المراجعات النقدية تصويب أخطاء لا تفريط بالحق والخيارات

معن حمية

أن تُجري التشكيلات السياسية، حركات كانت أم أحزاباً، مراجعات نقدية لبرامجها ووثائقها ومواقفها، فهذا أمر طبيعي، لأنّ كلّ مسار سياسي قد يواجه إخفاقات وثغرات، وبالتالي فإنّ المراجعة مطلوبة من أجل التجديد والتطوير. لكن، القوى التي نشأت بوصفها حركات مقاومة، وآمنت بالمقاومة، فكرة، ونهجاً، وخياراً، لا تحتاج إلى إجراء مراجعات، لأنّ فعل المقاومة تعبير عن إرادة شعب يتمسك بقيم الحق والحرية ويناضل من أجل تحرير أرضه كلّ أرضه، من الاحتلال. وأيّ تشكيل ينأى بنفسه عن خيار التحرير الكامل، تسقط عنه صفة التشكيل المقاوم.

المقاومة هي التي تواجه الاحتلال والعدوان بالإرادة والتصميم، وتتصدّى لمنطق «الواقعية» بالإصرار على التحرير وكسر المستحيل، وما من داعٍ للتذكير بأنّ «الواقعية» وبدعة القرار المستقلّ وحالات التشظي والانقسام، شكلت ذرائع للتخلي عن خيار المقاومة والكفاح المسلح والذهاب الى اتفاق أوسلو وملحقاته. وهو الاتفاق الذي كانت له مفاعيل توازي مفاعيل النكبة والنكسة مجتمعتين، لأنّ أوسلو هو هزيمة للإرادة، في حين أنّ نكبة فلسطين في 1948 والنكسة في 1967 إنما حصلتا بفعل ما امتلكه العدو الصهيوني من ترسانة كبيرة، ومن دعم غربي وتواطؤ عربي مستتر، من قبل دول عربية هي ذاتها اليوم مَن يرعى ويدعم المجموعات الإرهابية.

ولأنّ فعل المقاومة هو الذي يقوّض مفاعيل الاحتلال ولأنّ مدى المقاومة أوسع وأشمل من حدود الرابع من حزيران، وغايتها هي تحرير الأرض كلّها وصون الحق كاملاً، فإنّ كلّ مسار يُبقي نافذة مفتوحة أمام مفاوضات من هنا وصكوك إذعان من هناك، يؤدّي حكماً إلى تصفية المسألة الفلسطينية.

حركات المقاومة وأحزابها، لا تضيّع بوصلة، ولا تتنازل عن حق ولا تتخلى عن ثوابت، لكن للأسف هناك من أخطأ كثيراً، حين استبدل أولوية تحرير فلسطين، بأولوية إسقاط دول المقاومة. واليوم، يستبدل خيار التحرير الكامل، بالإقامة ضمن حدود 1967، منافساً «أوسلو» القديم بـ «أوسلو» أخطر وأدهى تحت عنوان الحرص على التوافقات الفلسطينية.

إنّ التوافقات يجب أن تحصل على الأولويات، وفي المقدّمة أولوية إعادة الاعتبار لخيار الكفاح المسلح سبيلاً للتحرير والعودة، وأولوية العمل من أجل رصّ الصفوف وتحقيق الوحدة بين جميع القوى والفصائل، على أساس الخيارات والثوابت التي تصون الحق، ومغادرة مسارات التفاوض والاستسلام كلّها، ورفض حلّ الدولتين لأنه ينطوي على انتزاع اعتراف بالكيان الصهيوني المصطنع، وبعمليات التهويد والاستيطان ومفاعيل الاحتلال كلّها.

وعليه، فإنّ المراجعات النقدية للمواقف والسياسات، شأن يخصّ أصحابه، لكنه يصبح جريمة لا تُغتفر حين يصل إلى درجة التفريط بالحق والمسّ بجوهر فكرة المقاومة.

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى