خلافات غير صحية بين حليفين: انظروا حركة أمل وحزب الله!
روزانا رمّال
لا يهمّ التركيز على فحوى الخلافات التي تحيط بالأحزاب السياسية المتحالفة في أوقات لا يشوبها لغط أو تحتمل وضعها خارج اللحظات الدقيقة التي تعيشها الحياة السياسية، وفي الوقت عينه لا يمكن اعتبار خلافات «مفصلية» على ملفات حول إدارة البلاد عادية ولا تعدو كونها تبادل آراء، حتى ولو أراد أطراف التحالف الاقتناع بذلك.
يعيش التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية مرحلة «غريبة» يضعها الاثنان ضمن مرحلة «الاختلاف» لا «الخلاف». وهو الذي لن يفسد في الود قضية، كما قالت القوات اللبنانية في مؤتمرها الصحافي الأخير عن خلافها مع التيار الوطني الحر في مشكلة الكهرباء التي يعتبر التيار رأس الحربة فيها. وهي العبارة التي حرصت القوات اللبنانية على تكرارها كي لا تؤخذ الامور نواحي تبتغيها «الشياطين»، كما عبّرت.
وبما أنها المعترضة على ما يقدمه التيار، للتيار الكهربائي، كان يهم بالنسبة اليها التوضيح امام الراي العام ان هذا الخلاف لن يؤثر على العلاقة معه.
الأكيد أن هذا التوضيح وليد مخاوف وأجواء بدأت تتلمّسها القوات وتساؤلات كثيرة ترد إليها وإلى جهات فاعلة في التيار الوطني الحر تسأل عن مصير الحلف الحديث الولادة، بين أكبر حزبين مسيحيين. وهذا التوضيح يؤكد أن الأمر ليس بسيطاً ولا تعتبره القوات غير خاضع للتأويل. وهو ربما يشكل بالنسبة إليها قلقاً مشروعاً في المرحلة الراهنة تبتغي تفاديه. وهنا يبدأ الحديث عن مسوّغات هذا التحالف أو إعلان النيات بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر ومقارنتها بباقي التحالفات في لبنان، بحيث لا يمكن اعتبار تجربة القوات والتيار خارجة عن هذا السياق.
بداية بالتحالف بين حزب الله وحركة أمل:
التناغم الموجود منذ ما بعد تحرير عام 2000 غير مسبوق بين الطرفين. وقد توّج في مرحلة ما بعد اغتيال الحريري عام 2005 ونشأت قضية أولوية لُحمة الداخل والوحدة للتصدي للمؤامرات التي تستهدف وحدة المصير ومصالح المقاومة.
منذ تلك اللحظة لم يظهر أي بادرة لخلاف بين حزب الله وحركة امل ولا حتى منها ما قلّ أو ندر. وفي استحقاقات مفصلية حالية، تبدو الملفات مقسمة بين الطرفين بشكل دقيق، بحيث تتولى حركة أمل إدارة الوزارات المنسوبة إليها على طريقتها من دون أن يعترض حزب الله الذي يوافق ضمناً على حرية عمل حركة امل في مجلس الوزراء والإدارات العامة والمؤسسات الرسمية التي لن تتخطى الصالح العام للحلف، ولا أرضيته وجمهوره كبديهية، يبدو حزب الله مطمئنا اليها لتأتي مسائل المقاعد النيابية وقانون الانتخاب مثالاً يوضح أكثر حيث تؤكد مصادر سياسية رفيعة لـ»البناء» أن «حزب الله يحرص شديد الحرص على مصلحة حركة أمل بالانتخابات النيابية وعلى وحدة الصف وينتبه كثيراً لمشاريع قوانين أو صيغ انتخابية قد تُظهر حركة أمل في مواقع محرجة او تكشف فيها تباين التمثيل في مناطق قد يطغى تمثيل الحزب فيها على الحركة. وعلى هذا الأساس يهتم حزب الله بعدم ظهور أي تباين الى العلن. وهو الأمر الذي لم يحصل أبداً ويحرص دائماً على تماسك قاعدتي الفريقين الشعبيتين في السراء والضراء وكلها أمور ساعدت في تخطي ذيول الماضي والحروب بين الطرفين».
بشرح تجربة التحالف بين حزب الله وحركة امل يتبين حرص الطرفين على عدم «تكبير» الهوة بين القاعدة الشعبية لهما، لأنهما يدركان جيداً أن كثرة الخلافات قد تؤسس «لتراكمات». وهي ليست غالباً خلافات صحية كما تبدو الأمور بظاهرها. وهنا تؤكد أوساط في قاعدة التيار الوطني الحر الشعبية انزعاجاً وقلقاً من تزايد الخلافات بين القوات والتيار التي تبدو بظاهرها تجسيداً للديمقراطية والآراء الحرة والاختلافات العادية، لكن لا يمكن إسقاطها على حساسية الوضع اللبناني والاطمئنان اليها، لأن الأحزاب فيه ليست قائمة على مبدأ الدولة المدنية بل على تحالفات طائفية أو مصلحية فئوية وهي قادرة، إذاً على زرع القلق حول متانة التحالف ومستقبله.
حرص الفريقين على التأكيد لجمهوريهما أن هذه الخلافات عادية «قانون الانتخاب، الكهرباء وغيرها» والخطاب العالي النبرة أحياناً من القوات هو خطاب صادق في محاولة التأكيد وتكرار تأكيد التمسك بإعلان النيات بين الفريقين، لكن الأدق هنا والذي يجب الالتفات اليه عملاً بالتجربة اللبنانية هو ضرورة عدم الاطمئنان أن الأمور تحت السيطرة. فالقاعدة الشعبية قد لا تكون حكيمة غالباً ولا تفهم الخلاف إلا كخلاف والانتقاد إلا كانتقاد. وهو ما يُسبّب ضياعاً جدياً يستوجب ربّما ترك الخلافات خارج الإعلام أو حلها بعيداً بشكل هادئ.
يُفيد هنا الحديث عن تجربتي التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، حيث تبدو العلاقة جيدة دائماً، وفي بعض الأحيان ممتازة حتى أن الخلاف الحالي حول قانون الانتخاب، حيث لم يصدر عنه كلام رسمي اعتراضي من الحزب على موقف التيار، فبقيت الأمور قيد التأويلات والتحليلات وبعض المعلومات.
لم يعترض حزب الله يوماً بشكل علني حفاظاً على متانة الحلف وتماسك الناس، لأن الناس عبارة عن كتلة مشاعر أكثر ما تتأثر بالإعلام وما يخرج عنه.
تراكم الخلافات يعمّق «مخاوف» الناس ويربكهم، ليس فقط في مواسم الانتخابات، بل في مقبل الأيام.
فليلتفت التيار والقوات لقاعدتيهما الشعبية وهواجسهما.