فوز إسبانيّ ساحق في مهرجان سان سباستيان السينمائيّ

أعلنت الدورة 62 لمهرجان سان سباستيان السينمائي الدولي جوائزها بعد دورة حافلة تنافس فيها 19 فيلماً في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة التي ترأس لجنة تحكيمها المنتج السينمائي الإسباني فرناندو بوفيرا. وكانت المفاجأة نيل أسبانيا أربع جوائز أساسية هي «الصدفة الذهبية» لأفضل فيلم، و»الصدفة الفضية» لأفضل إخراج، و»الصدفة الفضية» لأفضل ممثل، وجائزة أفضل تصوير سينمائي.

إذن، حصل الفيلم الأسباني «الفتاة السحرية» The Magical Girl الجائزة الكبرى للمهرجان، الصدفة الذهبية . وهو من إخراج كارلوس فيرموت. يجمع بين الخيالي والواقعي، والبوليسي المثير الذي يتشح بمسحة من الغموض، فضلاً عن دراما النقد الاجتماعي، إذ يصور كيف تتحكم الثروة في المشاعر البشرية وتسعى إلى شرائها وتكون بالتالي حفرت جرحاً عميقاً تنتج منه عواقب وخيمة.

يروي الفيلم حلم «أليثيا»، الطفلة البريئة ابنة الحادية عشرة والمريضة بسرطان الدم، بالحصول على ملابس دمية يابانية تدعى «الفتاة السحرية» شاهدتها على شاشة التلفزيون وشغفت بها، ولكن والدها الذي لا يملك ابنة سواها فقد منصبه كاستاذ جامعي بسبب الأزمة الاقتصادية أو لأن لا أحد يرغب في دراسة الأدب، وهو معدم وتكاليف شراء هذا الفستان المأمول تصل إلى نحو سبعة آلاف يورو. ولأنه يريد إدخال السعادة إلى قلب ابنته يحاول سرقة محل للمجوهرات، لكنه يعدل عن ذلك حتى تلفت نظره امرأة شابة ثرية تستنجد به وتغويه بإقامة علاقة معها، فيستغلها ويبتزّها للحصول على المبلغ، مهدداً إياها بإبلاغ زوجها بما حدث بينهما وإطلاعه على التسجيل الذي أجراه للقائهما بهاتفه المحمول… وتتطور القصة تدريجياً، فالمرأة لا يمكنها الحصول على المبلغ من زوجها، ولا تجد سوى أن تبيع جسدها لأحد الأثرياء، وهكذا تمضي الحبكة في اتجاه سقوط المرأة ضحية ابتزاز واستغلال من مجموعة من كبار رجال الأعمال الذين يدفعون مقابل ممارسة أقبح أنواع العنف السادي المجنون الذي ينتهي بتشويهها.

رغم قسوة موضوعه، يتميز الفيلم أيضا بلحظات مرح كثيرة مثلما حين تطلب الفتاة من والدها إعطاءها سيجارة ثم تطلب كأساً من الجين والتونيك، وهو مضطر إلى إعطائها ما تطلبه، لإدراكه أنها قد تكون المرة الأولى والأخيرة في حياتها قبل وفاتها. وفي الفيلم لمحات كثيرة عن العزلة والأطباء النفسانيين والمهدئات ومضادات الاكتئاب والشعور بالوحدة وحالة اللامبالاة التي تسيطر على عالم الأثرياء حيال الآخرين. كما يتميز الفيلم بطابعه القريب من الواقعية السحرية في أدب أميركا اللاتينية، وبأسلوب إخراجه المتقن والجذاب. ولعل ذلك يفسر ذهاب جائزة «الصدفة الفضية» لأفضل إخراج إلى مخرجه كارلوس فيرموت، إضافة إلى نيله جائزة التصوير.

جائزة لجنة التحكيم الخاصة نالها فيلم «حياة برية» Wild Life الفرنسي لمخرجه سيدريك خان، ويروي قصة حقيقية حول رجل ينفصل عن زوجته بالطلاق فتحصل على حكم قضائي ضدّه بحضانة ولديهما طفلان في السابعة والثامنة ، إلا أنه لا يقبل الحكم فيصطحب الطفلين معه إلى مكان لا يستطيع أحد العثور عليه فيه، وهناك يربّي الولدين في مناخ متحرر تماماً، إنما تحت التهديد المستمرّ بعثور الشرطة عليهما في أي وقت وإعادتهما إلى الأم التي لا تكف أيضاً عن البحث عنهما…

يعالج الفيلم موضوع العيش خارج قيود النظام العائلي واكتشاف العالم مع الأصدقاء الذين يعيشون حياة بدائية خارج المجتمع، وكيف تؤثر هذه الحياة التي عاشها الولدان طوال أحد عشر عاماً في تكوينهما النفسي بعد أن يكبرا.

فيلم شديد الرقة والخشونة في آن واحد، يجمع بين الفوضوي والمأسوي، بين تعاطف المتفرج مع الأم من ناحية، وفي الوقت نفسه تفهم إحساس الولدين بالسعادة في الحياة الحرة المفتوحة.

جائزة أفضل ممثلة، حازتها بجدارة الممثلة الدنماركية بابريكا ستين عن دورها المؤثر في الفيلم الدنماركي «قلب صامت» A Silent Heart، للمخرج الكبير بيللي أوغست مخرج «بيللي الغازي» و»أفضل النوايا» و»قطار منتصف الليل إلى لشبونة». وتؤدي ستين هنا دور الابنة الكبرى لأم متقدمة في العمر مصابة بمرض السرطان ولا أمل في شفائها، بل يتعين عليها إما انتظار الموت أو التعجيل فيه عن طريق اختيار توقيت محدد لإنهاء حياتها بمساعدة زوجها وبموافقة جميع أفراد أسرتها: زوجها وابنتيها إحداهما متزوجة ولديها طفل، والأخرى تعاني الاضطرابات النفسية، وحاولت هي الأخرى الانتحار قبلاً ،

وتوصي أعز صديقاتها برعاية زوجها بعد وفاتها التي حدّدت لها مساء يوم الأحد، بعد تمضية أمسية مع أفراد أسرتها، وخلال تلك الأمسية تثار مناقشات وخلافات وشكوك كثيرة، وتترد الابنتان في إقرار الخطة وتحاولان إقناع الأم بالتخلي عن ذلك «الموت الرحيم»، وتشكان في التشخيص الذي توصل إليه الأب، إلاّ أن الأم تتشبث بمصيرها المقرر سلفاً في النهاية… فيلم عن الحب والتضحية ومعنى الأمومة والأسرة ومغزى العيش من دون قدرة على إسعاد الآخرين. رقة وجمال تميّزان حضور بابريكا ستين، محور الفيلم.

جائزة أفضل ممثل كانت من نصيب الممثل الإسباني خافيير غوتيريز عن دوره في فيلم «المستنقعات» Marshlands الذي يدور في بلدة في الجنوب الإسباني تشهد سلسلة من جرائم القتل المروعة، لعدد عددا من الفتيات المراهقات، ما يقرّب بين ضابطي شرطة كانا نفيا إلى تلك المنطقة عقاباً لهما على ما ارتكباه من مخالفات بسبب تعارض أفكارهما وكيف يتنازلان عن جمودهما وتزمتهما ويتعاونان في القبض على ذلك القاتل السادي المجنون. فيلم قريب بما يعرف بـ»السينما السوداء» فيلم نوار من أربعينات القرن الماضي، ففيه الكثير من الظلال والغموض والمصائر المترابطة على نحو غير منظور في البدء.

كما حاز فيلم «المستنقعات» جائزة أفضل سيناريو، فيما حصل الفيلم الأميركي «المخبأ» The Drop، للمخرج البلجيكي الأصل ميشيل روسكام على جائزة أفضل مخرج لعمل أول، ويستند فيلمه إلى قصة قصيرة للكاتب دينيس ليهان نشرت عام 2009، وتدور في نيويورك وسط عالم الجريمة واستخدام حانات المدينة في تبييض الأموال من قبل عصابات المافيا. والبطل نادل في إحدى الحانات يجد نفسه وسط سلسلة من الجرائم وفي علاقة مع امرأة غامضة تخفي سراً كبيراً وضابط شرطة ورجل غامض يتظاهر أنه التقاه بالمصادفة.

جائزة الجمهور ذهبت إلى الفيلم الوثائقي البديع «ملح الأرض» للمخرج الألماني الكبير فيم فيندرز الذي يوثق لتجربة المصور الفوتوغرافي البرازيلي المشهور سباستياو سلجادو الذي عرف باهتمامه الكبير بالعالم الثالث والقضايا الاجتماعية وصوره المشهورة عن مجاعات أفريقيا، وكان أول من لفت الأنظار إلى ذلك في الثمانينات، فضلاً عن ولعه باكتشاف أجزاء من العالم لم تكتشف بعد، وبينها زياراته إلى مناطق القارة القطبية ورصد ملامح الحياة فيها عبر صوره الكثيرة، وكيف أصبح أيضاً من أكبر دعاة الحفاظ على البيئة وخصّص منطقة شاسعة في البرازيـل لزراعة نصف مليون شجرة من الأشجار النادرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى