحكومة بالثلثين أم نسبية ومجلس شيوخ بلا رئيس؟
كتب المحرّر السياسي
أثار كلام وزير الحرب في حكومة بنيامين نتنياهو عن كوريا وزعيمها رداً كورياً من العيار الثقيل تحدّث عن العقاب الذي لا يرحم، بينما تصاعدت ردود الأفعال على كلام ليبرمان بين كبار الوزراء في حكومة الاحتلال الذين وصفوا كلام ليبرمان بالتحرّش المراهق بوكر دبابير يحتاج هدفاً بديلاً للتصادم بأقلّ المخاطرمع الأميركي، وقد يجد بكلام ليبرمان ضالته المشنودة لنقل «إسرائيل» إلى الخط الأمامي في المواجهة الكورية الأميركية التي أراد ليبرمان «تبييض الوجه» مع الأميركيين في لحظة تحتاج «إسرائيل» للنأي بنفسها عن المزيد من الأخطار وفقاً لسياسة «اللي فينا بيكفينا».
في سورية، كان التأكيد على مشاركة الجماعات المسلحة في لقاء أستانة بدءاً من بعد غد الأربعاء مترافقاً مع تأكيد سوري سبقه على لسان وزير الخارجية وليد المعلم بالتزام المشاركين بالمهمة المرادفة لوقف النار، وهي فصل المشاركين لحركتهم وخطابهم وتموضعهم عن جبهة النصرة، لتشهد منطقة الغوطة الشرقية بدمشق أعنف المعارك بين «جيش الإسلام» و«جبهة النصرة» ومعها «فيلق الرحمن» و«أحرار الشام». وبينما حاول «جيش الإسلام» تحييد «فيلق الرحمن» و«أحرار الشام» وحصر المعركة بـ«النصرة»، ربطت مصادر قريبة من خلفيات المواجهة التي حصدت المئات، بخلفيات مالية تارة وبخلفيات تتصل بصراع سعودي مع قطر وتركيا، لكن تزامنها مع التمهيد لأستانة أبقى ظلال ما سيحدث هناك حاضراً دائماً في فهم كلّ ما يجري مهما كانت الأسباب الظاهرة قوية.
لم تستطع الفصائل ولا الوفد المفاوض لمؤتمر الرياض تقديم أسباب مقنعة لتغيير موقفها من المقاطعة في اللقاء الأخير ومشاركتها الحالية، إلا مشاركة قطر ضمن الرعاة، بينما تندرج المشاركة القطرية مثل مشاركة الجماعات المسلّحة ضمن تفسير واحد يرتبط بأسباب المقاطعة السابقة. وهي مصير الرهان على غزوة جوبر وريف حماة التي كانت وراء المقاطعة كرهان على تغيير الموازين، وتأتي العودة بعد الفشل الذريع قبولاً بالموازين القائمة وتسليماً بأنّ وقف النار مصلحة للجماعات المسلحة ولو كان ثمنه اقتتالاً داخلياً كالذي يجري في غوطة دمشق الشرقية، بعدما أعلن «جيش الإسلام» أنّ الحرب لن تتوقف حتى حلّ «جبهة النصرة» في مناطق سيطرته ودعوته «فيلق الرحمن» لتحييد نفسه ولعناصر النصرة للالتحاق وتسليم أنفسهم.
مصادر متابعة لما يجري في الميدان السوري وخلف الكواليس السياسية، قالت لـ«البناء» إنّ أستانة الجديد هو ثمرة انتصارات ريف حماة ومعارك دمشق، كما كان أستانة الأول ثمرة انتصار حلب، وأنّ سورية وحلفاءها سيضعون جدول أعمال الحرب ووقف النار والمناطق التي ستكون ساحات قتال مقبلة وتلك التي ستنال فرص الإفادة من وقف النار، وفقاً للقراءة السياسية والعسكرية محلياً وإقليمياً ودولياً، خصوصاً مع المأزق التركي المتنامي في حرب الوجود مع الجماعات الكردية وما تسبّب به من ارتباك على خط العلاقات التركية الأميركية.
لبنانياً، وبعيداً عن القلق من التجاذب الآتي مع اقتراب نهاية الوقت الضائع قبل جلسة منتصف الشهر الحالي، وتسابق خيارات قاتلة من نوع التمديد وسط انقسام رئاسي وسياسي بطابع طائفي، أو الفراغ الذي يعني الفوضى والتآكل على الصعيد السياسي والدستوري، بدا رئيس مجلس النواب نبيه بري يتصرّف على قاعدة أنّ تخلّي رئيس الحكومة سعد الحريري عن خيار التمديد في حال الفشل بالتوصل لقانون انتخاب جديد قبل موعد جلسة منتصف الشهر الحالي والتفاهم مع رئيس الجمهورية على موقف موحّد يضع السلطة التنفيذية في موقع مسؤولية دستورية عن إنتاج قانون جديد أو السير بالانتخابات على أساس القانون النافذ وهو قانون الستين. وبالتالي، فالتمديد ليس شأناً يخصّ رئيس المجلس وكتلته، والفوضى في حال وقوعها ستأكل الأخضر واليابس وسيدفع الجميع ثمنها، وما على الرسول إلا البلاغ.
إبراء الذمة على مستوى رئاسة مجلس النواب ترافق مع تداول بمقترح رئيس المجلس للعودة بالبحث إلى ثنائية النسبية ومجلس الشيوخ. وهو ما يلبّي تطلعات الفريقين الصعبين اللذين يمثلهما التيار الوطني الحر، الذي قال بلسانه النائب ألان عون إنّ تياره لا يمانع بالنسبية الشاملة إذا ترافقت مع تطمينات طائفية من نوع مجلس الشيوخ، والفريق الثاني هو الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أعلن رئيسه القبول بإزالة الفيتو عن النسبية الشاملة وفقاً لصيغة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وما يعنيه جنبلاط فيها هو جعل قضاءي الشوف وعاليه دائرة واحدة.
صيغة بري تقوم على تقسيم دوائر أقلّ من صيغة حكومة ميقاتي، لكن مع الحفاظ على عاليه والشوف كدائرة واحدة، وتدعو لمجلس للشيوخ على أساس الدائرة الواحدة والقانون الأرثوذكسي لتمثيل الطوائف فتنتخب كلّ طائفة شيوخاً، لكن الصيغة التي تتضمّن توزيعاً للصلاحيات بين المجلسين، مجلس النواب ومجلس الشيوخ لم تتطرّق لما أثير من خلاف بين الاشتراكي والوطني الحر حول رئاسة مجلس الشيوخ، بينما قالت مصادر معنية بالنقاش إنّ تأجيل موضوع الرئاسة لما بعد انتخاب المجلس يسهّل التفاهمات، بينما قالت مصادر أخرى إنّ النقاش كله مفتعل فصيغة المجلسين ضمن النظام الطائفي، وليس من ضمن السير بمجلس نيابي خارج القيد الطائفي تبقي رئاسة السلطة التشريعية موحّدة ولا تبرّر البحث برئيس منفصل لمجلس الشيوخ، بل بنائبين لرئيس السلطة التشريعية، نائب لكلّ من الغرفتين، على أن يرتبط نشوء الرئاسة المستقلة لمجلس الشيوخ بنشوء مجلس نيابي خارج القيد الطائفي.
في المقابل، قالت مصادر متابعة لموقف رئيس الجمهورية إنه لن ينتظر حتى حلول منتصف الشهر الحالي للإقدام على مبادرة، وإنه قد يلجأ لمنح الحكومة فرصة حتى عشية جلسة مجلس النواب للوصول إلى التوافق على قانون جديد مع إبلاغ الحكومة في الجلسة المقبلة الخميس المقبل، إنه سيضطر لطلب التصويت على مقترح لقانون الانتخابات بأغلبية الثلثين، كما ينص الدستور، إذا فشلت مساعي التوافق داخل الحكومة باستيلاد القانون الجديد.
«الفيتوات» تعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر
مع اشتداد المعركة حول قانون الانتخاب التي وصفها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أمس، بأنها مسألة حياة أو موت. ومع بدء العد العكسي لمهلة الثلاثين يوماً التي تنتهي منتصف الشهر الحالي موعد الجلسة النيابية، لم تبرز معطيات جديدة توحي بمخرج قريب، مع طغيان الكلام التصعيدي وحرب «الفيتوات» بين القوى السياسية على مشاريع القوانين، فبعد «الفيتو» المبكر الذي رفعه باسيل ضد اقتراح رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لم تتأخّر عين التينة بالردّ من خلال الإيعاز لممثل حركة أمل في المشاورات الانتخابية الوزير علي حسن خليل، بمقاطعة اجتماع وزارة الخارجية الخماسي، ما يقلّل من احتمالات التوافق على قانون جديد ويجعل جلسة 15 أيار مفتوحة على الاحتمالات كافة.
فهل يلجأ رئيس المجلس لتأجيل الجلسة لأسبوع واحد إفساحاً في المجال لمزيد من التشاور للتوافق على قانون جديد؟ أم يُبقي الجلسة قائمة في موعدها لتكون جلسة اختبار عملي للمواقف وفي حال لم يتوفر النصاب يعمد إلى إرجائها لموعدٍ آخر قبل نهاية العقد العادي للمجلس النيابي، أم يصار الى اتفاق على التمديد التقني لثلاثة أشهر ويوقع رئيس الجمهورية خلال هذه المدة مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وإجراء الانتخابات على قانون الستين في أيلول المقبل في حال لم يتم إقرار قانون جديد؟
وعلى الرغم من السقوف الإعلامية العالية، من المتوقع أن تتكثف الاتصالات حول القانون الانتخابي مطلع الأسبوع. وأشارت مصادر كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» الى أن المفاوضات في ملف القانون عادت الى نقطة الصفر وما دون، نتيجة وجود طرف سياسي يريد بطروحاته الانتخابية إعادة البلاد الى عقود من الزمن الى الوراء»، وحذّرت المصادر مَن يهدّد بالفراغ التشريعي، بأن «لا يفكّر ببقاء أي من المؤسسات السياسية الدستورية الأخرى في الدولة، لا رئاسة الجمهورية ولا رئاسة مجلس الوزراء، مشيرة الى أن «المجلس النيابي ليس لطائفة معينة بل لكل اللبنانيين»، وأكدت بأن «الرئيس بري لا يريد التمديد، وقد قال ذلك في أكثر من محطة، لذلك قدّم مبادرات عدّة لتفادي الفراغ الذي لن يقبل به بأي شكل من الأشكال، لكن ماذا فعل الآخرون من أجل ضمان استمرار المؤسسات لا سيما المؤسسة الأم؟ وإذا كانوا ضدّ الفراغ كما يعلنون وضدّ التمديد، فليعلنوا أنّهم مع الستين الذي هو القانون النافذ حتى إشعار آخر ولا يُلغيه إلا قانون جديد، وليس بالتصريحات والمواقف التصعيدية، بل بتقديم اقتراح قانون انتخاب وطني يؤدي الى انصهار بين مكوناته ولا الاكتفاء بطرح قوانين طائفية ورفض الاقتراح الوطني والدستوري الذي قدّمه الرئيس بري».
وأوضحت المصادر أن «جلسة 15 أيار قائمة، لكن نتيجتها مرهونة بتقدم المشاورات بين الفرقاء، وهي ليست فقط للتمديد، بل هي جلسة عامة وعلى جدول أعمالها بنود عدة، لكن مَن يريد تعطيل النصاب لمنع التمديد فليفعل، لكن هو نفسه مَن طلب التمديد لمدة سنة ثم تراجع، غير أن الرئيس بري سيستمر بممارسة صلاحياته الدستورية بالدعوة الى جلسات». ولفتت الى أن «أي اقتراح قانون يحظى بإجماع وطني سيضعه بري على جدول الأعمال ويتم إقراره في الجلسة نفسها».
وانتقد عضو الكتلة النائب علي خريس الطريقة السلبية التي يتعاطى بها طرف أساسي في البلد مع طرح الرئيس بري، حيث رفض مبادرته قبل أن تُدرس وتناقش، لذلك كان الرد بالمقاطعة. وأشار لـ«البناء» الى أن «قانون الانتخاب مسألة وطنية وتأسيسية وترسم مستقبل البلد ويمكن أن تأخذه الى الفوضى والخلافات بين مكوّناته السياسية وإما إلى بناء دولة عادلة وقوية، وبالتالي لا يمكن مقاربتها بمنطق التصويت في مجلس الوزراء أو مجلس النواب، بل بالعمل على تأمين التوافق من خلال الحوار».
بعبدا لن تنتظر!
أما بعبدا التي تراقب عن كثب مسار المفاوضات وولادة مشاريع وتهاوي صيغ وسقوط اقتراحات، تستعد لاستخدام ما تبقى بجعبتها من صلاحيات دستورية، إذا ما احتاجت اليها في ربع الساعة الأخير، لكن الرئيس ميشال عون الذي أقسم على احترام الدستور كما قالت قناة «أو تي في»، «لن ينتظر 15 أيار ليقول كلمة الفصل إذا ما بدا أن أبواب إقرار القانون لم تفتح».
واعتبر الوزير باسيل أن «موضوع قانون الانتخاب هو قضية موت أو حياة»، مؤكداً «العمل على إقرار قانون جديد للانتخابات يُبنى على التفاهم بين الجميع وعلى تمثيل كل اللبنانيين»، وشاكراً للرئيس سعد الحريري موقفه الأخير الرافض للتمديد. ونفى «كل الكلام الوهمي الذي يطلقه البعض عن محاولات إلغاء من هنا أو هناك لمنع إنجاز قانون انتخابي».
..ومجلس الوزراء الخميس
وبعد تعليق جلسات مجلس الوزراء لمدة أسبوعين متتاليين، دعا الرئيس سعد الحريري الى جلسة في قصر بعبدا الخميس المقبل، على أن يكون قانون الانتخاب بنداً أول على جدول الأعمال. واستبعدت مصادر مطلعة أن يخرج مجلس الوزراء باتفاق حول صيغة انتخابية، كما استبعدت اللجوء الى التصويت.
وحذّر عضو اللقاء الديموقراطي النائب وائل أبو فاعور، من أن «التصويت في مجلس الوزراء أو في المجلس النيابي على قانون الانتخاب من دون الأخذ بعين الاعتبار مواقف وآراء قوى سياسية، سواء كانت الحزب التقدمي الاشتراكي أو غيره، هو مغامرة كبرى نأمل أن لا يسلكها البعض».
نصرالله يُطل غداً
وعلى وقع التصعيد الداخلي ووصول ملف القانون الى لحظة مفصلية وتسارع التصورات الميدانية في سورية وارتفاع وتيرة الاشتباك الإقليمي، يُطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله غداً الثلاثاء في مناسبة «يوم الجريح المقاوم». وتأتي إطلالة السيد نصرالله بعد فترة طويلة من الغياب الإعلامي وحصول جملة من التطورات في لبنان والمنطقة.
وسيتطرق السيد نصرالله، بحسب ما علمت «البناء» الى ملف قانون الانتخاب ويحدد نظرة وموقف حزب الله من القانون، كما سيتناول العلاقة مع التيار الوطني الحر والساحة المسيحية وسيؤكد على متانة هذه العلاقة، وأنها لم ولن تتأثر بأي تباين حول قانون الانتخاب وسيجدّد تمسك الحزب بالنسبية الكاملة مع الاتفاق على الدوائر، وسيدعو القوى السياسية الى البحث عن المشتركات لا سيما بين الرئيسين عون وبري. كما سيُجري جولة أفق على التطورات الميدانية في سورية لا سيما الضربة العسكرية الأميركية في الشعيرات والقصف المدفعي «الإسرائيلي» على مطار دمشق وسيردّ على سياسة التهويل الرائجة عن إمكان توجيه ضربة عسكرية «إسرائيلية» الى لبنان.
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء إن «إطلالة السيد نصرالله ستعيد النقاش في ملف القانون الى مرحلة جدية وحاسمة»، مذكرة بـ«موقف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد منذ أيام الذي أعلن عن خلع كافة القوانين المطروحة من التأهيلي الى الصيغ المختلطة، وبالتالي لا يمكن العودة الى الوراء والنسبية الكاملة مع المرونة بحجم الدوائر ولا يمكن العودة الى إضاعة الوقت بطروحات عبثية».
ولفتت الى أن «التيار الوطني الحر في الوقت الضائع يلعب على صعيد السياسة المحلية لأسباب لها علاقة باستقطاب الجمهور المسيحي والتنافس مع حزب القوات اللبنانية ويظنّ بأن اللغة المتطرفة قد تفيد».
وحذرت المصادر من أننا «باتجاه الدخول في أزمة وطنية لبعض الوقت، لكن فرضية العقل والالتزام الأخلاقي والاستراتيجي والسياسي ستفرض على القوى السياسية إعادة حساباتها والتنازل لصالح الاتفاق على مخرج قبل الدخول في المنزلق الخطير».