لماذا تناصر إيران سورية في وجه المؤامرة؟ ٥
ترجمة فاطمة ضاهر
هذا الإعلان لم يتجسّد في صيف 2014، نظراً إلى الصعوبات التي تكمن بين المملكة السعودية وإيران، على رغم وجود عدّة إشارات بالانفتاح بين الرياض وطهران خلال الأشهر الأولى من السنة. وسُجّلت تطوّرات إيجابية أخرى على الصعيد الخارجي، خصوصاً الاقتصادي منذ شتاء 2013 مع ممالك نفط أخرى، خصوصاً عُمان والكويت والامارات المتحدة بدرجة أقل. لكن التقدّم من قطر كان تطوّراً ملحوظاً. وقال وزير خارجية قطر معلّقاً على مسالة سحب دعوة الأمم المتحدة من إيران لحضور مؤتمر «جنيف 2»، إنّ هذا البلد كان بإمكانه أن يلعب دوراً حيوياً في ما يتعلق بسورية. ولقيت رغبة قطر بعدم سحب دعوة إيران لمؤتمر «جنيف 2» ترحيباً كبيراً من قبل النظام الإيراني الذي سارع إلى اغتنام هذا النفتاح لإحياء علاقاته مع الدوحة. ودعا الرئيس روحاني، الذي رأى في هذا الانفتاح احتمال إحياء علاقته مع جاره، وكذلك تهميش السعودية نوعاً ما، والحدّ من مساندتها لـ«المعارضة السورية» في الخليج، دعا إلى إعادة إحياء العلاقات الإيرانية ـ القطرية في شباط 2014. وبُذلت الجهود لتقريب العلاقات. ففي اتصال له مع أمير قطر، صرّح الرئيس روحاني أنّ البلدين كانا يسعيان إلى بناء السلام الاقليمي. كما أنّ الاتفاق حول موضوع النووي لقي ترحيباً كبيراً في تركيا. وحدثت تطورات مهمة جداً ابتداءاً من شتاء 2013، خصوصاً مع تغيّر موقف أنقرة في شأن النزاع في سورية. ويبدو أنّ تركيا تركز اليوم أكثر على تسوية الصراع في سورية، ما يشكل نقطة مهمة لطهران. وزار أحمد داود أوغلو إيران وتبعه أردوغان في كانون الثاني 2014، وناقش الطرفان موضوع الأزمة السورية. ويبدو كأنّه تم التوصل إلى توافق لتوطيد العلاقات وتطوير التنسيق في ما بينهما على رغم وجود بعض الخلاف في ما يتعلق بالملف السوري وإحياء التعاون بينهما. وقام الرئيس روحاني بزيارة إلى أنقرة في حزيران 2014 كدليل لهذا التقدّم. وفي هذه المناسبة، عُقدت عدّة اتفاقيات ثنائية في مجالَيْ الاقتصاد والطاقة.
يبدو أنّ الجو العام بين إيران والغرب، وكذلك بين بعض دول الخليج وتركيا اتّسم بالتصعيد على رغم بعض الأحداث التي أضعفت هذه العلاقة مثل عملية التفجير التي استهدفت السفارة الإيرانية في بيروت في 19 تشرين الأول 2013. بقيت المواقف حول سورية متباعدة جدّاً وحتى ولو بدأ الغرب بالسعي بطريقة أو بأخرى إلى التعاون لإيجاد حلّ للنزاع في سورية، إلّا أنّ ثمة مصاعب كبرى يجب تخطيها. لأنّ كل الأطراف كانوا غير مقتنعين بأهمية المشاركة الإيرانية في المناقشات المتعلقة بهذا الملف. واستمرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعمها متعدّد الأشكال لسورية، واصلت رفض أيّ شرط مسبق لحضور مؤتمر حول سورية، مراهنة على بقاء الرئيس بشار الأسد بشكل أو بآخر، وعلى احتمال مناقشة شكل سلطة جديدة في دمشق تحفظ مصالحها. وإذا أظهرت إدارة الرئيس روحاني مرونة في ما يخص النووي، فليس هناك أيّ سؤال حول سورية على رغم الخطاب الأكثر إيجابية. وإذا كانت لديه أيّ رغبة في ذلك، فإن روحاني ليس الوحيد الذي يتخذ القرار في شأن هذه المسألة. وكان عليه أن يأخذ بعين الاعتبار الدليل والحرس الثوري اللذين يعتبران سورية من مسؤوليتهما. ولا يبدو أنّهما على استعداد للحدّ من دعمهما النظام الحالي. وفي أيار 2014، أكّد القائد السابق لكتيبة «رسول الله» التابعة للحرس الثوري في طهران في اجتماع في حمادان، أنّ 130.000 عضو من قوات «الباسيج» كانوا على استعداد للدخول إلى سورية، لكن هذا كان تعليقاً ما لبث أن اختفى عن الإنترنت.
نظراً إلى مصلحتها من التحالف مع سورية، تناصر الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرئيس بشار الأسد منذ بداية الاحتجاجات ضدّه. وما حدث بعد ذلك عزّز الدعم متعدّد الأشكال لحكومة دمشق. وساعدت طهران السلطة السورية بكل الوسائل المتاحة لها لمواجهة الثورة.
يجب الاعتراف بأنّ الدول التي تدعم بشكل فاعل المسلّحين المتطرفين ساهمت في إراقة الدماء، آملةً بأن يؤدي ذلك إلى «إسقاط نظام الرئيس الأسد» وإلى إضعاف النظام الإيراني والتيار الشيعي المدعوم في المنطقة منذ سقوط نظام صدام حسين. بعد وصول حسن روحاني إلى السلطة، حتى لو غيّر لهجة السياسة الخارجية، إلّا أنّه لم يغيّر في ليلة وضحاها موقفه إزاء سورية. إذ استمر في دعم النظام في سورية، وتحذير المجتمع الدولي من أيّ تدخل عسكري ومن توسيع نفوذه في سورية. لكن تسلّم روحاني السلطة خفّف إلى حدّ ما من ضغط المجتمع الدولي، فاسحاً الأمل أمام تطوّر إيجابيّ في الملف السوري.
وهذا الاتفاق الموقت، إذا أدّى للتوصل إلى اتفاق حاسم، فسيكون له بالتالي عواقب من الممكن أن يكون لها تأثيراً كبيراً على سورية. ويمكن أن تساهم عودة إيران إلى مجتمع الأمم المتحدة في تعزيز موقف إيران. لكن، ومع العلم أنّ اسقاط النظام الإيراني لم يعد مطروحاً في الوقت الحالي على جدول أعمال الأوساط السياسية الأميركية، فإنّ طهران ممكن أن تكون أكثر ميولاً للمصالحة والمساعدة في إيجاد حلّ تفاوضيّ للأزمة السورية. وإذا لم تعد الجمهورية الاسلامية تشكّل هدفاً من أهداف النزاع السوري، فإنّها تستطيع المشاركة في إيجاد حل له والمساهمة في إنهاء هذه الحرب التي أسقطت 19.000 قتيراً على الأقل بين آذار 2011 ونيسان 2014 بحسب دراسة بتكليف من الأمم المتحدة. وتعتبر مصالح طهران في سورية حتى الوقت الحالي حيوية لأمن الدولة والنظام من قبل عدد من صنّاع السياسة الإيرانية. أكّدت طهران بدعمها المتواصل ووجودها في سورية أنّ المجتمع الدولي لا يستطيع أن ينشئ اقتصاداً من دون مراعاة رغباتها. وتبقى عملية تقريب المواقف الإيرانية مع أولئك الذين يساندون «المعارضة السورية» للوصول إلى حلّ للخروج من الأزمة الطويلة جدّاً والمليئة بالعقبات.
وما زاد الأمر تعقيداً، النجاح العسكري الذي حقّقه «داعش» في العراق وسورية، هذا التنظيم «الجهادي» ضدّ الشيعة والذي عيّن خليفة له في شمال العراق وشرق سورية. فهذه الصفقة الجديدة، ذات الانعكسات السلبية على السياسة العراقية لطهران، لها من دون شك انعكاسات على طموحاتها في سورية. وهذا التنظيم الذي كان يهاجم العناصر الآخرين من «المعارضة» صار اليوم يشكل ضغطاً عسكرياً كبيراً على القوات التابعة لبشار الأسد. ويعتبر ذلك خبراً سيئاً لطهران. وجاء تطوّر الاحتجاجات في غزّة ليزيد الأمر تعقيداً، لأن حزب الله وطهران سعيا إلى استئناف المحادثات مع حماس لإعادة تشكيل محور المقاومة بعد المواقف المتناقضة حول سورية، ويبدو أنّ هذه الخطوة تتنعارض مع رغبات الرئيس الأسد. وبرزت صعوبات جديدة في شأن تسيير السياسة السورية للجمهورية الاسلامية، وأدّت إلى إدخال شكوك جديدة وربما فرص جديدة أيضاً. فالغرب وإيران يتشاركان اليوم مصالح مشتركة ضدّ «داعش»، وتبقى آثار هذه المصالح غير واضحة حتى اليوم.
المصادر: «غارديان» و«تايمز».