هل تنجح مقامرة إخراج بري… ولو ليوم واحد؟

هتاف دهام

ما لم يُقَلْ في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هو أهمّ مما قيل. شكّلت مواقفه أكبر ردّ سياسي قاسٍ اتخذه السيّد في العهد الجديد حتى الآن. صحيح أنّ هذه المواقف غلّفت بطبقة من المرونة والهدوء والتمكّن واستخدام التنويع في المصطلحات السياسية، لكن في «التقريش» السياسي للخطاب، كانت هناك كتلة نارية تحت بساط الهدوء أطلقت رسائلها باتجاهات متعدّدة.

صُوّبت رسائل السيد نصرالله التي أوحى ولم يُدلِ بها تجاه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، مع احتفاظ الأمين العام ببارقة أمل ضعيفة، رهاناً على تمايُز موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وإيمانه أيضاً بأنّ الرئيس عون لم يخرج ولن يخرج من خياراته الاستراتيجية، لكن أيضاً الخلاف حول قانون الانتخاب بالنسبة إلى «السيد» لا يقلّ استراتيجية عن أيّ خيار آخر.

في السياق نفسه، اعتقد البعض أنّ الرسائل الموحى بها في الخطاب كانت موجّهة للرئيس سعد الحريري. الشيخ سعد يمارس سياسة «صفر مشاكل» مع الأطراف المحليين. وهي نظرية الوزير التركي السابق أحمد داوود أوغلو مع دول الجوار، لكن في المحصّلة سيكتشف رئيس الحكومة أنّ الربح الآني لن يُغنيه عن الخسارة في المدى البعيد.

3 أطراف أخرى كانت معنية بشكل مباشر بما ورد في مضمون الخطاب. طرفٌ كاد السيد نصرالله أن يسمّيه في البداية عندما اتهمه بأنه يضع موقف المقاومة تجاه المسيحيين في غير مكانه، ويستثمر على تخريب العلاقة بين حارة حريك والقوى المسيحية. هذا المكوّن يتمثل بحزب القوات اللبنانية.

أما رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط فكان المعنيّ بشكل مباشر بجزء أساسي من مفردات كلمة الأمين العام لحزب الله ورسائله، علماً أن الأخير تعمّد مخاطبة مكوّنات لا مقامات أو أشخاصاً أو قوى سياسية. واللبيبُ من الإشارة يفهم!

استفاد «بيك» المختارة عندما تحدّث السيد عن هواجس الدروز والمسيحيين بكفتي ميزان متوازنتين. استفاد عندما تكلم السيد عن الديمقراطية التوافقية، وحينما قال إنّ الإلغائية مرفوضة، وإنّ اعتراض أحد المكوّنات كافٍ للإطاحة بأيّ قانون.

على مقلب عين التينة، كاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الوحيد الذي تمّت تسميته عندما تحدّث الأمين العام لحزب الله عن الثنائية الشيعية القادرة على الفوز مهما كان القانون 60 – 70 80 – 100، أكثري أو نسبي.

رسالة «سيد المقاومة» ليست للرئيس بري إنما للآخرين الذين يتوهّمون أنّ المعركة الحالية حول القانون وصولاً إلى ما بعد 20 حزيران، يمكن أن تصل إلى حدّ تفريغ البرلمان ورئاسته من ساكنيهما. يؤكد قطب بارز لـ«البناء».

لكن كيف تلقّفت بعبدا خطاب يوم الجريح المقاوم؟

يرى القطب نفسه، أنّ ما سُرّب عن مجلس الوزراء لرفض رئيس الجمهورية منطق عدم الذهاب إلى التصويت والتسلّح بالدستور، يسمح بالتفكير أنّ هذا ردّ مباشر على السيد نصرالله ويصل إلى حدّ الصدام.

والتحدّي، هو: هل سيبقى هذا الموقف ثابتاً بلعبة عضّ الأصابع القاسية؟ يسأل القطب نفسه.

إنّ روح المبادرة أصبحت غير متوفرة. هناك مَن يفكر جدياً بموازين قوى تؤدّي إلى اللجوء للتصويت في مجلس الوزراء. صحيح أنّ هذا المبدأ تطبيق للدستور، لكنه، بحسب القطب السياسي، سيؤسّس صداماً بوسائل مختلفة. فتجسيدات الاصطدام ما فوق السياسية متعدّدة ومتنوّعة، خاصة أنّ السيد نصرالله رسم في خطابه ثلاثة خطوط حمراء لا للتصويت لا لاستخدام الشارع ولا لتجاوز أي مكوّن في سياق التوافق.

ردُّ رئيس الجمهورية للوهلة الأولى، يؤكد أنّ اللعب على حافة الهاوية مستمرّ، لكن المدى الزمني لهذه اللعبة يجعل، القطب البارز، يفكر بمحطات زمنية عدة. محطة 15 أيار لم تعد مطروحة بالمعنى السياسي ، إمكانية طرح القانون على طاولة مجلس الوزراء إذا قُدّر للسياسة أن تجنّ وتخرج من عقالها، أو انتظار المواعيد غير المنظورة حتى الساعة. مواعيد من الممكن أن تكون فاتحة لبارقة أمل قبل الاقتراب من الأيام الأخيرة من تاريخ 21 حزيران.

إذا تبيّن أنّ البعض يريد الذهاب إلى مستوى من التحدي مع الحليف، ولديه قراءة للوضع الداخلي ربطاً بالوقائع الخارجية، فإنّ لبنان سيكون أمام حسابات خطر ما فوق محلي. تقول أوساط سياسية بارزة لـ«البناء». فحتى الساعة تتمّ مقاربة مجريات النقاش والتصريحات بحسن نية باعتبار النزاع داخلي الطابع وحساباته ضيقة وتفصيلية أكثر مما له علاقة بمؤامرة حقيقية ومجسّدة، شكّل الرئيس الحريري ورئيس حزب القوات سمير جعجع حجرَيْ الرحى فيها بنَفَس طويل وبأجندة خارجية هدفها الواضح دقّ الإسفين وتمزيق عرى العلاقة بين «الشيعة» و«المسيحيين» التي هي رافعة البلد الاستراتيجية منذ شباط 2006.

عندما التقى رئيس الجمهورية الشهر الفائت في قصر بعبدا وفد حزب الله نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، المعاون السياسي للسيد نصرالله حسين الخليل، مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا أكد الرئيس عون أمام الوفد أنّ الفراغ في المجلس النيابي لن يحصل. المادة 25 تحكم السياق إذا لم يتمّ التوافق على قانون قبل 21 حزيران. إذا حُلّ مجلس النواب، يترافق قرار الحلّ مع دعوة الهيئات الناخبة حكماً خلال 3 أشهر، وفقاً لمضمون المادة 24 التي تنصّ على أن ينتخب النواب وفقاً لقوانين الانتخاب المرعية الإجراء أيّ وفقاً لقانون الدوحة. عندها أجابه الشيخ قاسم إذا كنا سنصل إلى هذا المنحى لماذا نضيّع الوقت ونستنزف اللبنانيين؟ لماذا لا نذهب إلى «الستين» متوافقين بدلاً من إحكام الفراغ بالمجلس 3 أشهر؟

في ضوء هذا المشهد، يجزم القطب السياسي نفسه، أنّ الفراغ لن يحصل. لن يقبل حزب الله وحركة أمل بهذا المنحى ولن ينتظراه، لا سيما أنّ الهدف وراء الأكمة إخراج بري ولو ليوم واحد من مجلس النواب في إدارة تكتيكية للمعركة، علماً أن لعبة عض الأصابع بهدف إخراج بري، لن تؤدي إلى نتيجة، لأنه وفق النص الدستوري يستمر رئيس المجلس وهيئة المكتب بتصريف الاعمال ريثما تحصل الانتخابات النيابية الجديدة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى