«توتال» الفرنسية… هل هناك مسار أنموذجي للأنابيب؟

يبدو أن المجموعة الفرنسية العملاقة توتال تتابع في الكواليس عن كثب مشروع أنابيب الغاز بين آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية، يمكن أن تنضم إليه عن طريق آلية لتبادل الغاز يعزز وجودها في هذه المنطقة الاستراتيجية، كما ذكرت مصادر قريبة من الملف.

وهذا المشروع أحد أكثر مشاريع الطاقة طموحاً في العالم، ويقضي بربط حقول الغاز الهائلة في تركمانستان بباكستان والهند، وهما سوقان ناشئتان بحاجة ماسة إلى الطاقة، مروراً بوديان أفغانستان الصخرية التي تسيطر حركة طالبان على جزء منها. ويحمل المشروع اسم «تابي»، الأحرف الأولى من أسماء الدول الأربع.

وبعد انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان في نهاية الثمانينات في القرن الماضي، بذلت المجموعتان الأميركية يونوكال والارجنتينية بريداس جهوداً شاقة لم تجد لمحاولة بناء خطوط الغاز هذه في ما بدا إعادة «للعبة الكبرى» التي تمثلت بالنزاع على مناطق النفوذ في القرن التاسع عشر بين روسيا وبريطانيا للسيطرة على هذه العقدة الاستراتيجية. لكن منذ سنوات استؤنفت المناورات في الكواليس لبناء أنبوب للغاز طوله 1800 كلم بين جنوب تركمانستان والهند. وكانت مصادر قريبة من الملف تحدثت العام الماضي عن اهتمام المجموعتين الأميركيتين شيفرون واكسون موبيل وكذلك الماليزية بتروناس والبريطانية بريتش بتروليوم بإدارة هذا المشروع الذي قدرت كلفته بـ 7,5 مليارات دولار على الأقل.

لكن منذ ذلك الحين أبدت أطراف أخرى اهتمامها. وقال موبين سولات مدير الشركة المكلفة ببناء المقطع الباكستاني من الأنبوب «انترستيت غاز سيستم» لوكالة «فرانس برس» إن «شركات أخرى بينها توتال دخلت السباق وتتفاوض جديا مع تركمانستان». وذكر اسم الشركة الدولية «دراغون أويل» التي تتخذ من الإمارات مقراً لها أيضاً.

وتحاول شيفرون واكسون موبيل إقناع تركمانستان التخلي لها عن حصص في حقول الغاز، من دون جدوى لأن قوانين هذا البلد لا تسمح بمنح امتيازات لحقول غاز «في البر» أون شور لشركات أجنبية.

وقال مسؤول آخر في هذا القطاع طالباً عدم كشف هويته إن توتال يمكن أن «تقبل بأن تتولى قيادة الكونسورسيوم من دون امتلاك حصص» مباشرة في حقول تركمانستان.

وللالتفاف على مشكلة الملكية، ينوي الشركاء في مشروع «تابي» وضع نظام لمبادلة الغاز الطبيعي في بحر قزوين والغاز الذي يستخرج من أراضي تركمانستان ما سيسمح للشركات بالوصول إلى الغاز لتغذية الأنبوب.

وقال فيرنر ليباش مدير البنك الآسيوي للتنمية في باكستان ويأمل في إيجاد شركة قبل نهاية تشرين الثاني لإدارة مشروع «تابي»: «لا أحد يريد الاكتفاء بأنبوب للغاز. الكل يريد قطعة من قالب الحلوى». وحول اقتراح تبادل الغاز سواب ، اعتبر «أنه خيار مطروح بالتأكيد».

وقال سولات: «تمنح كمية من الغاز إلى تركمانستان غير هذه المناطق في عرض البحر وهم يؤمنون الكمية نفسها لمدخل الأنبوب، إنها فكرة جديدة. في الواقع فكرنا فيها سابقاً لكننا لم ندرس التفاصيل لأننا كنا نأمل دائماً في حصول شيفرون واكسون موبيل على حصص» في حقول تركمانستان.

وبعد أن يتوضح المشروع، ستبقى مشكلة كبيرة يجب حلها: «كيف يمكن تمرير هذا الأنبوب في وديان أفغانستان التي تسيطر حركة طالبان على قسم منها، وفي ولاية بلوشستان التي تشهد حركة تمرد انفصالية مسلحة قامت بتفجير أنابيب الغاز المحلية؟

وقال كريستوف جافريلو الخبير في العلوم السياسية في باريس أنه إذا تمت تسوية مشكلة بلوشستان عبر إعادة رسم مسار الأنبوب لتجنب مناطق التمرد، فإن المشكلة الأفغانية تبقى مطروحة بالكامل، وهنا «ليس هناك مسار أنموذجي للأنبوب»، على حد قوله.

وتدعم أفغانستان هذا المشروع الهائل على أمل الحصول على عائدات «رسوم العبور» وزيادة وإرداتها الضئيلة.

وقال جافريلو: «يمكننا أن نأمل في أن يتفق الأفغان الذين يحتاجون إلى هذا المال، على تقاسمه بدلاً من تفجير الأنبوب، لكن هذا مجرد رهان لأنه ما زالت هناك مجموعات متطرفة يمكن أن ترفع المزايدات وتنتقل إلى العمل الفعلي».

وقال سيمبال خان المحلل الذي يتابع منذ سنوات مشروع «تابي»: «يجب أن تكون هناك ارادة قوية ليس لدى الشركات النفطية وحدها، بل لدى الدول المشاركة في المشروع».

وهذه نقطة معقدة في المنطقة حيث ينبغي أن تعمل الهند وباكستان العدوتان اللدودتان اللتان تشكلان الوجهة النهائية للأنبوب، يداً بيد هذه المرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى