حزب الله «يترجّل» عن حصان الإصلاح إلى قارب التسويات

روزانا رمّال

ربط أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه بمناسبة يوم الجريح قانون الانتخاب بأهمية غير مسبوقة تضع لبنان على حافية الهاوية. وهو الأمر الذي لم يكن قد طغى على خطاباته السابقة المتعلقة بانتخابات رئاسة الجمهورية، وفي مراحل تعرّضت فيها الحكومة اللبنانية لاستقالات ولتعطيل من هنا او هناك. فكل شيء بالنسبة للحزب كان «تحت السيطرة» في أكثر المحطات تطرفاً منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.

المفارقة أن الانتخابات التي تلت اغتيال الحريري كانت مصيرية لناحية قلب وجه لبنان وهويته، فانتخابات عام 2009، مثلاً أخذت البلاد نحو اصطفاف من نوع جديد كرّسه أحد عناصره المكمّلة لحلف أميركي – خليجي بالمنطقة كان قد تحضّر لمشروعه المحكم منذ ما بعد اجتياح العراق وصولاً لقلب الموازين في لبنان وإخراج الجيش السوري بقرار 1559. فتمت ترجمة هذا التحول بفوز كبير لقوى 14 آذار في الانتخابات النيابية اي خصوم حزب الله المحليين مقابل خسارة واضحة لحلفاء سورية ليس بمعنى توزيع المقاعد المعهودة والمحسومة سلفاً باللعبة المحلية بين الأحزاب والعائلات، بل في محصلة مجموع الاكثرية النيابية التي قسمت لبنان انقساماً عمودياً دام حتى تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بصيغة توافقية قوية الحضور واستثنائية الظروف في خرق للمعادلة لأول مرة.

الصيغة «التوافقية» هذه التي تبدو أنها حكمت لبنان لم تأخذ على ما يبدو حزب الله وحلفه نحو إمكانية أخذ الساحة المحلية نحو «تفوّق» مكرّس في مسألة فرض قانون انتخابات يناسبه أو يناسب على الأقل طموحاته بالتمثيل العادل والشامل في البلاد، كما يقول وهنا يبدو خطاب نصرالله الاخير أحد أبرز دلائل انكفاء حزب الله عن مهمة «الإصلاح» وتأجيلها ربما الى موعد لاحق. فلبنان ليس مؤهلاً حتى اللحظة لتمثيل عادل في البلاد وهو لا يحتمل ذلك، حسبما علمت « البناء» نقلاً عن أجواء في حزب الله.

أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وضع قانون الانتخاب والهاوية في سلة واحدة. هو يدرك تماماً أنه وحده غير قادر على فرض أي مهمة إصلاحية على باقي الفرقاء الذين قد يجدون في مثل هذه الخطوة عزلاً أو تحجيماً لوجودهم، بالرغم من ضرورة الكشف عن احجامهم الحقيقية. لكن مع الظروف التي يعيش فيها لبنان وسط التهاب المنطقة، فإن أي خلاف على التمثيل النيابي قادر ان يحول البلاد مجدداً الى ساحة حرب اهلية. والأخطر من ذلك ان نصرالله ألمح للمعنيين ان احداً غير مهتم بالملف اللبناني اذا «وقعنا» في الهاوية، لكن هذا الحديث لا يعني ان لا تستغل الولايات المتحدة أو أي قوة خارجية مستفيدة كـ»اسرائيل» من توتر الاجواء في لبنان او اي اشتباك مسلح وتدخل على خط اللعبة اللبنانية.

يعرف السيد نصرالله أيضاً ان مسألة حفظ الامن المحلي هي نصف المعركة الأمنية والعسكرية التي تضمن ظهير المقاومة. وهو ليس بوارد فرض أي قانون قادر على ان ينسف هذا الاستقرار أو التوافق الداخلي المستجد او صيغة التخلي عن الشارع وفتح البلد على طبق من فضة في خطة يتسابق عليها خصوم حزب الله الدوليون منذ سنوات من أجل الضغط عليه محلياً ضمن دوامة الضغوط التي يعيشها والعقوبات من أجل فك ارتباطه بسورية والخروج منها وعلى هذا الأساس يعي حزب الله مسألة عدم توفير فرص مؤاتية لمثل هذه الضغوط.

لكن، وعلى نقيض الحذر الأمني يعاني الشارع من تململ واضح، وجزء كبير كان يعوّل على أن يفرض حزب الله بنهاية المطاف مستخدماً فائض قوة منحه إياه حضوره بالساحة السورية تمرير قانون النسبية الأقرب للتمثيل الصحيح، فتحصل ورشة إصلاح كبيرة في البلاد وتغيب وجوه وتحضر وجوه أخرى، لعل الامل يعود من جديد للشباب اللبناني وسكان البلد الذين يعانون من أنواع المصاعب المعيشية والاقتصادية كافة.

يرفض الحزب ان يتم فرض أي قانون لا ترضى به الاطراف كافة. وهذا يخضع لمنطق كل الصيغ المعروضة والمرفوضة من أي فريق. وهذا يشمل التخلي عن تمسكه بالقانون النسبي، رغم نصائحه المكثفة والتعبير عن أمنياته ورغباته بأن يحظى بإجماع، ولكن دون «جدوى».

مصدر نيابي وتعليقاً على كلام نصرالله قال لـ»البناء» إنه إعلان نهاية التطلعات الإصلاحية في لبنان، لأن القوة الصادقة او الوحيدة مع الإصلاح والمتحررة من الاعباء الطائفية كان حزب الله عدا عن موقعه التغييري الإجمالي لمساحة المنطقة. وعليه يقول المصدر «إذا خرج السيد نصرالله بنفسه ليقول إننا نريد الذهاب لتسوية ترضي التطلعات الطائفية أو الهواجس الطائفية، فهو يعلن فشل المشروع «الإصلاحي» في لبنان وأن في لبنان قدره أن نعيش مع التسويات التي تنتج بين الجزر الطائفية والتي لن تكون الا إعادة لإنتاج النظام نفسه الذي لا يوجد فيه مكان لمكافحة الفساد والحلول الجذرية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وحيث لا يوجد مكان للسيادة الوطنية الخالصة لأن كل طائفة لديها امتداد لدولة خارجية. وبهذه الحالة قلاع لبنان الطائفية باقية حتى تسقط المشاريع الطائفية في الشرق الأوسط. وختم المصدر «يبدو ومن سوء حظ لبنان أنه امتلك القوة الإصلاحية الجذرية والجدية في اللحظة غير المناسبة على المستوى الإقليمي بلحظة انفلات كل العصبيات في سورية والعراق واليمن والسعودية وإيران».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى